ما لم ينشر حول مواجهات الشيعة في العراق
26 جمادى الثانية 1425

عدة عناصر أساسية تتداخل في صناعة الأسباب الحقيقية لمواجهات شديدة تتجاوز يومها الثامن وترشح لتستمر وقتاً أطول .<BR><BR>المواجهات غير مسبوقة على كافة المستويات ، بين المجموعات المسلحة لما يسمى بميلشيا المهدي، والتي يبدو أنه تقودها عناصر استخباراتية إيرانية قامت على تدريبها وتمويلها وبين قوات الاحتلال الأمريكية، والتي قد وضعت بدورها قوات من الشرطة العراقية الموالية لها في المواجهة على خط الاشتباك، وجعلت من نفسها الخط الثاني في المواجهة مقتصرة على القتال من خلال المدرعات والمركبات والهجمات الجوية بالمروحيات .<BR> بل أعلن متحدث باسم قوات الاحتلال أول أمس بدخول مجندين أمريكيين مشاة لمدينة النجف، ولكن تلك التصريحات سحبت من وسائل الإعلام بعد قليل من التصريح بها .<BR><BR>وترابطت عناصر الأحداث في مدة وجيزة، وكانت كالتالي :<BR><BR>ترى الحكومة الإيرانية أن وجودها في العراق هو الآن في أحسن أحواله على مختلف المستويات ، وترى أن كل من يحاول الحضور في المنطقة لابد وأن يخطب ودها ويتبادل المصالح معها في سبيل ذلك .<BR>وساد شعور لدى كثير من السياسيين أن إيران هي مفتاح الحل الأول للعراق، سواء على مستوى المرجعية العلمية والدينية، أو على مستوى الدعم العسكري، أو على مستوى العمق الشعبي أيضاً من خلال الحضور الشيعي القوي في العراق أو في دول الجوار العراقي ، خصوصاً وأن المقاومة كادت أن تنحصر في السنة وفقط باستثناء بعض عمليات المقاومة الشيعية لأتباع الصدر، و التي هي في غالب الأحيان تكون لغرض سياسي ما ، خلفه مطالب معينة أو مطالبة بمكاسب ما، أو احتجاج على تهميش لها في العملية السياسية أو في بعض الأحيان الأخرى احتجاجاً على غلق صحيفة ! ! <BR><BR>ولم يكن الوضع العراقي بتلك السمات ليتوافق مع المنظومة الأمريكية التي تعاني من نجاحات المقاومة العراقية السنية يوماً بعد يوم وفى منطقة بعد الأخرى، بل تصاعدت حدة تلك المقاومة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية وكأنها معها على موعد لإسقاط تلك الحفنة الطاغية في البيت الأبيض.<BR><BR>ورأى المخضرمون من خبراء العملية الانتخابية في الولايات المتحدة أنه لابد من تهدئة الأوضاع الملتهبة في العراق، وتحقيق شكل من أشكال الاستقرار يمكن للآلة الإعلامية الاعتماد عليه لتقلبه أمام الشعب الأمريكي انتصاراً ! <BR>وظلت تبرق في ناظري الاستراتيجي الأمريكي فكرة إرسال الجيوش العربية وبعض الجيوش الإسلامية في العراق كحل يكاد يكون الأوحد للخروج من المأزق العراقي الذي سيتسبب ولاشك في هزيمة انتخابية لاحقة ناهيك عن ذل لن ينخلع من رقاب الجمهوريين عبر الأيام.<BR><BR>واجتمعت الإدارة الأمريكية فور نجاح مؤتمر الحزب الديمقراطي وارتفاع أسهم جون كيرى بدرجة غير مسبوقة، ولم تمر أيام حتى كان الوزير باول في زيارة لبعض دول المنطقة محملاً بمشاعر الغضب والحنق على المنطقة بأسرها – كما صرح في بعض أحاديثه – وكان لباول في زيارته مطلبان لا غير :<BR> الأول منهما، هو: أن ترسل الدول العربية جنودها إلى العراق لإيقاف نزيف الدم والكرامة الأمريكي. وثانيهما: الحصول على تمويل لعملية نقل الجنود وتسليحهم في العراق .<BR><BR>وكان قد سبق باول إلى دول الشرق الأوسط لجنة يرأسها السيناتور غوس (رئيس لجنة الاستخبارات في الكونجرس، والمعين منذ يومين مديراً للسي آي إيه)، ولم يكن لهذه اللجنة من زيارتها هدف معلن أو خفي سوى طلب مشاركة الجيوش العربية في العراق .<BR><BR>ولعل باول غضب كثيراً عندما واجهته الدبلوماسيات العربية برفض مقنع لفكرته التي جاء بها ( ترجئ الدول العربية البت في مسألة إرسالها لجنود إلى العراق لما هو بعد الانتخابات الأمريكية، ويراهن بعض الدول على الحكومة الأمريكية الجديدة في كون فكرة إرسال هؤلاء الجنود ستقود – في حال ما تغيرت حكومة البيت الأبيض – إلى إصلاح كبير في العلاقات الأمريكية العربية في المرحلة القادمة بعد تدهورها ) <BR><BR>وهنا أوضح المسؤولون في الدول العربية الكبيرة التي زارها أنهم غير مطمئنين للوجود الإيراني المتنامي في العراق، خصوصاً وأن له شكلاً عسكرياً مدعوماً هو جيش المهدي، إضافة إلى دعم شعبي كبير لها .<BR>كما أبدت دول مجلس التعاون قلقها من محاولات انفصال الإقليم العراقي الجنوبي، والذي يتمتع بإنتاج نفطي كبير، ويعد هذا الإقليم الذي يجمع محافظة البصرة والناصرية والعامرية ومن مناطق نفوذ شيعة الصدر وأتباع جيش المهدي .<BR><BR>وأبدت هذه الدول استعداداً – في ظل ضغط الوزير الأمريكي – إلى تمويل التسليح والانتقال للجنود، وللموافقة على إرسال جنود لها إلى هناك في حال قيام أمريكا بعدة أمور :<BR>أولها: الانسحاب من الشارع العراقي إلى خارج مدن العراق. وثانيها: القضاء على التهديد الإيراني الشيعي العسكري، والمتمثل في مشروع جيش المهدي والمجلس الشيعي التابع له. وثالثاً: محاولة القضاء على مجموعات الزرقاوى وغيره من المجموعات ذات الاتجاه المسلح، والتي تراها تلك الدول خطراً على أمنها القومي، غير أن بعض المحللين يرى أن من الدول العربية من يرى أن جماعات المقاومة المسلحة العراقية - مع مدى العنف الكبير الذي تستخدمه - تعد عمقاً آمناً لها أمام الاتساع الشيعي وغيره،<BR>وأبدى (وزير الخارجية الأمريكي) باول موافقته على ذلك .<BR><BR>وفى ذات اليوم صرح (وزير الدفاع العراقي) حازم شعلان أن إيران تعد العدو الأول للشعب العراقي !<BR>وكان علاوى قد أعلن أنه سيزور إيران، فأمره باول بإلغاء تلك الزيارة .<BR><BR>وأعلنت كونداليزا رايس في مقابلة لها مع قناة " إن بي سي " أن هناك تهديد نووي إيراني حقيقي، وأن التعامل الأمريكي معه سيكون بطريقين؛ الأول، هو: التهديد بالعزلة. والثاني، هو: فرض عقوبات عن طريق مجلس الأمن ثم أردفت قائلة : ولا يستبعد أن نستخدم الطريقتين معاً !<BR>ونشرت ( نيويورك تايمز ) بعدها بيوم واحد تقريراً عنوانه : "واشنطن تكثف تحركها ضد إيران" <BR><BR>ثم بدأت الحكومة العراقية بالتحرش بالصدر واعتقلت أربعة من أنصاره ، وتلقت الشرطة العراقية والقوات الأمريكية أوامر بالرد على أي معارضة بقوة كي يشتعل الموقف، وهو ما حصل فور اعتراض أنصار مقتدى الصدر على اعتقال أصحابهم، وبدأت الشرطة والقوات بإطلاق الرصاص على المتظاهرين .<BR>وشددت القوات اليمنية على بدر الدين الحوثى استجابة لمطلب أمريكي - إذ إن الحوثي يعد من المقربين لإيران - ودارت معارك قاربت النهاية في القضاء عليه وعلى وأتباعه .<BR>وتحرشت الحكومة الإسرائيلية بجنوب لبنان وبحزب الله المدعوم إيرانياً، ولاتزال الغارات اليهودية تحوم وبشكل يومي على الجنوب اللبناني .<BR>ثم أعلن محافظ النجف طلب استدعاء القوات الأمريكية للنجف، والتي بدأت بدورها بعملية عسكرية كبيرة لم تكن سهلة على الإطلاق ولا تزال رحاها تدور حتى كتابة هذه السطور.<BR><BR> مصادر صحفية قالت: إن دولاً عربية تبرعت بمبلغ مليار دولار، وأخرى بمبلغ 800 مليون دولار، وثالثة تبرعت بثمن شراء أسلحة متطورة للجنود المزمع ترحيلهم إلى العراق من دول عربية !<BR>وأعلن الإعلام العراقي عن العثور على أسلحة إيرانية في النجف في إشارة إلى تورط إيراني في الأحداث، وفى تعليق ساخر قال شمخانى (وزير الدفاع الإيراني) : إن تلك أسلحة من مخلفات الحرب العراقية الإيرانية، وأنهم اشتروها من سوق السلاح في بغداد .<BR><BR>كما تم خطف القنصل الإيراني بطريقة أثارت الريبة فلم تعلن جماعة إسلامية مسؤوليتها عن خطفه ولم يعلن شريط مصور كما اعتادت الجماعات فعل ذلك خصوصاً والرهينة صيد ثمين، فلعل الأمر قامت به الحكومة العراقية عن طريق شرطتها التي ساعدت في إشعال الموقف ، كما ألقي القبض على أربعة من المخابرات الإيرانية في الشمال .<BR><BR>ولم يكن مقتدى الصدر قد توقع مواجهة قوية وشديدة كتلك التي يراها في النجف، ولذلك فقد كشف عن أقوى الأوراق في جعبته بسرعة ملحوظة تأباها حنكة الحروب وخبرة المواجهات .<BR> فقد أعلن نائبه في البصرة عن تهديده بفصل الجنوب العراقي عن العراق، كما أعلن عن قطع إمداد البترول من الجنوب، وهو الذي يكلف العراق يومياً حوالي ثلاثة ملايين دولار .<BR><BR>ويرى كثير من المراقبين أن الصدر ما كان ليلجأ إلى تلك الخطوات إلا إذا شعر بنية أمريكية جادة لتصفية مقاومته، خصوصا بعد رفضهم مبادرته للهدنة والمحادثات السلمية.<BR><BR>وبدأت الحكومة الإيرانية في مخططات مخابراتية للخروج من المأزق، وبدأت في البحث عن الأوراق التي يمكنها أن تتعامل بها مع الحكومة "الإسرائيلية" والحكومة الأمريكية وعن التنازلات التي يمكن أن تقدمها لهما، وعن المساومات التي يمكنها أن تعقدها معهما.<BR>ولعلنا في مقال آخر نبين بعض المعاني الأخرى المتعلقة بتلك المواجهات كدور السيستاني وأسباب خروجه من العراق، ومدى المراهنة على البقاء على حياة الصدر، وما هي الخطة التمهيدية التي ترتبها أمريكا للأيام القادمة ؟<BR>فهل تنجح المخابرات الإيرانية في الخروج من مأزقها هذا منتصرة كما اعتادت ذلك سابقاً ؟ أم هل ستتنازل عن مخططاتها التوسعية وتفسد بروتوكولات حكومات قم؟!<BR><BR><br>