قيمة المال في حياتنا..في قلوبنا
17 ربيع الثاني 1427
أمير سعيد

"أتمنى أنني لم أكن, لا شيء جيداً يتأتى عن هذا", كلمات عفوية بدرت في لحظات صدق حزينة من بيل جيتس المؤسس المشارك لشركة ميكروسوفت و أغنى رجل في العالم, حسب مجلة فوربز الاقتصادية المتخصصة حيث تبلغ ثروته 50 مليار دولار.[نيوزويك 16مايو].
لا جديد في القول بأن المال لا يمنح السعادة, وإن بقينا باستمرار مدعوين إلى تذكر ذلك في كل لحظة رفاه أو هزة مالية, إذ المسلم معني بأن يكون ملتصقاً بمعنيين كريمين: الصبر عند البلاء, والشكر عند النعماء, توافقاً مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" [رواه البخاري ], ولا ريب أن ذكر "المؤمن" هنا له من الدلالة ما فيه, حيث العقيدة وعاء جامع يتجاوز حدود النظري في دراستها إلى رحابة التطبيق العملي في شؤون الحياة التي تمس كل شاردة وواردة تمر بالمرء, فتبدو صورة المؤمن صابراً عند اللأواء شاكراً عند النعماء, تأخذ الدنيا منه بعض الاهتمام لكنها أبداً لا تملك عليه حياته أو تملك قلبه وتأسر فؤاده..
تعرضت البورصات الخليجية ـ لاسيما السعودية ـ هذه الأيام لهزة عنيفة, وتحاول أن تتعافى شيئاً فشيئاً من كبوتها, وفي اهتزازها خسر متعاملون كثيرون, بعضهم رمى بثقله المالي فيها وسارت الأمور إلى غير ما يريد, فأظلمت الدنيا بوجهه, وهؤلاء بحاجة لمن يهمس في أذنهم بالمعنى الحقيقي للعقيدة.. ليسوا وحدهم, هناك همسات لابد وأن تلامس مسامع الكثيرين في مجتمعنا, لئلا نختزل الأزمة في شقها التربوي وفي أعمال القلوب والجوارح وحدها, فثمة ما يمكن أن يقال حول أي هزة يتعرض لها اقتصاد إسلامي في هذا البلد المسلم أو ذاك, حيث ينبغي أن تصاحبها محاذير لابد وأن تدق نواقيسها حول نية أطراف خارجية في إصابة اقتصاد المسلمين بوعكات وهزات ممن لا يريدون لنا الخير.
وثمة ما يقال عن نظرتنا الشاملة كمجتمع للاقتصاد وضرورة تنميته والعمل على هدوئه واستقراره واستقلاله, ونظرتنا لذواتنا من حيث حالة الدعة السائدة الداعية إلى الركون لممارسة التنمية الاقتصادية السهلة والوادعة عبر الهواتف النقالة من دون كد وعرق, برغم أن العرق ليس هدفاً بحد ذاته. غير أن هذا الكد والتعب هو أمر يتفق مع آراء خبراء اقتصاديين شددوا مراراً على أن الانسياق وراء أحلام الربح السريع تفضي في النهاية إلى ربط كثير من رؤوس الأموال بنظم اقتصاد عالمية ليست بريئة على الدوام من محاولات استغلالنا, إذ إن الاقتصاد العالمي هو منظومة مالية ضخمة لا يمكن لصغار المستثمرين أن يجيروها لمصلحتهم هم دون الأساطين الكبار, وهذا ما ينبغي أن يحاذر منه الطامعون في تنمية ثرواتهم بضغطة زر هاتف أو زيارة قصيرة للبورصة والشركات المرتبطة بها.
وهناك رابط قد يبدو خفياً بين الاقتصاد الإسلامي التنموي الفاعل ونمو المال على نحو سليم من جهة, والجانب الإيماني الدافع إلى جملة من المحددات تجعل المستثمر المسلم يفرق بين التنمية والمطامع, تدفعه قيمة المال المتدنية في نفسه ـ المتعاظمة في يده أحياناً ـ إلى الابتعاد عن الهرولة العبثية وراء كل صيحة اقتصادية لا تفي بالضرورة لمجتمعه بما يناسبه من نمط اقتصادي وتجعله أسير الشعار الرأسمالي "دعه يعمل, دعه يمر" , بل يرى المجتمع بحاجة إلى تنمية متوازنة تجعل المجتمع يتساند فقيره بغنيه, ويعلي من قيمة التكافل والتنمية الجادة, هذا من جهة, ومن جهة أخرى تجعله مستثمراً جاداً يمضي بقدر الله يستعمل المال ولا يستعمله المال, نائياً بنفسه عن الوقوع في حمئة عبادة المال التي حذر منها المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ بقوله: "تَعِسَ عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أُعطي رضي ، وإن لم يُعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شِيك فلا انتقش" [رواه البخاري], فإذا ما شيك مستثمر مؤمن بشوكة أو هزة اقتصادية وقلبه عامر بالإيمان ومطمئن لقدر الله فعساه أن ينتقش وأن يعاود نهضته, وإلا فليعاود النظر في حظوظ المال من قلبه, ثم ليعاود المجتمع كله النظر في سبل الاستثمار ومدى انسجامها مع روح هذه الشريعة الغراء.