الإخوان الأردنيون بعد انتصار حماس
14 صفر 1427

فور إعلان الانتصار الكاسح لحركة حماس، في الانتخابات الفلسطينية، بدت ملامح مشهد الفرحة الغامرة على أعضاء وأنصار جماعة الإخوان في الأردن، الذين استقبلوا النتائج وكأنهم هم من حقق هذا الانتصار. إلاّ أن هذا المشهد لا يختزل كافة أبعاد وتداعيات انتصار حماس على جماعة الإخوان سواء على طبيعة الحراك داخل الجماعة أم على علاقة الجماعة بالحكومة والقوى السياسية الأخرى.<BR>فعلى الطرف المقابل للاحتفالات الإخوانية ارتفع صوت الجدل السياسي والإعلامي داخل أروقة الحكومة وخارجها وتعددت التحليلات والتوقعات التي تصيب علاقة الحكومة بحماس من ناحية ودور الإخوان في الحياة السياسية الأردنية من ناحية ثانية. فأحد أبرز التداعيات المباشرة تمثل بمطالبة الحرس القديم في النظام والعديد من القوى السياسية المختلفة مع الجماعة بعدم تبني قانون انتخابات يسمح لإخوان الأردن بتحقيق انتصار أو أغلبية مماثلة لتلك التي حققتها حماس. واستخدمت حماس كـ"فزاعة" للتخويف من انتخابات ديمقراطية حقيقية ستأتي بالإسلام السياسي إلى مراكز القيادة والنفوذ.<BR><font color="#0000ff">الإخوان والنظام: جدلية التعايش والمواجهة </font><BR>وقد عزز من التهويش ضد الإخوان تصريحات إعلامية مفاجئة وغير متوقعة أدلى بها (النائب الإسلامي) عزام الهنيدي وأكد من خلالها أن الإخوان لا يمانعون في استلام الحكومة في الأردن. وفي الحقيقة تمثل تصريحات الهنيدي، التي حاولت قيادات إخوانية التقليل من شأنها، أحد الأسئلة الرئيسية التي تتداعى على جماعة الإخوان بعد انتصار حماس الكبير، وهو هل هناك مانع موضوعي أو ذاتي من محاولة حصول الإخوان في الأردن على الأغلبية النيابية وتشكيلهم حكومة إسلامية ضمن الشروط الحالية لنظام الحكم. بخاصة أن انتصار حماس جاء في ظل ظروف إقليمية وعالمية تشهد صعودا واضحا للحركات الإسلامية، وهو ما يمكن قراءته في نتائج الإخوان الكبيرة بمصر، أم السيطرة الإسلامية (الشيعية والسنية) على الساحة السياسية والاجتماعية العراقية بعد الاحتلال، أم حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا وتوقعات انتصار كبير للعدالة والتنمية المغربي؟<BR>في السابق كان المسكوت عنه في علاقة التعايش والتحالف، في بعض الأوقات، بين الإخوان ونظام الحكم هو اتفاق عرفي على قواعد اللعبة، بما في ذلك "عدم" وجود رغبة أو استعداد أخواني لتشكيل حكومة أو السيطرة على السلطة، والحالة الوحيدة التي شارك فيها الإخوان كحزب أو قوة سياسية في السلطة، كانت مع بداية عودة الحياة الديمقراطية 1989 في حكومة مضر بدران، من خلال عدد من الوزراء.<BR> إلاّ أن العلاقة بين الإخوان والنظام بدأت بالتراجع، وشهدت انتكاسة حقيقية بعد توقيع الأردن اتفاقية وادي عربة مع "إسرائيل" 1994، ثمّ إقدام الحكومة على سن العديد من التشريعات والقوانين المؤقتة لتحجيم نفوذ الإخوان في المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك قانون "الصوت الواحد" للانتخابات النيابية وقوانين الانتخابات الطلابية في الجامعات الأردنية، وقد بلغ التوتر مستوى عاليا واستثنائيا غير مسبوق مع مقاطعة الإخوان الانتخابات النيابية عام 1997. في حين كان تولي الملك عبد الله الثاني مقاليد الحكم وطرده لقادة حماس من الأردن في نهاية 1999 إيذانا بإمكانية الدخول بصدام حقيقي عارم بين الطرفين، بخاصة المواجهة حول النقابات المهنية ودورها في مقاومة التطبيع وتحولها إلى أحد أبرز معاقل الإخوان والمعارضة الأردنية المتحالفة معهم. <BR>وبلغ التوتر في العلاقة بين الطرفين مراحل خطيرة من التصعيد بعد فشل محادثات (كامب ديفيد 2) عام 2000 بين عرفات وباراك وتجدد الانتفاضة الفلسطينية. لكن ما بعد احتلال العراق، بدأت حدة التوتر بالتراجع، وسعي كل من الطرفين للبحث عن أسس جديدة للعبة السياسية، تمثلت أبرز معالمها في عودة الإخوان إلى المشاركة بالانتخابات النيابية عام 2003م، وفق قانون الصوت الواحد، وحصولهم على حوالي 17 مقعداً.<BR>في الآونة الأخيرة، بعد موجة الانتخابات و"الضغوط الأميركية" من أجل الإصلاح السياسي في العالم العربي وانتعاش خطاب المعارضة ومطالب الديمقراطية الداخلية انعكست تلك الظروف والتطورات الإقليمية على الحياة السياسية الأردنية، وبرزت إشارات كبيرة نحو توجه لإصلاحات سياسية محدودة، لكن المشكلة التي كانت تواجه الحكومة الأردنية هي الخوف من انطلاق "المارد" الإخواني وعدم القدرة على لجمه فيما بعد، وقد شكلت "فوبيا الإخوان" وقوتهم المتفردة في الساحة أبرز المناظرات الحكومية حول الإصلاح المطلوب وحددوه المضمونة. <BR><font color="#0000ff"> فزاعة الإسلام السياسي </font><BR>في خضم هذا الجدل السياسي الداخلي أتى انتصار حماس ليزيد من حدة وحرارة النقاشات، في الأوساط السياسية والأمنية والإعلامية، فالطرف المتشدد رأى في انتصار حماس دليلاً واضحاً على أن الإسلاميين هم الكاسب الوحيد من إصلاح سياسي حقيقي، وأنهم يطمعون إلى السيطرة على مقاليد السلطة، وأن التوازنات السياسية ستكون مهددة. بل رأى البعض بأن "كراسة الإصلاح" التي أصدرها الإخوان تمثل انقلابا على علاقتهم التاريخية بنظام الحكومة، إذ تتضمن خطابا سياسيا مختلفا ومناقضا لتوجهات نظام الحكم، ما يعني أنهم يرون بأنفسهم بديلا سياسيا للنظام.<BR>في الحقيقة، هذه المخاوف تتضمن مبالغة متعمدة غير بريئة من قبل الاتجاه المتشدد، فالإخوان لم يفكروا في أي وقت أن يكونوا بديلا للنظام الحالي. والتطور الجديد على التفكير السياسي للإخوان، بخاصة بعد انتصار حماس والتجارب الإسلامية الأخرى في الحكم، يتمثل في انكسار حاجز التوجس والخوف من الدخول الكامل في السلطة ومحاولة تشكيل حكومة، ضمن قواعد اللعبة السياسية الأردنية، في حين كان هناك تحسس وتردد داخل الإخوان سابقا من المشاركة في الحكم.<BR>وإذا كان الجدل السياسي لا يزال متوقدا حول الإخوان على المستوى السياسي العام، فإن هناك مناظرات وجدالات داخلية وحراك تنظيمي داخل الإخوان أنفسهم تولد بقوة بعد انتصار حماس، وتصادف ذلك قبل أيام من الانتخابات التنظيمية لكل من الإخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي، مما زاد من سخونة الانتخابات بدرجة كبيرة.<BR><BR><font color="#0000ff">المناظرات الإخوانية </font><BR>أحد الأسئلة الداخلية البارزة التي تتصدر المناظرات الإخوانية حالياً هو "الشأن الأردني"، ففي المرحلة السابقة كانت عيون الإخوان في الأردن متجهة إلى فلسطين، وكان أحد أبرز اهتمامات الإخوان ونوابهم وفعالياتهم السياسية والشعبية هو دعم حركة حماس ومشروعها في مقاومة الاحتلال. وانعكس ذلك على تنامي تيار داخل الجماعة مقرب من حماس، ومن أجندتها السياسية، وقد رفع هذا التيار شعار "عودة قادة حماس إلى الأردن". وكان تصدر الهم الفلسطيني طبيعيا، نتيجة الأوضاع المشتعلة في فلسطين، وأصول الفلسطينية للأغلبية الإخوانية في الأردن، والحس القومي الإسلامي الذي يطغى على أولويات واهتمامات الشعب الأردني بأسره. <BR>إلاّ أن انتقال حماس من المقاومة إلى السلطة، وإعلانها الهدنة، وانشغالاتها السياسية الجديدة أتت بنتائج عكسية تماما على الإخوان في الأردن، إذ أعادت الانتخابات التنظيمية تيار "الوسط الذهبي" إلى مراكز القيادة في جماعة الإخوان، والذي ظهر في منتصف التسعينات رافعا لواء "توطين البرنامج الإخواني" والدفع به باتجاه قضايا الإصلاح والتنمية والدعوة من ناحية، وشعار "إصلاح الداخل" والاعتناء بالشأن الداخلي من ناحية ثانية.<BR> هذا التيار تعرّض في مرحلة لاحقة لعملية تشويه كبيرة، بخاصة بعد خروج قادة حماس من الأردن، واتهمت قيادته بالإقليمية والتواطؤ مع النظام، ومعاداة حماس، ما أدى إلى اغتيال شعبية هذا التيار ونفوذه داخل القواعد الإخوانية، وتراجعه عن قيادة الجماعة، وكان أبرز قياداته آنذاك "عماد أبو دية" (النائب السابق للمراقب العام للإخوان) وسالم الفلاحات ورحيل غرايبة وإبراهيم غرايبة ونائل مصالحة وعبد الحميد القضاة ومعهم عدد كبير من الشباب الإخواني.<BR>المفارقة أنّ انتصار حماس وما تلاه من انتخابات تنظيمية جاء ليعيد الاعتبار لرؤية هذا التيار وللهم الإصلاحي والتنموي الداخلي، والدعوات إلى "مراجعة ذاتية" إخوانية، وهو ما انعكس من خلال انتصار عدد من قياداته في انتخابات الشورى الإخوانية، وبروز أحد قياداته كأبرز المرشحين لمنصب المراقب العام وهو "سالم الفلاحات"، ويتوقع أن يساهم هذا التيار بشكل فاعل وكبير في تحديد سياسات الجماعة في المرحلة القادمة وصيغة مشاركتهم في الانتخابات النيابية القريبة.<BR>في السياق العام يمكن الجزم بوجود تداعيات وظلال كبيرة لانتصار حماس على الإخوان في الأردن، على المدى القصير، لكن هذه التداعيات لم تأخذ مداها أو صورتها النهائية بعد، كما أنها تتوازى مع متغيرات أخرى مرتبطة بتجربة ما يعرف بالإسلام السياسي العامة والتحول في الخطاب والممارسة الإسلامية باتجاه الاندماج والمشاركة السياسية. فحصاد الاتجاه العام للحركات الإسلامية في ميدان المشاركة والاندماج السياسي سيكون لها هي تداعياتها وآثارها الكبيرة على مستقبل الإخوان في المرحلة القادمة سواء في العلاقة مع النظم السياسية أم الولايات المتحدة وفي مدى نجاحها أو فشلها في السلطة. فعلى الرغم أن هناك خصوصية لكل "تجربة إسلامية" إلاّ أننا لا نعجز أن نقرأ مساراً عاماً لصعود هذه الحركات وربما لمصائرها السياسية والاجتماعية مجتمعة! <BR><BR><br>