أمريكا.. الوجه الآخر من الإرهاب الدولي
23 ذو الحجه 1426

ما كشفت عنه جريدة الواشنطن بوست الأمريكية لا يدخل في إطار التسابق على الأخبار العاجلة فقط، بل وعلى المآسي العاجلة أيضا، ربما لأن المآسي في عالمنا الراهن صارت مرتكبة عمدا من قبل الدول التي تدعي أنها الأكثر دفاعا عن الحريات وعن الديمقراطية من غيرها، والأحق بالتحضر والتمدن من العالم " المتخلف" الجاهز مسبقا لتهمة الإرهاب!! قضية السجون السرية التي كشفت عنها الصحيفة الأمريكية الأكثر انتشارا ليست مزحة، بل حقيقة وإن أقلقت " حماة الديمقراطية" في العالم، إلا أنها لم تحركهم كما كان يجب أن يتحركوا، ولم يجتمع مجلس الأمن الدولي في ساعة متأخرة من الصباح في قمة عاجلة لمناقشة هذا الخبر الرهيب الذي أكدته شخصيات أمريكية من مكتب التحقيقات الفيدرالي، الأكبر منافسة لغريمته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. <BR>قبل أسابيع، حين صرح الرئيس الإيراني " محمود أحمد نجاد" عن أمنيته في حذف (إسرائيل) من الخارطة، وإن كان التصريح من الناحية النظرية والتطبيقية مجرد كلام على ورق، إلا أن جمعية الأمم المتحدة اجتمعت في الثانية صباحا في جلسة طارئة لمناقشة " المدلول الخطير" لهذا التصريح، ولتخرج إلى العالم في الصباح الباكر بقرار إدانة شديد اللهجة ومغلف بالتهديد أيضاً، بينما اعتبرت الصحف "الديمقراطية" الأوروبية أن الرئيس الإيراني صار يشكل "خطرا" على العالم.. كل هذا لأجل جملة صارت "فلكلورا" إيرانيا يحتفي بها مرة كل سنة بمناسبة يوم القدس. لقد كانت الإدانة الدولية الصاخبة بمثابة الوجه الحالي لعالم غير سليم، ولواقع مختل عقليا وسياسيا، فأن يجتمع العالم في جلسات طارئة يندد بعدها بخطورة "تصريح" قيل على عجل، فهذا قمة النفاق الذي يواجهه الجميع، والذي قبالته يتساءل البسطاء أمثالنا: أليس هذا هو الإرهاب الحقيقي؟ الإرهاب أن يكيل الكبار بمكيالين، ويرفعوا شعار مكافحة الإرهاب لقهر وقتل ملايين الأبرياء بحجة حمايتهم من دكتاتوريهم؟ أليس هذا ما جرى من قبل ويجري اليوم؟ لعلنا نتذكر بكثير من الأسى قضية الجنرال الإسرائيلي" موفاز" (وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي) الذي رفعتها ضده محكمة بلجيكية قبل عامين تتهمه فيها بارتكاب جرائم حرب ضد مدنيين، كانت القضية مسنودة على وقائع نشرها موقع لجنة "فري واتش" بتفاصيل الجرائم والضحايا الذين اغتالهم "موفاز" ضمن أوامر القتل الذي كان يصدرها على شكل غارات جوية وبرية ضد الفلسطينيين في غزة وجنين وجباليا ورام الله.. وانتهت القضية إلى " النسيان" من دون أن تتحرك شخصيات حقوق الإنسان الدولية، ولا مراصد حقوق الإنسان أيضا. لقد كانت الجرائم اليهودية والأمريكية ضد شعوب العالم وضد الشعب العربي والإسلامي بمثابة الصورة الأوضح عن سياسة الكيل بمكيالين التي تسوقها أمامنا الأمم المتحدة بكل فروعها الأيديولوجية والسياسية وحتى "الإنسانية"، فكوفي عنان لا يهمه أن يكتشف العالم "تورطه" في قضايا فساد بقدر ما يسعى كي يدخل إلى بيت الطاعة الأمريكي، وهو الذي خاض حربا شرسة ضد البيت الأبيض ليس دفاعا عن " الأمم المقهورة" بل ليظل أمينا على ما تبقى من أمم نخرها السوس! <BR>انفجار قضية السجون السرية التي كانت تديرها وكالة الاستخبارات الأمريكية إذا، لم يكن ليذهل العالم، فأمريكا خبيرة في السجون، وهي التي استطاعت أن تقوم بدور السجان البارع والتاريخي أيضا، لكن الذي يبدو مثيرا للذهول أن جهات رسمية اعترفت عن وجود تلك السجون فعلا، وحددت حتى أسماء الدول التي فتحت أراضيها لتعذيب سجناء جلهم أحضروا من معتقل غوانتنامو، ومن عمليات اختطاف طالت الرعايا العرب والمسلمين خصوصا من دون أن يتم محاكمتهم أو الإعلان عن أسمائهم وهو الحق الأبسط الذي تبيحه اتفاقيات جينيف المشهرة في وجوه دول العالم الثالث المتهمة سلفا بالديكتاتورية السياسية! لقد مارست الولايات الأمريكية الإرهاب المباشر وغير المباشر، اعتدت على الدول وعلى الأفراد، بل واعتدت على الإرث الثقافي والحضاري لكل الدول التي استهدفتها، بيد أن الجميع صار يعي اليوم أن أمريكا لا تستهدف الدول صدفة، بل عن اختيار مسبق تتأسس عبره جملة من المطالب التي من خلالها فقط يتم تناول أمن الدولة الصهيونية، وبالتالي الدفاع عن (إسرائيل) التي تعد الدولة الوحيدة الرافضة التوقيع على اتفاقيات عدم انتشار الأسلحة النووية، والرافضة مجرد الكلام عن "الحدود" بينها وبين دول الجوار؛ لأنها تصر على أن تكون حدودها من البحر إلى النهر. هذه هي التفاصيل التي يعرفها الجميع، ولم تعد (وزيرة الخارجية الأمريكية) كونداليسا رايس تخجل على دمها حين تهدد سورية بالعقاب متهمة إياها بـ"القمع السياسي"، في الوقت الذي لا يوجد من يتهم أمريكا علانية وبشكل مباشر بأنها قمعت العالم على مدى عقود من الهيمنة والاحتلال والإرهاب الفكري على حد سواء. من يقدر على إدانة أمريكا بكل الجرائم التي ارتكبتها ضد الشعوب المضطهدة؟ من يقدر على إجبار مجلس الأمن الدولي على الاجتماع في الساعة الثانية صباحا لكي يصوغ قرارا يدين فيه جورج دابليو بوش على كل هذا الحقد والكراهية والضغينة التي تخلفها سياسته في الأرض؟ من يجبر كوفي عنان على إرسال (المحقق الأممي السابق) ميليس ـ أو خلفه ـ إلى مدينة جنين للتحقيق في مجزرة إبادة الفلسطينيين التي ارتكبها أرييل شارون (رجل السلام على حد تعبير بوش وكوفي عنان) والذي قيل منذ فترة انه كان سيترشح لنيل جائزة نوبل للسلام ـ قبل أن يغرق في غيبوبته ـ وفق "الذاكرة الدولية" التي تنسى الظالم وتتذكر ملامح المظلوم حين ينفجر غضبا وقهرا. الغرب اليوم يمشي على ناصية القضايا الملفقة، وغير المهمة التي يرفعها شعارا ديمقراطيا لاضطهاد ما تبقى من بقية الشعوب.. ذلك الغرب" المتحضر" الذي إن قتل عربيا أو مسلما فهو سيقتله بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، وهو بالتحديد ما يمكن قراءته سياسيا ضمن مخطط الإرهاب الدولي الذي سيفتح النار على سورية لأجل إبادتها حضاريا وفكريا ودينيا وقوميا أيضا، ليس لأن سورية "متورطة" في اغتيال الحريري، بل لأنها في وجه المدفع فعلا، ولأنها من المنظور (الإسرائيلي) تشكل خطرا على الدولة الصهيونية التي تريد تصفية المنطقة من "المعادين للسامية" كما جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الأمريكية الذي يعتبر الدور الذي يؤديه "جورج بوش" بتكليف من الرب هو " حمل السلام إلى المنطقة" من خلال مسح كل معالمها الدينية والعقائدية ومسخها تماما كما كانت التجربة مع أفغانستان وكما هي التجربة الأخرى مع العراق. يبقى أن نتساءل عن ماهية القانون الدولي أمام الغول الحالي الذي يأكل الأخضر واليابس؟ وماهية المصطلحات المنافقة التي عبرها يتكلم البعض عن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان حين تقرر سيدة أمريكية كتابة وصيتها التي بموجبها تهب منزلها الفخم وأموالها المكدسة في البنوك لكلبتها " العزيزة" في الوقت الذي يموت فيه نصف الأمريكيين من الجوع والفقر والبرد، فقد رأينا ما فعلته الأعاصير بالدولة " العظمى" وعرفنا ألا قوة ستكون أقوى من الله _تعالى_ في كسر أنوف المتغطرسين، فلنا الله ولهم تاريخ من القتل العمدي وجرائم الحرب وإدانة الشعوب التي لن تنسي الأخذ بثأرها ذات يوم! <BR><BR><BR><br>