العدوان الأمريكي على العراق ... إلـى أيـن؟
12 ربيع الثاني 1424

تؤكد الدراسات الاستراتيجية في أمريكا أن المخزون النفطي العالمي يتواجد بنسبة تزيد على (80%) في خط يبدأ بمنطقة بحر قزوين عبر أذربيجان مروراً بإيران والعراق والسعودية ومنطقة الخليج، إضافة إلى السودان الذي تقول بعض الدراسات الأمريكية الخاصة جداً: "إنه يطفو فوق بحيرة من النفط"!! ولذلك انصرفت أمريكا منذ عام (1973) إلى العمل على وضع بترول المنطقة تحت سيطرتها شبه المباشرة، بعد أن فقدت الثقة بالتفاهمات السياسية التي كانت تعتمد عليها في تأمين الطاقة للمدنية الأمريكية. <BR> وحرصت منذ ذلك التاريخ، عبر توجيه دراسات العلماء ومراكز الأبحاث، إلى السعي لإيجاد البديل عن الطاقة، ولكن كل هذه المساعي والأبحاث لم تحقق بعد عشرين عاماً من العمل الدؤوب نجاحاً يذكر، ولم توصل إلى نتائج وافية مقبولة، في الوقت الذي كانت تؤكد فيه دراساتهم أن القرن الواحد والعشرين هو القرن الأخير للبترول تقريباً. وهكذا تحول هذا القرن بامتياز إلى "قرن الصراع على الطاقة". <BR> <BR><font color="#0000FF" size="4"> سلسلة حروب السيطرة</font></br><BR><BR> كادت شركتان فرنسية وألمانية أن تحصلا على امتياز حقل مجنون العملاق للتنقيب عن النفط في العراق أواخر عقد الثمانينات، لكن الأمريكيين كانوا بالمرصاد ففوتوا عليهم الفرصة بإغراء حاكم العراق بغزو الكويت عام (1991)، ليكون ذلك الغزو سبباً في إلغاء العقود الفرنسية والألمانية؛ ووضع اليد بشكل مباشر على بترول الخليج، وتأكيد تنصيب أمريكا زعيمة للعالم بعد أن فرضت نفسها قطباً أوحد لا معارض له ولا منازع.. وعندما أرادت أمريكا استكمال مشروعها بالسيطرة على المخزون النفطي العالمي أوجدت ما يبرر لها غزو أفغانستان تحت ذريعة "محاربة الإرهاب" لتحقق في حقيقة الأمر السيطرة الفعلية على بترول منطقة بحر قزوين أواخر العام (2001). <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">"إسرائيل" في السياسة الأمريكية</font></br><BR><BR> يؤمن الإنجيليون المتصهينون الذين يحكمون أمريكا اليوم بناءً لرؤى توراتية إنجيلية أن عودة المسيح وحكم أمريكا _ بقيادتهم _ للعالم ألف عام مرتبط بحماية إسرائيل والتمكين لها، بعد معركة "هرمجدون" التي يتم فيها تدمير أكثر العالم.. وما ( فوكوياما ) في كتابه ( نهاية التاريخ ) و(هنتغنتون) في نظريته (صراع الحضارات ) إلا أمثلة خجلة أمام تشيني ورامسفيلد وريتشارد بيرل وريتشارد ارميتاج وبول وولفوفيتز وكونداليزا رايس وغيرهم من رموز الإدارة الأمريكية وصناع القرار فيها. ولم تعش إسرائيل مأزقاً كمأزقها اليوم، فها هي تعيش بفعل جهاد الشعب الفلسطيني الأعزل أزمة اقتصادية خانقة لم تعرفها من قبل، ورعباً وخوفاً في المجال الأمني، وصراعاً سلبياً حاداً في الميدان السياسي، وانهياراً معنوياً مريعاً في الجيش، وتفككاً واضطراباً اجتماعياً، والأخطر من ذلك كله هجرة معاكسة؛ وتوقف شبه يومي لكثير من مظاهر الحياة، وهروب لنسبة كبيرة من سكان المستوطنات إلى داخل فلسطين 1948 بحثاً عن الأمن الذي لم يجدوه أينما حلوا أو ارتحلوا.. وإذا كان الأمر في إسرائيل كذلك، فلتخض أمريكا الحرب، ولتبذل الغالي والنفيس من أجل قيامتها، بإنقاذ شعب الله المختار مهما كلف ذلك أمريكا أو المنطقة أو العالم، وليكن العراق، أضعف حلقات المنطقة هو نقطة البداية لتلك السيطرة الشاملة على العالم، خاصة وأن اليهود يجدون في تلمودهم أن خراب دولتهم الثانية يكون على أيدي جنود أولي بأس شديد، يخرجون من أرض بابل كما خرج نبوخذ نصَّر قبل آلاف السنين فخرب دولتهم الأولى وساقهم أسرى.. وما كان لأمريكا وهي تلبي نداء الرب المقدس، بإنقاذ إسرائيل وحمايتها؛ وسيطرتها على الكون سيطرة لا تنتهي بالسياسة والاقتصاد، وإنما تبدأ بهما وتتخذهما وسيلة لتحقيق سيطرة الفلسفة المادية والنموذج الأمريكي في القيم والثقافة والمبادئ والأخلاق.. ما كان لها والحال هذه أن تستجيب لدعوات مجلس الأمن ومبادئ حقوق الإنسان والتظاهرات المليونية التي خرجت تندد بالعدوان في شرق الأرض وغربها، فالقضية أبعد من احتلال بلد، أو إسقاط نظام، أو تحقيق بعض المكاسب.. القضية في مبتداها تحقيق لنبوءة؛ ومقدمة للسيطرة على العالم كله من خلال التحكم بمخزون الطاقة فيه. فأمريكا لا تريد احتكار نفط العراق، وإنما تريد أن تستخدمه سلاحاً سياسياً فعالاً في وجه كل من يعترض طريقها أو يخالف توجهاتها الأحادية الفردية، سواء كان هذا المعارض أو المخالف في آسيا أو إفريقيا، أو كان في أوروبا واليابان أو الصين وروسيا أو غيرها من بلاد الله ودول الأرض.. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الأهداف الحقيقية للعدوان الأمريكي على العراق</font></br><BR><BR> لم تستطع أمريكا خداع العالم بما ادعته في غزوها للعراق من نزع أسلحة الدمار الشامل، إلى تغيير النظام وتحرير العراقيين، فأسلحة الدمار الشامل لو كانت موجودة فإن عشر سنوات من التفتيش وفرق التجسس، وقصف المنشآت كفيلة بإزالتها، وأمريكا التي تدعي الحرص على حقوق الإنسان وكرامته هي التي قتلت من العراقيين بالقنبلة والصاروخ، أو بالحصار والتجويع أكثر من مليون ونصف مليون طفل، وهي التي استباحت كرامة الشعب العراقي عندما حولته إلى مستجدٍ للقمة الخبز؛ ينتظرها في شاحنات المساعدات الإنسانية عبر مشروع "النفط مقابل الغذاء"، وكأنه يعيش ليأكل أو يأكل ليعيش.. لقد خرجت الملايين في العالم تعبر عن رفضها لهذا العدوان، قناعة من النخب والجماهير أن من أولويات هذا الغزو حماية إسرائيل، والسيطرة على النفط، وإعادة صياغة المنطقة ورسم خريطتها وفق الرؤية الأمريكية الصهيونية. بل هو حلقة في سلسلة مريعة ترمي إلى القضاء على جميع ألوان الاستقلال في الإرادة والقرار ، أو العمل والتخطيط ، أو التصنيع وامتلاك القوة لا في المنطقة الإسلامية وحدها بل في العالم بأسره.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> 9/نيسان/2003 نقطة تحول</font></br><BR><BR> إن الحقيقة الكبرى الماثلة أمامنا الآن هي أن يوم 9/4/2003 يشكل نقطة تحول في تاريخ البشرية، وما كان قبله ليس كما يأتي بعده أبداً.. فالحرب العالمية الأولى أفرزت معاهدة "سايكس بيكو" التي رسمت خارطة المنطقة على مقاسات الحلفاء المنتصرين، وبعد الحرب العالمية الثانية تقاسم المنتصرون النفوذ في العالم، فضلاً عن إلغاء "عصبة الأمم" لتقوم على أنقاضها هيئة مفصلة على مقاسات محددة هي "هيئة الأمم المتحدة" وما تفرع عنها من مجلس الأمن والبنك الدولي وغيرها من مراكز النفوذ الدولي والقرار العالمي. وبعد أكثر من نصف قرن ترى أمريكا أن موازين القوى قد تبدلت، وأنه لم يعد أحد يجاريها في ميدان السياسة والاقتصاد، فلماذا لا تحكم هي العالم بإرادتها الأحادية الفريدة؟! ولماذا لا تكون قيمها ومبادئها هي السائدة دون سواها؟! فلتتغير نظم الكون لصالحها، ولترسم حدود الدول من جديد، ولتكن أمريكا وحدها هي القائد المتحكم المسيطر، ولتبدأ حروب السيطرة بحرب الخليج الثانية، ثم بغزو أفغانستان، وصولاً - وليس آخراً - إلى احتلال العراق. واليوم.. بعد أن تجاوزت أمريكا كل الدعوات والأعراف والقوانين، ما الذي حصل؟؟ لقد ذهب احتلال العراق بادعاءات أمريكا احترامها الحريات، والمحافظة على حقوق الإنسان والقيم الأخلاقية. وذهب احتلال العراق بالقانون الدولي والمنظمات العالمية وهيبة الأمم المتحدة وقدسية قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، ولم يبق إلا قانون الغاب حيث الكلمة للأقوى والسلطة المطلقة للذئاب. وذهب احتلال العراق بالجامعة العربية واتفاقيات الدفاع العربي المشترك والنظام العربي الذي بدا عاجزاً مكشوفاً غير قادر على إثبات مصداقيته أو مبرر وجوده. وذهب احتلال العراق بمنظمة "أوبك" وما تبقى عندها من قدرة على التحكم بسعر برميل النفط. فالعراق سيضخ ما بين ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين برميل نفط يومياً بشكل إضافي إلى الأسواق العالمية، وربما ضخ بعد خمس سنوات عشرة ملايين برميل يومياًًن بأمر أمريكا التي تتحكم بالسعر والأرباح. وأعطى احتلال العراق أمريكا قوة طاغوتية إضافية تمكنها من حماية ربيبتها "إسرائيل"، وبسط نفوذها على المنطقة، والتأثير القوي في صناعة السياسات العالمية في مجالات التربية والاجتماع والاقتصاد والقيم والثقافات. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">واقع العراق بعد الاحتلال</font></br><BR><BR> الحقيقة الثابتة اليوم هي أن العراق محتل بفعل الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني، والثابت أيضاً أن هذا الاحتلال سيطول، وأنه لن ينتهي قبل أن تحقق أمريكا أهدافها منه. يحلم العراقيون بعد عقود من الذل الظلم والقمع والاستبداد بالحرية ونظام سياسي مفتوح، لكنهم يدركون أن الديمقراطية لا تفرض بالدبابة والصاروخ، والحرية لا يقوم بناؤها على جماجم الأطفال وجثث الأبرياء، وأن أمريكا لم تتجاوز العالم كله مضحية بجنودها إكراماً لعيون العراقيين. والأمريكيون يعرفون أن دولة عراقية قوية تقوم على أساس انتخابات حرة ونزيهة معناها سيطرة الإسلاميين والقوميين الذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أما أطماع الأمريكيين بثرواتهم وتدخلهم بمناهج تعليمهم وطرائق عيشهم..فماذا يريد الأمريكيون؟؟<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> مستقبل النظام السياسي</font></br><BR><BR>ليس صحيحاً ما يردده البعض من أن أمريكا ستبقي على قوة الجيش العراقي ووحدته ليظل قادراً على مواجهة التطلعات الإيرانية التوسعية وأفكارها الثورية الراديكالية.. والصحيح أنها ستعمد إلى تفكيك هذا الجيش وتسريح قياداته وتشتيت طاقاته وكفاءاته، بعدما وصل عدده إلى أكثر من مليون جندي بأسلحة متميزة وإمكانيات هائلة، حتى بات يشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل التي قامت عام (1981) بخطوة احترازية حين قصفت المفاعل النووي العراقي. وتتحدث التقارير عن أكثر من سيناريو لحكم أطراف العراق والنظام السياسي فيه، لكن كل هذه السيناريوهات تؤكد أن الأمريكيين سيكونون هم الحكام الفعليون في أي نظام يقوم أو حاكم ينَصَّب.. ولعل أقرب هذه السيناريوهات هو أن يعطى الأكراد حكماً ذاتياً في الشمال بعدما أجبروا على سحب قواهم العسكرية من أربيل والموصل، وأن يقوم فيما تبقى من العراق حكومة للشيعة فيها نصيب الأسد، وللعرب السنة بعض المكتسبات القليلة، مع الإبقاء على فتيل الخلافات ممسوكاً من قبل اللاعب الأمريكي يشعله متى أراد وتخبو ناره متى شاء. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">واجب المسلمين</font></br><BR><BR> ربح الأمريكيون معركة لكنهم لم يربحوا الحرب، ولعل أبرز عناصر الضعف فيهم هي تلك الثقة بالنفس التي تتجاوز حد الاستكبار إلى حدود التأله!! إضافة إلى فرط الاستهانة بالخصم والتقليل من شأنه، وكأني بالله تعالى يصفهم عندما وصف المشركين يوم بدر "وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاس وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ، فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ"[الأنفال:48] ولن يطول الوقت الذي يكتشفون فيه أن الشيطان قد خدعهم عندما زين لهم غزو العراق واستباحة أرضه وشعبه وسمائه. وسيتجاوز الشعب العراقي بسرعة صعقة المفاجأة ليذيق الغزاة مرارة العلقم وألم الضربات الموجعة، ولن تتأخر قوافل الاستشهاديين عن سلوك طريق العزة وتحرير الأرض والإنسان، ولن تتمكن الآلة العسكرية المتفوقة من دحر إرادة الشعب وسلب إيمان الناس، فصاحب الحق أطول نفساً وأمدُّ صبراً، وأقدر على التضحية والفداء. ولعل المظاهرات التي قامت بعد أيام قليلة من الاحتلال، والعمليات الإستشهادية المتفرقة؛ والإعلان عن قيام الجبهة الوطنية لتحرير العراق من العدوان الأنجلو أمريكي هي بداية دهاليز العتمة الذي دخلته أمريكا، ولن تخرج منه إلا مدماة ذليلة بإذن الله.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">إلا أن من المفيد أن نؤكد هنا أن للجهاد أشكالاً متعددة</font></br><BR><BR>أعلاها حمل السيف وأدناها إنكار القلب، وبينهما جهاد الكلمة والدعوة والموقف والممانعة والمقاطعة وغيرها من أساليب الإنكار والجهاد المدني.. وقد تحدث علماؤنا أنه ليس من الحكمة أن يباشر المسلمون الجهاد بالسلاح خارج حدود فلسطين والعراق في ظل موازين القوى والظروف التي نعيش، ودعوا إلى جهاد مسلح ومقاومة عسكرية للمحتل داخل البلدين المحتلين، وإلى الأخذ بأقصى درجات الممانعة والجهاد المدني خارج العراق وفلسطين، وعليه فالجهاد بالسلاح فرض على من استطاعه وملك مقوماته ومكانه هو العراق وفلسطين، وإلا فأبواب الجهاد المدني مفتوحة ومجالاتها واسعة ومداها هو العالم كله، بالكلمة، والموقف، والتوعية، والمقاطعة الشاملة لأفكارهم وقيمهم وعاداتهم وثقافتهم وبضائعهم وسلعهم، إلى أن يأذن الله بتجاوز هذه الحدود.<BR><br>