ياسين: شهيد فلسطين
2 صفر 1425

العملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت الشيخ المقعد أحمد ياسين فجر الاثنين الماضي بعد مغادرته المسجد مباشرة بعد صلاة الفجر، تكشف إن كان الأمر محتاجاً إلى دليل لمن في صدورهم أدنى شك أو في نفوسهم أدنى أمل في "سلام مزعوم" مع الكيان الصهيوني،وتكشف الطبيعة الإرهابية الغادرة للعصابات الإجرامية الصهيونية ، والخيار الذي تبنته حركة المقاومة الإسلامية في مواجهة الاستكبار والصلف الصهيونيين هو الخيار الأصوب والوحيد، ليس فقط لاسترداد حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها سائر أراضيه المغتصبة وعودة اللاجئين كل اللاجئين إلى وطنهم الذي أخرجوا منه كرهاً وانتزعوا منه غصباً؛ ولكن في مواجهة الحقد الصهيوني الأعمى وتعطش قياداته المجرمة إلى سفك الدماء والإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، ومواجهة الطبيعة الجبانة لشذاذ الآفاق الذين لا يرقبون في أهل فلسطين إلاً ولا ذمة ونصرة قيم العدل والخير والسلام ليس في فلسطين، بل في العالم كله. <BR>ولقد ظهرت تلك الطبيعة الحاقدة الشريرة والجبلة الجبانة واضحة مكشوفة في استهداف زعيم روحي وقائد سياسي وشيخ مقعد ليس له من القوة إلا ما حمل داخل عقله وقلبه، ومباشرة بعد لحظة خشوع وعبادة أي بعد صلاة الفجر وقريباً من بيت من بيوت الله، مما يدل أن الأمر يتعلق بإرهابيين وسفاحين مجرمين، ومستكبرين مغرورين بما تحت أيديهم من جبروت القوة المادية والعسكرية، وما استنفروه بأساليبهم الخبيثة والماكرة من تأييد دولي وابتزاز خبروه ومارسوه عبر عقود، فأصبح ثقافة راسخة وسلوكاً متأصلاً فيهم.<BR><BR> ولقد جاءت هذه العملية للدلالة على كل تلك الخصال والخصائص؛ لتترجم ممارسة يومية متواصلة منذ عقود وتطالعنا بها الأخبار كل يوم، ذلك أن عملية التقتيل والتجويع وتدمير البيوت والبنيات التحتية وتحريق الأراضي ونهب المياه وتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية من خلال جدار الفصل العنصري وتطويق المدن؛ سعياً إلى تركيع الشعب الفلسطيني ودفعه إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء، كل ذلك أمر لا يقل بشاعة عن عملية الاغتيال الجبانة التي استهدفت الشيخ أحمد ياسين، بل إنها الصورة اليومية للإرهاب الصهيوني، إرهاب الدولة المنظم.<BR><BR>لكن يخطئ الصهاينة إذا ظنوا أن مقاتلتهم للفلسطينيين في قرى محصنة أو من وراء جدر، وأن عمليات الاغتيال الجبانة لرموز الشعب الفلسطيني وقياداته ستؤدي بالشعب الفلسطيني إلى الاستسلام ورفع الراية البيضاء، فأرض فلسطين كلما ارتوت بالدماء الزكية للشهداء أنبتت مئات القادة، كما أنبتت دماء عز الدين القسام أجيالاً متلاحقة من المجاهدين، والشيء نفسه لدماء فتحي الشقاقي، ويحيى عياش، وإسماعيل أبو شنب، ودماء الشيخ أحمد ياسين وغيرهم ممن قضوا نحبهم على طريق الجهاد، وممن لايزال ينتظر ويسأل الله الشهادة كما سألها الشيخ ياسين فنال فضلها ومنزلتها.<BR> يخطئ شارون وعصابته الإجرامية المنتفشة بقوتها المادية وجبروتها العسكري إذا ظنت أنها قادرة على استئصال فكر المقاومة، فاستخدامها لطائرة أباتشي وصواريخ متطورة وجنود مدربين ومخابرات متخصصة في مواجهة شيخ مقعد أعزل كشف أن سلاح المقاومة أمضى وأفعل، وقضيتها أقوى وأعدل، ومداها الزمني والبشري والإنساني أكبر وأعمق، فكل طفل فلسطيني يوجد اليوم على الأرض المباركة هو مشروع مجاهد سيسير على نهج الشيخ ياسين، وكل مسلم في العالم اليوم هو مشروع ياسين، وكل ضمير حي هو مشروع ياسين. <BR><BR>"ياسين" لم يكن يجاهد من أجل قضية شخصية، ولا من أجل قضية طبقية ولا حتى من أجل قضية فلسطين، بل كان يقاتل من أجل الإنسانية كلها، ويدافع الإرهاب الأكبر والفساد الأكبر، ويدافع عن كل القيم النبيلة في العالم مصداقاً لقوله _تعالى_: "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: من الآية40).<BR>كان ينوب عن الجميع في مواجهة شارون وعصابته المجرمة والحركة الصهيونية وجرائمها المتواصلة ضد الإنسانية في فلسطين وفي العالم كله.<BR><BR>إن يوم الثاني والعشرين من مارس ينبغي أن يبقى موشوماً في ذاكرة التاريخ المعاصر وفي تاريخ الإنسانية. إنه يوم الإرهاب الأكبر، كما أنه يوم النصر الأكبر يوم لأنه يوم انطلاقة لموجة جديدة من انتفاضة الشعب الفلسطيني بعد يوم 28 شتنبر 2000 م الذي وطنت فيه قدما شارون المدنستان أرض المسجد الأقصى.<BR><BR> وهو اليوم الذي تأكدت فيه هزيمة مبدأ القوة أمام قوة المبدأ والإيمان بنجاعة السلاح أمام نجاعة سلاح الإيمان. ذلك أنه كلما ازدادت جرائم الصهاينة على أرض فلسطين حدة وضراوة إلا ودل ذلك على التزايد المتواصل لصمود الشعب الفلسطيني واستعصائه على الكسر أو الإبادة المادية والمعنوية، وفي المقابل دل على الفشل المتزايد للمشروع الصهيوني، وصدق الله العظيم إذ يقول: "إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ" (النساء: من الآية104).<BR><BR>فتقبلك الله يا شيخ أحمد في الشهداء، وأنت مقعد بجسدك على كرسيك، ورحمك الله فإن إعاقتك لم تقعدك عن الجهاد والصمود، وخسئ الواقفون بأجسادهم الذين ليست لهم إلا همم مقعدة متخاذلة مثبطة تسارع فيهم "يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة: من الآية52).<BR><br>