هل أصبح يهود أميركا تحت المراقبة؟
4 شعبان 1425

بعد شهور من التحقيقات السرية، أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية أن "السلطات المختصة" في الولايات المتحدة تحقق في "احتمال" وجود جاسوس يحتل منصباً رفيعاً في وزارة الدفاع، وأن هذا الجاسوس قد عمل على نقل معلومات سرية إلى "إسرائيل"، وهي معلومات مصدرها البيت الأبيض بالتحديد، وتتعلق بقدرات إيران النووية والعسكرية، أما الجهة التي ساعدت هذا الجاسوس على أداء مهمته فهي مجموعة اللوبي الموالي لإسرائيل في واشنطن المعروفة باسم "إيباك".<BR>هذا الكلام الذي نشرته سائر الصحف ما كان من الممكن سماعه أو الإفصاح عنه لو لم تُبادر شبكة "سي بي أس" الأميركية مساء إلى الكشف عن خفاياه، حين تحدثت عن وجود مشبوه في وزارة الدفاع الأميركية عمل على نقل معلومات ومحاضر جلسات رسمية تمت في البيت الأبيض، وشملت بشكل خاص قدرات العراق وإيران، وزادت على ذلك بالكشف عن أن هذا المشبوه كان على اطلاع واسع، وهو مسموع الرأي، وكانت لديه قدرة للتأثير على مجرى القرار الأميركي بالنسبة للعراق، وقد ساهم في تأجيج الأجواء المعاديه له تمهيداً للحرب التي شنت عليه.<BR>أما الجانب الأكثر لفتاً للانتباه في هذه القضية التي ما زالت في أطوارها الأولى فهو أن المخابرات الأميركية الداخلية "إف بي آي" قد بادرت للمرة الأولى في تاريخها إلى الإعلان عن أنها لا تعتقد أن هذا الجاسوس كان يعمل لصالح "إسرائيل" لقاء المال أو المصلحة الشخصية، وإنما انطلاقاً من قناعة وتأييد لتل أبيب!<BR>ما الذي يجبر "الإف بي آي" على التبرع بمثل هذا الكلام "التلطيفي" حول قضية لا يعلم أي إنسان إلى أين يمكن أن تؤدي؟ <BR>بعض المطلعين على خفايا الأجهزة الأميركية وعلاقات الولايات المتحدة بالكيان الصهيوني يقولون:"إنها تصريحات لحفظ خط الرجعة ليس إلا"، أي أنها بقصد التحوط مما يمكن أن تسفر عنه التحقيقات، والتي لا يستبعد أن تأتي نتائجها في منتهى الغرابة وعدم التوقع من حيث المضمون والأسماء.<BR>وبصراحة أكثر، تمّ الاكتفاء في البداية بالقول: إن الشخص المشبوه يعمل مستشاراً في وزارة الدفاع، ثم قيل: إنه يعمل مع (مساعد وزير الدفاع) دوغلاس فيث، الذي يلي (المساعد الأول سيئ الصيت) بول وولفوفيتز صاحب اللسان الطويل، و"الموسوس" الأول في أذن بوش وديك تشيني ضد العراق، والمحرض على شن الحرب ضده، وهو بالمناسبة معروف بولائه المطلق لإسرائيل.<BR>ثم عندما قالت صحيفة "الواشنطن بوست": إن الرجل المشبوه ضابط سابق في الجيش الأميركي، وأن هناك تسجيلات بالصوت والصورة لنشاطاته داخل البيت الأبيض، ولم تتورع عن الكشف عن اسمه قائلة: إن المقصود هو لاري فرانكلين (أحد المساعدين المستشارين في دائرة شؤون الشرق الأوسط وآسيا).<BR>عندها فقط بدأت التكهنات تذهب إلى أبعد من المعلن، ووصلت إلى احتمال تورط من لا يشكك فيهم، وقيل: إن "فرانكلين" ليس إلا ورقة يمكن حرقها لئلا يحرق من هو أهم منها. وأمام تفشي ظاهرة الاستغراب وارتفاع علامات الاستفهام المحيرة تدخل "البنتاغون" على طريقة رامسفيلد، فأعلن أن الجاسوس المشبوه لا يشغل موقعاً مهما كما تردد، ولم يكن بإمكانه أخذ معلومات خطيرة، وإنه ليس أكثر من مستشار!<BR>هذا التناقض في التصريحات دفع شبكة "سي بي إس" مرة أخرى إلى التأكيد على أن "المتهم" معروف بأنه موجود في موقع مهم، وهو على اطلاع واسع، وعلى تماس مباشر بكل من (مساعدي وزير الخارجية) بول وولفوفيتز ودوغلاس فيث، وتم تسليط الضوء من جديد على علاقتهما الوثيقة بإسرائيل وجهودهما الكبيرة في التأثير على قرار إدارة بوش فيما يتعلق بالحرب ضد العراق.<BR>ولم تتوقف الثرثرة والخلط عند الأميركان فقط، بل وصلت إلى تل أبيب، ففي الوقت الذي نفت فيه "إسرائيل" على لسان رئيس لجنة الدفاع في الكنيست أي علاقة لها بالموضوع، وأكدت على التزام الكيان الصهيوني بعدم التجسس على الولايات المتحدة، وهو ما تعهد به إثر إلقاء القبض على الجاسوس جوناثان بولارد في عام 1984م متورطاً بالجرم المشهود في نقل معلومات عسكرية أميركية لإسرائيل، تتعلق بتجسس الولايات المتحدة على العرب.<BR>في هذا الوقت كشفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية بدورها على لسان (محرر الشؤون العسكرية فيها) زئيف شيف، أن جورج تينيت (رئيس "سي آي إيه" المستقيل) قد تطرق تلميحاً في أكثر من مرة إلى وجود جاسوس لإسرائيل في وزارة الدفاع الأميركية، ولم تنف الصحيفة أن جهاز الموساد "يعرف جيداً" هذا الرجل الذي يدعى فرانكلين.<BR>وإذا صح ما قيل عن أن "إسرائيل" قد تحدت تينيت أن يثبت أقواله، وأنه لم يفعل ذلك؛ لعدم وجود إثباتات مادية ضد فرانكلين، فإن الثابت في الوقت نفسه أن هذه القضية التي سبقها علم الأميركان بتسريب "إسرائيل" لمعلومات زودتها بها واشنطن حول التحركات الليبية في المجال النووي قد دفعت "سي آي إيه" إلى تخفيف وتيرة التنسيق مع الموساد، وبدأت بإخفاء الكثير من المعلومات عن هذا الجهاز، ومنها ما هو متعلق بنشاط تنظيم القاعدة داخل المنطقة، كما لم تعد تعطي اهتماماً كبيراً للكثير من المعلومات "الهامة" التي أصبحت تصلها من تل أبيب، ومن أبرزها معلومات مفبركة على طريقة "أحمد الجلبي" حول نقل العراق شاحناته التي تصنع المواد النووية إلى خارج الحدود!<BR>ومن الآن وإلى أن تظهر نتائج التحقيق في عملية التجسس الإسرائيلية الجديدة سيبقى الأميركان في هاجس تكرار قضية بولارد التي لم ينسوها بعد، وقد بدؤوا لا يستبعدون أي مفاجأة، ولم يعد اسم فرانكلين وحده هو المطروح، بل يسبقه ويليه أسماء أكبر، مثل: وولفوفيتز وأرميتاج وغيرهما، وأصبح من الثابت – أياً كانت النتائج - أن تكرار الحديث عن تجسس "إسرائيل" على الولايات المتحدة قد أرخى بظلال شك كبيرة من قبل المؤسسة الأمنية الأميركية على الأسماء اليهودية التي تحتل مواقع حساسة في الأجهزة الأميركية الأساسية والأمنية بشكل خاص، وجعلها بشكل أو بآخر تحت المجهر، كسائر عباد الله الآخرين!<BR><br>