سيناريو الأقلية المتحكمة
6 ربيع الثاني 1425

عندما أرادت الإمبراطورية البريطانية العجوز الانسحاب من السودان في أواسط القرن الماضي لم تشأ أن تترك مستعمرتها السابقة ذات الخيرات الكثيرة في الجسد السوداني، وهي تعلم أن هذه القنبلة ستنفجر مرات ومرات دون أن يتاح للسودان استرداد عافيته واستمرار مسيرته، وهكذا انفجر تمرد توريت في الجنوب قبل أن يعلن السودان استقلاله في مطلع العام 1956م بخمس شهور، واستمر الجرح ينزف إلى يومنا هذا.<BR>والولايات المتحدة وهي ترث الإمبراطورية العجوز في احتلال أفريقيا والعالم الثالث عبر أساطيلها وعملائها وعولمتها؛ أرادت أن تقلب الوضع فيتعافى الجنوب من الحرب وآلامها لينزف الشمال في دارفور وجبال النوبة وهمشكوريب، وهي تعبث الآن في محادثات نيفاشا بالعاصمة القومية نفسها لتزرع القنبلة التي زرعتها بريطانيا، وتترشح للانفجار في أي وقت بواسطة جيش الحركة الذي سيرابط بالخرطوم، وزعيم التمرد الذي سيقبع بالقصر الجمهوري متحكماً في الشمال والجنوب معاً.<BR>إن ما يجري في محادثات نيفاشا اليوم بين الحركة الشعبية بزعامة المتمرد قرنق – وهي لا تمثل الجنوب – والمؤتمر الوطني – وهو لا يمثل الشمال – لا يعكس بالتالي رأي السودانيين جميعاً، ولا يمثل رأي أكثر من فصيلين سياسيين يريدان أن يقتسما الثروة والسلطة عبر المرحلة الانتقالية دون أن يدركا خطورة ما فعلاه بهذا الوطن، وقد سلما أمورهما بالكامل للولايات المتحدة.<BR>إن الولايات المتحدة تتدخل – عبر مراحل – لتجعل من المتمرد قرنق قوة سياسية وعسكرية ضاربة في المرحلة الانتقالية، في الوقت الذي يضعف فيه الجيش السوداني – عسكرياً – والمؤتمر الوطني – سياسياً – فتسنح الفرصة كاملة للمتمرد قرنق بعلمانيته وعنصريته ليتحكم في كل السودان؛ في غفلة من القوى السياسية الشمالية والإسلامية.<BR>والأوضاع التي تعيشها الأغلبية المسلمة في السودان تعكس بجلاء أزمة الأمة الإسلامية في هذا العصر، فهذه الأغلبية لا تجتمع على رأي ولا تتوحد على برنامج رغم ما بينها من عوامل الاتفاق وأسباب الالتقاء في الوقت الذي يهرول فيه الساسة الشماليون لتوقيع المواثيق والاتفاقات مع قادة التمرد النصارى المدعومين أمريكياً.<BR>إن قليلاً من التنسيق والتعاون بين قوى الأغلبية المسلمة في السودان ستقلب الموازين لصالح الإسلام مهما بذل الأمريكان وعملاؤهم من جهود، أو خططوا من مؤامرات لإقصاء الإسلام من الحياة العامة في السودان.<BR>والدور المطلوب في هذا الصدد تتحمل فيه الإنقاذ النصيب الأكبر كقوة ممسكة بمقاليد الأمور في البلاد، والواجب يقتضي عدم تكرار أخطاء الماضي القاتلة، حينما انفرد الإنقاذيون بالسلطة وضيقوا على إخوانهم الإسلاميين، واليوم نرى شبح نفس الأخطاء يسعى بإقصاء الإسلاميين من المشاركة مع تقاسم السلطة والثروة مع المتمرد، ولا تُعفي القوى الإسلامية الأخرى من أخطاء الماضي، وما زال في الوقت متسع لتدارك الأمور قبل الطوفان.<BR><br>