برويز مشرف .. نموذج مثالي للفشل السياسي (1)
7 ذو القعدة 1424

[email protected]<BR><BR>" جزاء سنمار " هي الحكمة العربية التي تفسر المنهج الذي تتعامل به الولايات المتحدة مع حلفاءها غير الغربيين ، و " الميكافيلية " هي المفهوم الغربي الذي يفسر هذه المنهجية ، إذ لا وجود مطلقاً لمبادئ الوفاء بالعهد أو المعاملة بالمثل أو حماية الأصدقاء.<BR> و الأمر المثير للشفقة و الحنق في ذات الوقت أن قطاعاً من حلفاء أميركا يغفلون عن هذه الحقيقة ، و قطاع آخر يبدو على استعداد تام للتكيف معها ، و ذلك بأن يقدموا للأميركيين دوماً مسوغات البقاء ، بقاء الحاكم أو بقاء التحالف لا فرق ، و نحسب أن برويز مشرف (الحاكم العسكري لباكستان) يعد نموذجاً مثالياً للقطاع الثاني ..<BR> لكن في المقابل لم أجد للآن ما يفسر الأداء السياسي لبرويز مشرف ، سواء في الثقافة العربية أو الغربية ، فالرجل مبدع لا شك ، و يعد مدرسة سياسية مستقلة يعتقد أن لها مستقبل باسم في العالم الإسلامي ، و نحسب – والله تعالى أعلى و أعلم – أن التاريخ سيصف مشرف بأنه : الرجل الذي تعاقد مع الأميركان لإزالة دولة باكستان من على الخريطة .. كيف ذلك ؟ <BR>حُكمت باكستان منذ نشأتها من قبل أحزاب سياسية مختلفة ، فيما عدا مدة حكم الجنرال ضياء الحق ، و رغم أن أغلب الأحزاب الباكستانية علمانية الطابع تتعامل مع الإسلام كهوية قومية أكثر منه شريعة و عقيدة ، إلا أنها كانت – لاعتبارات التنافس بالدرجة الأولى – تحافظ على باقة من الثوابت السياسية الباكستانية لا تستطيع أن تحيد عنها ، ولكن منذ الانقلاب العسكري (المريب) الذي أنهى حكم الأحزاب ذات الخبرة السياسية العريقة ، و جاء بالجنرال برويز مشرف ذي الخبرة السياسية المعدومة .. تغير الحال تماماً .<BR>فقد اختزلت باكستان دولة المائة و خمسين مليون نسمة ، و عضو النادي النووي ، في قدرات رجل واحد – و ليس حزباً - لا قبل له بسياسة الدول ، وهذا ما يفسر حالة الانهزام الدائمة التي يتسم بها الأداء اللا سياسي لمشرف ، وجاءت أحداث سبتمبر لتكشف أكثر قدرات مشرف السياسية المتواضعة ، وليتحول إلى راع ٍللمصالح الأميركية في بلده بطريقة همشت دور السفير الأميركي نفسه .<BR>و تبدو قائمة الفشل الخاصة بمشرف مزدحمة بالعديد من الإنجازات ، فعلى الصعيد الداخلي : تجاوز الخطوط الحمراء في التعامل مع قبائل البشتون في المناطق ذات الحكم شبه الذاتي ، و فتح المجال للمخابرات الأميركية لتصول و تجول في المنطقة الحدودية ، وهذا ينذر بتوترات لن تحمد عقباها بأي حال ، و تردت الحالة الأمنية ، و لم يستطع مشرف أن يحمي نفسه فضلاً عن شعبه ، و إلا فماذا يعني تعرض الحاكم العسكري لمحاولتي اغتيال في معقل جيشه – روالبندي - وانطلق مشرف يحاكي جنرالات تركيا فطرد من الجيش عدداً كبيراً من خيرة الضباط ذوي الميول الإسلامية القوية ، لتزداد حالة النقمة عليه بين أركان جيشه ، ولذا كان أول رد فعل له بعد محاولة الاغتيال الثانية نقل مقر إقامته من بين ضباطه إلى إسلام آباد ..<BR>و لا تتوقف الإنجازات عند الشأن الداخلي ، بل تشمل تقريباً كافة المجالات ، وهذا ما سنكمله في المقال القادم و الذي سنجيب فيه _بمشيئة الله_ على السؤال الأكثر أهمية : متى ينتهي تاريخ الصلاحية السياسية لبرويز مشرف حسب المقاييس الأميركية ؟ و هل يمكن أن تتفكك باكستان في غضون سبع سنوات كما يخطط الأميركيون ؟<BR><BR>* ينشر بالتزامن مع ( المحايد )<BR> <BR><br>