خطاب النصرة.. وحقيقة الانتصار
21 ذو الحجه 1425

خطابنا الدعوي الذي يستهدف نصرة إخواننا في بلاد المسلمين يقوم على إثارة وعي أفراد الأمة تجاه تلك القضايا، وزيادة معرفتهم بأحوال إخوانهم ليتحقق التأثير المطلوب، وهو القيام بسلوك إيجابي تجاههم تبرأ به الذمم أمام الخالق _جل وعلا_.<BR><BR>ونتيجة لتسارع الأحداث وتكالب أمم الأرض على المسلمين وتعدد الجراح الإسلامية، فقد ركز خطاب النصرة في تناولاته وطروحاته على الاستمالات العاطفية التي تحرك القوة الوجدانية في النفس البشرية بهدف إيجاد تيار شعبي إسلامي يتجاوب مع قضايا الأمة، ويتفاعل معها بمبدأ الجسد الواحد، وهذا مدخل له ثماره في تحقيق التفاعل والاستجابة لنصرة تلك الجراح التي يعانيها أحبتنا في شتى بقاع العالم.<BR><BR>وإذا كان يحسب لهذا الخطاب غزارة مواده وتعدد أشكاله ووسائله الاتصالية، فإن تركيزه على جانب البأساء والضراء في تلك القضايا يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات تراكمية عكسية تُحفظ في ذاكرة الأمة وتؤثر في معرفة أبنائها، وتسهم في تغييب الفهم الصحيح لحقيقة الانتصار، وتغييب نماذجه الواقعية التي تترى في فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق وغيرها.<BR><BR>وتتزايد اليوم أهمية العناية بخطاب النصرة لما يواجهه من التحديات إثر المستجدات العالمية والمتغيرات الدولية، فقد أصبح الإسلام وذروة سنامه "الجهاد" قضية العالم الأولى، حيث عمدت التحالفات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاقتداء بإسرائيل في ضمان قطع النصرة عن أهدافهم في بلاد المسلمين، من خلال التهديدات والمعاهدات ومؤتمرات دول الجوار لتضمن "الطوق" وتجزئة الأمة كتكتيك مهم للحرب طويلة الأمد.<BR><BR>ويواجه هذا الخطاب أيضاً أزمات داخلية تهدف إلى تشويهه من خلال اتهامه بعدم الوضوح في المنهج والرؤية نحو العنف والتكفير تبعاً لأحداث العنف في بلاد المسلمين، إلا أن التحدي الأكبر يتمثل في مواجهة الصوت الإعلامي المهيمن "المُسارع في الأعداء" بتناولاته ونظراته وانتقائيته وغموضه وخضوعه الفكري والأخلاقي، وتقمصه مظهر النصح والحجة والمنطق، وإشغال الساحة الثقافية والفكرية بالنزاعات والاجتهادات المتباينة حول النوازل، وتجاهله لانتصارات المجاهدين في ميادين الجهاد الحقة.<BR><BR>مما يتطلب قيام خطاب النصرة على رؤية شاملة ومتوازنة. شاملة لجوانب النصرة التي يمكن لأفراد الأمة الإسهام فيها، ومتوازنة في العرض بين المعاناة والانتصارات، بين ما أصاب إخواننا من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وما تحقق لهم من الانتصارات المعنوية –الثبات- والمادية -ما يعانيه أعداؤهم- يقول القوي العزيز: "وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً" (النساء:104). <BR><BR>إن إدراك الأمة لحقيقة الانتصار "الثبات على دينها" يعني إدراكها لعللها الحقيقية ومن ثم عودتها إلى دينها ومراجعته، وتلك هي الهزيمة الشنيعة لأعدانا، يقول العليم الخبير: "وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: من الآية217).<BR><BR>وعلى ذلك فمعالجة واقع الأمة يتطلب فهم واقعها فهما يرتكز على أسس وقواعد الدين الحنيف، بعيداً عن العواطف والانفعالات التي قد تُغيب مفاهيم ومبادئ تحتاجها الأمة في مقاومة العدوان.<BR><BR>كما يتطلب تحقيق التوازن والشمول في خطاب النصرة مراعاة الجوانب الآتية:<BR>استغلال الأحداث في تربية النفوس، كما ربى القران الكريم الأمة في منشئها باستغلال الأحداث في تزكية النفوس وتعريفها بسنن الله _سبحانه وتعالى_ وحكمه الظاهرة، وألا تكون وسيلة للهزيمة النفسية "وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ" (محمد:4-6).<BR><BR>أن تبقى أولويات الناس دائماً في إصلاح أنفسهم حتى يُنتفع بهم وبما يقدمونه للأمة "رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره"، وأن يستغل التجاوب الكبير من الشعوب الإسلامية في تربية الأمة على الصدق مع الله.<BR><BR>أن يتوافق هذا الخطاب مع طبيعة النفس المسلمة وأمالها وتطلعها إلى العزة والنصر وطبيعة ارتباط مصالحها بمصالح الأمة مصدقاً لقول المصطفى _عليه الصلاة والسلام_: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".<BR><BR>أن يبعث هذا الخطاب الأمل والتفاؤل في النفوس، وأن يبادر إلى إيصال حقائق العزة والنصر والغلبة إلى الأمة "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله" وفي رواية: "لا تزال هذه الأمة".<BR><BR>تقديم الأدلة على التوجه الإعلامي والاستخباراتي إلى إخفاء نجاحات الأمة وانتصاراتها لتظهر بمظهر العاجز الضعيف، وخير شاهد على ذلك الإخفاء المتعمد لصمود المجاهدين في فلسطين، رغم التحالف الدولي، والخذلان الإسلامي، والطوق العربي، والخيانات الداخلية، ورغم الإمكانات البسيطة، وانعدام البنى التحتية في كافة المجالات، ومع ذلك فهم صامدون شعر العالم أم لم يشعر، علم أم لم يعلم، بثباتهم على المبدأ وصبرهم على الأذى فيه.<BR><BR>فهل نبادر إلى بث التفاؤل والأمل والعزة في نفوس المسلمين؟ من خلال نماذج واقعية، ولمحات تاريخية، وقبل ذلك حقائق وثوابت وسنن ربانية "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: من الآية40).<BR><br>