ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة!!
28 ذو الحجه 1428
أمير سعيد

أن يضن المرء بمال ينفقه في سبيل الله؛ فذاك أمر مذموم، متوعد صاحبه بأشد الوعيد في محكم التنزيل..
أن ينفقه في سبيل الشيطان فتلك جريمة مركبة بحقه وبحق دينه ومجتمعه..
أن تكون بلادنا العربية والإسلامية معرضة لأسوأ مشاريع الهيمنة والتبعية والاستنزاف المادي والتمركز العسكري والنفوذ السياسي الخارجي؛ فتلك ثالثة أثافي المصائب الحالة بديارنا العربية والإسلامية، حين يكون وعي شعوبنا وثقافته وسلوكه هذا ناتجه وصداه.
ما بين أيدينا من أرقام لحد الآن مفجعٌ وقاسٍ، وهو يفوق في حده الأدنى مليار دولار أمريكي، كمبالغ أهدرت سفهاً في الاحتفال برأس السنة الميلادية في بعض الدول العربية لا جميعها، والإحصائية لم تتكامل أركانها بعد، فبعض الأرقام لم تصدر بعد ـ ببساطة ـ لأن إحدى الدول العربية لم تنه احتفالاتها بعد.
بعض الحكومات والأنظمة العربية إن كانت شجعت على حصول مثل هذه الاحتفالات التي تجلب على المسلمين المعرة؛ فإنها يقيناً لم تقهر الشعوب على حضور هذه الحفلات ولم ترغم أحداً أن يدفع إليها من حر مال المسلمين إلى جيوب متعهدي الحفلات والمغنين والمغنيات والفنادق وأماكن الاحتفالات.
لم تهرب معظم الأموال من أيدي المحتفلين قهراً ولا سهواً، وإنما غادرتها سفهاً وحمقاً، وذاك مما يجرح القلب ويكلم النفس.
في حصيلة أولية أنفق محتفلو دبي 0.3 ، والكويت 0.7 ، ولبنان 0.05 ، ومصر 0.02 مليار دولار، علاوة على الدول المغاربية، وغيرها من الدول العربية التي لا توجد لديها إحصاءات رسمية أو غير رسمية يمكن الارتكان إليها، وتبارى المحتفلون في دفع مئات الدولارات لجيوب المغنين، حتى بلغت تذكرة الفرد الواحد في بعض الدول العربية ألفي دولار أنفقت للذة بضع ساعات فيما تتضور بلدان إسلامية وشعوب مسلمة لها على المسلمين حق التكافل والإعانة والإغاثة..
لا نريد إزعاج القراء بالحديث عن جملة أرقام المغنين الفلكية التي تقاضوها ثمناً لتخدير الشعوب العربية، وإلهائها عن قضاياها وحقوق ربها، وشريعة دينها الأغر، لكننا فقط سنلفت إلى أن مغنٍ مصريٍ بدأ سلسلة من الحفلات تقاضى في أولها 85 ألف دولار في السودان على غير بعيد من أزمات تكاد تعصف بغربه وجنوبه لأسباب اقتصادية في معظمها!!
احتفلوا ولسان حالهم وهم يضحكون كقول أبي العلاء المعري:

( ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة ........ وحق لسكان البسيطة أن يبكوا )
( يحطمنا صرف الزمان كأننا ................. زجاج لكن لا يعاد له سبكُ )

إننا لن نسأم أن نتحدث عن مسألة الاحتفال بالكريسماس في ديار الإسلام وكم تهدر فيها من قيم أخلاقية وإيمانية تفوق بأضعاف الأثر المادي لإنفاق السفه والهدر مما يستقوي به الآخر علينا من خلال مافيات هذه الاحتفالات التي فاقت تكلفة احتفالات باريس ولندن ونيويورك، غير أننا نريد الآن أن نلمس جرح السفه المادي الهائل الذي يدل على مرض ضمائر ثلة كبيرة من بني قومنا.. من داخل الطبقات المترفة أو حتى ما دون المترفة في شعوبنا الذاهلة عما يفعله بعض أبنائها بهذا المال الذي استخلفوا فيه.
يقول الله تعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِـزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " [التوبة: 34]، هذا عما كنزه هؤلاء فلم ينفقوه، فما بال من ينفقه في هذه الاحتفالات؟! أيدرك أنه يساهم في إطباق طوق الهيمنة على أعناقنا؟! أيدرك أن ما ينفقه حمقاً هناك، يمكن أن ينفقه في غزة فيمسح دمعات سائلة، أو يدخره في الآخرة ليطعم به أفواه جائعات في بلاد القرن الإفريقي، أو يحول به وتنصير مسلم في الجزائر وإندونيسيا، أو يمنع امرأة أن يستباح شرفها تحت ذريعة العوز؟
أو يدرك أن بوسعه أن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم بنشر كتب التعريف به ، أو يطبع مصاحف تحمل النور للعالمين؟
أما يدرك هؤلاء كم يعيدوننا إلى مربعات التخلف بأموالهم التي ينفقونها ويضحكون بضحكات لم يمل منها المعري وحده، بل كل باخع نفسه ألا يحسن بني قومنا التصرف في أموال استخلفهم الله فيها فأنفقوها في ارتكاب الحماقات..