هل أصيب عنان بصحوة ضمير؟؟
6 شعبان 1425

كان آخر ما ينقص الاحتلال الأميركي للعراق أن يخرج (الأمين العام للأمم المتحدة) كوفي عنان ليصرح بعدم شرعية الغزو الأميركي، وعدم استنادها إلى أي شرعية دولية،<BR>فبعد اعتراف بوش بعدم دقة معلوماته التي استند إليها في الغزو، واعتراف (وزير خارجيته) كولن باول بعدم صحة المعلومات التي عرضها في جلسة مجلس الأمن، وانهيار مزاعم البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقي، جاء الختم الرسمي من المؤسسة الدولية الأكبر، ليعيد التأكيد من جديد أن هذه الحرب باطلة من أصلها، وأن دوافعها ليست إلا الجشع والمصالح الفردية لطغمة الأبيض الأمريكي. <BR> <BR>وسارعت عواصم مشاركة في الغزو إلى التقليل من أهمية تصريح عنان، مشيرة إلى تأخرها وعدم تأثيرها عملياً، ومتذرعة بذرائع واهية، لا تمت إلا عن فراغ سياسي وفكري.<BR> عملياً التصريحات لا تعني أي شيء، فبعد خراب العراق بأكمله لا البصرة وحدها، ووصول معدل القتل الأميركي يومياً إلى 50 شهيداً من النساء والأطفال والعجائز، دون كلمة استنكار واحدة من أي طرف يدرك المرء إلى أي مدى يمكن لهؤلاء الشذاذ أن يتمادوا في غيهم وجبروتهم، دون أن يجدوا معارضة من أحد.<BR><BR>لكن هل هذا يعني أن الأمين العام الذي لم يكن يوماً إلا أداة بيد الإدارة الأمريكية لإضفاء الشرعية الدولية على جنونها وبطشها بالشعوب المارقة، هل أصيب الأمين العام بعرض من شجاعة أو شرب حليب السباع ليقف بوجه الإدارة الأميركية، ويعلن أنها مخالفة للقانون الدولي وهو يسكن في ديارها ويأكل من خيرها الوفير؟؟<BR><BR>وما هي المعطيات القاطعة التي ظهرت هذه الأيام بالتحديد ليعرب الأمين لعام عن عدم شرعية الحرب؟؟<BR><BR>أسئلة لا تجد أي جواب مقنع سوى محاولة البحث في الخطوات التالية للنظام الدولي الجديد، والمناطق التي ينوي محاصرتها، ويطلق لها التهديدات قياماً وقعوداً بشتى الحجج والافتراءات.<BR><BR><BR>فعنان وبعد صحوة الضمير المشكوك فيها وفي دواعيها، خرج من جديد ليعلن للعالم ضرورة المسارعة في اتخاذ خطوات عاجلة ضد السودان، وليذرف دموع التماسيح على اللاجئين في دارفور، الذين زعم أنهم يتعرضون لإبادة جماعية وتطهير عرقي واغتصاب جماعي من قبل ميليشيات تمولها الحكومة..<BR><BR>وإنسانية عنان أصيبت بعمى ألوان وصمم آذان وضلال قلوب، فلم تصل إلى مسامعها صرخات الأطفال والنساء المدفونين في حطام منازل الفلوجة والنجف وتل عفر وغيرها من عشرات المدن والقرى العراقية، فقتل العراقيين بالمئات لا يعد إبادة جماعية بمنطق الأمين العام، كما لم تنتفض قبل اليوم وقد ارتفعت صرخات العشرات من النساء العراقيات اللواتي تهتك أعراضهن من قبل ذئاب الحرية الأميركية، فيبدو ن إنسانية العم عنان لا ترى أن اغتصاب العراقيات في سجون أمريكا يعد اغتصاباً جماعياً، ولا يستحق تدخلاً من أحد ولا استنكاراً من أحد.<BR><BR>و يبدو أن عنان يعد أن تهجير الناس من المدن التي تتعرض للقصف الأميركي الوحشي وبشكل يومي، شيئاً لا علاقة له بالتطهير العرقي، ولا بأي أنواع من أنواع التهجير التي تستحق النقد أو الاستنكار.<BR><BR>وما ذُكر عن العراق ينسحب تماماً على فلسطين وعلى غيرها، حيث مآسي المحتلين تتكرر بشكل يومي، وحيث يشاهد العالم المسلسل المأساوي على الهواء مباشرة، ولا يحرك أخد ساكناً، بما فيهم صاحب الضمير المتنبه والشعور المرهف عنان. <BR><BR>وهل غاب عن بال الأمين العام أنه ومنظمته وكل النظام الدولي الجديد لم يحرك ساكناً عندما كانت المذابح العرقية تحصد مئات الآلاف في البلاد المجاورة للسودان؟ ولم يعرب أي طرف عن استعداده لإرسال أي قوة تحمي المهجرين والمضطهدين؟؟<BR><BR>أمر عجيب فعلاً أمر الأمم المتحدة وأمينها العام عنان، فهي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم عن آهات البشر وآلامهم إلا في إطار المصالح الاستعمارية الأمريكية، ولا بد من الاعتراف بأن المسألة ليست بالقدر الذي قد يخيل للمراقب من البساطة والسهولة، فالأمر يحتاج إلى الكثير من التعامي والتغابي وموت الضمير وقتل الإحساس عند المرور على أحزان"غير مهمة"، بينما تحتاج إلى مشاعر مرهفة وضمير صاح، وهمة عالية عند المرور على "أحزان مهمة" وبين هذا وذاك تسير المنظمة الدولية حاملة المعادلة الزئبقية الصعبة، والتي لم تُـخلَ بها إلا نادراً جداً. <BR>هل هناك من تفسير لكل ما سبق غير أن ضمير عنان يعمل حسب نظام السبات الشتوي، والاستيقاظ الموسمي حسب الطلب الأمريكي الاستعماري؟؟<BR><BR>أليس غريباً أن يدعو الأمين العام إلى ضرب دولة جديدة بعد ضرب العراق، بينما لا تزال تداعيات الحرب الأميركية وخفاياها تظهر يوما بعد يوم، والكذب الدولي الواضح في العراق يتكشف كل لحظة؟؟<BR><BR>بكلام آخر هل يريد الأمين العام أن تمتد يد البطش الأميركية للسودان، فتقتل الجاني والمجني عليه معاً، وتحيل المنطقة إلى خراب ودمار، ليخرج علينا من جديد ويعلن أن الحرب لم تكن كذلك شرعية وأن دواعيها ليست قانونية؟؟<BR><BR>هل يجب في شريعة العم عنان أن نجرب كل محرقة وكل مجزرة حتى يقتنع العالم أن التدخل الأميركي الباطش ليس الحل الوحيد ولا الحل الأمثل؟؟<BR><BR>وهل أراد عنان أن يضيف على نفسه وعلى مؤسسته المتهالكة شيئاً من المصداقية في قضية العراق، يداعب بها مشاعر الغاضبين والمتضررين، ويستخدمها من ناحية ثانية في تبرير عدوان جديد في منطقة أخرى؟؟<BR><BR>إننا لا نملك اليوم أن نحكم على نوايا عنان المستقبلية، وإن كان ماضيه لا يشجع كثيراً، لكننا بالتأكيد يمكن أن نقول: إن المسألة في مجملها لا تعدو عن كونها لعبة دنيئة جديدة يمهد لها عنان كما سبق أن ساهم في تبرير وتنفيذ غيرها.<BR><br>