الذين يزيدون النار اشتعالا : أي إسلام يريدون ؟
22 ربيع الأول 1424

في خضم التفاعلات الفكرية والحوارية لأحداث الرياض الأخيرة ، جاءت ردود الأفعال لدى البعض حامية كأنما كلمات أصحابها سهام مصوبة في كل اتجاه بلا تمييز ولا تعقل . يندفع قائلوها لا بهول الصدمة فحسب بل جراء مخزون متراكم من أفكار وملاحظات ذات طابع شخصي في بعضها لما يدور في المجتمع من ممارسات وتطبيقات .<BR><BR>طرحت أسئلة في عميق المخزون الفكري والعقائدي للمجتمع <BR>وطرحت تساؤلات بدأت في التطبيقات الفرعية للممارسات الدينية لأبناء المجتمع ولم تلبث طويلا حتى تناولت المسائل الكبرى في الدين كتحكيم الشريعة والجهاد وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .<BR><BR>فبعض معالم الشريعة الكبرى أصبحت لدى البعض ( .. مفاهيم مربكة كالولاء والبراء والجهاد وغيرها أصبحت مصدر شقاء لمجتمعاتنا ) ( 1) <BR><BR>والخطاب الذي يؤمن بجهاد الطلب عند توفر القوة والذي يدعو لإخراج المشركين من جزيرة العرب كما نص عليه الحديث ( هو الخطاب الذي نواجهه الآن. وهو الذي يتهددنا ) ( 1)<BR><BR><BR><BR>فليس ما يتهدد الأمة هو القوة الإسرائيلية ذات الترسانة النووية وليس هو الاحتلال الأمريكي للعراق وليس البطش الذي يقع على الأمة في كل بلد بل هو (..صوت الغلو ممثلا بالسلفية) ( 1) كما يصفه صاحب المقال ، الذي لم يملك نفسه وتخطى حدود الأدب في الكتابة لأنه شعر بالقهر ممن يدعون إلي التمسك بالمعتقدات والقيم فأولئك ( ..وحدهم السفهاء والجهّال من ترتفع عقيرتهم بالصراخ والعويل ومن سيطالبونك بـ ألا تتنكر للقيم والمعتقدات وسيصمونك بالردة والنفاق إن لم تصنع ) ( 1)<BR><BR> إن بعضا ممن كتب جعل من أحداث 11 سبتمبر صنما يحتكم إليه في النظر إلى الأحداث حتى الساعة . فمصيبتنا أننا جميعا لم نبك على ضحايا سبتمبر ومصيبتنا وأصل الداء فينا أننا لم نقدم تعازينا لبوش وقومه <BR>وما جرنا إلى المصيبة أننا فرحنا بعض الوقت لما أصاب الدولة العظمى التي أصابتنا في أهلينا وأوطاننا منذ ما يزيد على خمسين سنة . ولكي نكفر عن خطيئتنا حيال أحداث سبتمبر علينا أن نتخلى عن أي خطاب متميز يشي بالافتراق عن ما يدين به العالم من الكفر والضلال وعن كل خطاب تشتم منه رائحة المواجهة والدفاع عن النفس ولو كان ذلك الجهاد وإعلان الدين . .<BR>بل ليس لك حتى أن تعتقد أن ما حدث في 11 سبتمبر قد يكون عقوبة إلهيه ولو كنت تستند إلى نصوص قرآنية – وإن سموها خطابا صحويا – نصوص لا خفاء فيها و لا غموض فهذا مستنكر عليك .. ( وبفضل الخطاب الصحوي أصبحت سبتمبر عقوبة الله لأمريكا ) ( 1)<BR><BR><BR>لا ندري إلي أين سيصل بنا خطاب دعاة " التنوير" - كما وصفتهم أحد المجلات اللندنية مؤخراً- الذين يريدون وأد أو تمييع مفاهيم الولاء والبراء والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أي إسلام يريدون ؟ وما الذي يمكن أن تنتهي إليه عقولهم ؟ <BR><BR>إنه بقدر ما يرحب المجتمع بالحوار وتطارح الأفكار للبحث عن أفضل السبل للتطبيق في إطار المرجعية الدينية له بقدر ما يسوئه حين تبتعد تلك الدعوات عن لغة الحوار وأجواءه وتقترب إلى المقالات ذات النكهة البوليسية أو التي تأخذ بمبدأ المحاكمات العلنية التي يقيمها الكتاب ويكونون فيها الخصوم والحكام . <BR><BR>لقد وصل الأمر بالبعض إلي أن يمتحن الناس فيما يعتقدون في مظهر شائن ذكرنا بما كان يدور في بغداد أيام محنة خلق القران حين كان الناس يمتحنون فيما يعتقدون في المسألة ثم تجرى العقوبات الرادعة لمن رأى رأيا يخالف ما عليه صاحب الأمر .<BR>كما تتبع بعضهم تصريحات ومقابلات وحوارات وبيانات وأخذ على أصحابها أنهم لم يقولوا مثلما قال هو ولا بذات الطريقة التي تحدث بها هو – قدس الله مقامه - .<BR>وأخذ ذلك منحى صارما – ومضحكا في جانب منه - إلي درجة تمييز مستوى الخطاب ( فمستوى إنكار فلان في المقام الفلاني كان في مستوى ( اللون البرتقالي ) ولم يصل إلي ( الأحمر ) وأما البعض – ويا للهول - فقد كان إنكاره في مستوى ( اللون الأصفر ) قريبا من ( الأخضر ) وتلك فاجعة ومصيبة ، والمفترض عليه أن يقول كذا وكذا وأن لا يقول كذا وكذا ) .. في وصاية وإرهاب فكري طالما اتهموا الآخرين به <BR><BR>لم نخف أبدا ولم نتضايق من طرح الأسئلة البريئة التي تبحث عن الجواب في مظانه <BR>لم ولن نتضايق أبدا إذا كان البحث عن الحقيقة هو الغرض وهو الهدف .<BR>إن مشكلة كثير ممن كتبوا وأبدوا ملاحظاتهم على ممارسات المجتمع و مناهجه وتطبيقاته أن في أذهانهم نتائج و قناعات تقررت منذ زمن لسبب أو لأخر ثم راحوا يبحثون عن أدلة لها في التراث الشرعي ويشنعون على من قال بغيرها .<BR><BR>إنهم يقررون النتيجة ثم يسلكون طرق البحث المعوجة لإثبات صحة قولهم .<BR>إنهم يضعون مقدمات يقررون هم صحتها وسلامتها دون أن يكلفوا أنفسهم أو القراء عناء التدليل عليها ثم يحاكمون الناس على ضوئها . أحدهم يقول (البيانات تعبر عن حال تضامن أو استياء أو مشاركة وجدانية لتعميق التواصل بين هذه الجهة أو تلك، وأحيانا من أجل التنصل من مسؤولية هذا الحدث أو ذاك. ولهذه الممارسة أصولها وأخلاقياتها وآدابها العرفية ) ( 2 )<BR><BR>ثم ينطلق من ذلك آلي أن يقول ( بيانات الإدانة مثل غيرها من أساليب التعاطف والمشاركة الوجدانية كالتعازي والتهاني ولا تحتمل إلا فكرة ومضمونا واحدا ينتظره منك مستقبل الرسالة، وأية محاولة لزج قضايا وأفكار أخرى متناقضة أو مترددة ستوجه رسالة عكسية ضد ما يهدف له مصدر البيان، وهذا الإقحام يعبر عن سوء أدب، أو انتهازية ) ( 2 )<BR>ففي اختزال عجيب يرى الكاتب أن البيانات الفكرية والسياسية ليس لها أن تخرج عن بروتوكولات رسائل التعازي فإن خرجت عن ذلك فهي نوع من الانتهازية وسوء الأدب .<BR>إن البحث وطرح الأسئلة له إطاره المنهجي والعلمي الذي لا يقوم الحق إلا به . أما أن تكون المسائل الكبرى موضوعات لمقالات صحفية عابرة ( تسلق ) فيها القضايا ( سلقا ) ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد فهذا ما لا يمكن القبول به . <BR><BR>جانب أخر أن بعض ما يطرح ويقال ويتحدث به ربما كان تعليقا على بعض التجارب الدعوية لمؤسسات أو مراكز أو هيئات ذات طابع إسلامي . ثم يتم الحديث عن الخطأ الإنساني المتوقع في التجربة البشرية على أنه مسلمة منهجية لما يعتقده أصحاب هذه الأعمال . <BR>وتلك مغالطة وفرية تستعظمها النفوس الشريفة وتأباها الحوارات المتعقلة . إن العمل الإسلامي لا شك أن له جانبا بشريا يكون عرضة للخطأ وللصواب . وحين نخلط الأمور عن جهل أو تجاهل فتلك جريمة لا يمكن التغاضي عنها . ينطبق هذا الكلام على ممارسات أفراد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و بعض الدعاة والمعلمين وغيرهم .<BR><BR>وأما ثقافة العنف وعدم التسامح والغلظة والجفاء التي كثر الحديث عنها وصورت على أنها لازم من لوازم التدين فتلك جرأة على دين العدل والسماحة لم يقل بها إلا أعداؤه الغالون. وما لم يقله أو يجرؤ على قوله أولئك أن تلك في الحقيقة ثقافة اجتماعية محلية ليست قصرا على المتدينين !!!.<BR>إن في طبيعة المجتمع المحلي من الغلظة والعنف والجفاء ما يمكن التدليل على وجوده في مواقع شتى . <BR><BR>فالموظف الذي يجيب على أسئلتك بغلظة وجفوة كأنما هناك ثأر بينك وبينه <BR>ورجل المرور الذي يتعامل معك كأنما حكم عليك للتو بجريمة قتل<BR>والجار الذي ينظر إليك نظرة توجس وتخوف <BR>بل مقابلات الناس لبعضهم البعض في الأماكن العامة حيث تنعدم الابتسامة ويغلظ الخطاب ويكفهر الوجه، ويكون التحاور من مثل ما تكتبه هذه الأقلام، ألسنا نرى ذلك واقعا معاشا في المتدينين وفي غيرهم ؟<BR><BR>-------------------<BR>( 1 ) انظر عادل الطريفي صحيفة الوطن يوم 21 -3<BR><BR>( 2 ) انظر عبدالعزيز الخضر صحيفة الوطن 21 - 3<BR><br>