الصليب ما زال معقوفاً في ألمانيا
14 ذو القعدة 1438
أمير سعيد

النازية لم تمت، وعنصريتها لم تتبدل، غير أنها تحولت قليلاً متجهة إلى "الخطر الجديد" الذي تؤمن أوروبا أنه يتهددها. خطر الإسلام في تصورها البائس، نور الإيمان في عين الحقيقة الدامغة.

 

لم تعد ألمانيا تنزع إلى تفوق الجنس الآري على الأجناس الأخرى مثلما كان يغريها هتلر ورفاقه بقدر ما تأخذها الإسلاموفوبيا باتجاه الكراهية الدينية ضد المسلمين وحدهم من دون الآخرين؛ فللنازية فلسفتها الخاصة التي تتعالى على كل الأمم، لكنها الآن أكثر ميلاً إلى استهداف الإسلام بصورة مباشرة أكثر وضوحاً مما سواه.

 

 

تنكر ألمانيا استمرار نازيتها، وأبدت استغرابها الشديد، واستنكارها لاتهامات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لها بالعودة إلى ممارسة سياسات نازية، وتتواطأ معها كبريات وسائل الإعلام العالمية التي تغض الطرف عن تفشي النزعات العنصرية في الدولة التي تقوم الاتحاد الأوروبي الآن، لأسباب تتعلق في معظمها بتشارك الجميع في الجريمة، لكن إنكارها بذاته أضحى محل استنكار أصحاب العقول السليمة بعد أن تزايدت ملامح العنصرية والفاشية بشكل لافت.

 

 

الجريمة إذن في إحدى أطوارها تتعلق بعلاقة الألمان وحكومتهم مع اللاجئين، حيث كشفت مساءلة برلمانية ألمانية عن اعتراف رسمي أقرت فيه وزارة الداخلية الألمانية بتسجيلها 642 حالة اعتداء على لاجئين في ألمانيا، خلال النصف الأول من العام الجاري، بحسب وكالة الأنباء الرسمية الألمانية.

 

 

ووفق الرد "شهدت ألمانيا وقوع 318 حالة اعتداء على اللاجئين، خلال الربع الأول من 2017، في حين سجل الربع الثاني 324 حالة، حيث أصيب جراء الاعتداءات 123 لاجئًا بجروح، فيما تعرض آخرون لشتائم"، فيما قالت النائبة البرلمانية، أوللا جيلبكي عن حزب اليسار الألماني (اشتراكي ديموقراطي) الذي تقدم ممثلوه بالمسائلة إن "اللاجئين تعرضوا خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، لأكثر من ألف و500 اعتداء".

 

 

تعزى هذه الاعتداءات لأسباب عنصرية نازية، أي أنها "أسباب سياسية"، والعنف الذي يمارس لتحقيق أهداف سياسية ويستهدف مدنيين يتم تصنيفه في معظم دول العالم على أنه "عمليات إرهابية"، لكن حين تقوم به النازية التي تلعنها أوروبا صباح مساء، وتزخر بلعناتها أفلام هوليود وأوروبا ضد طرف مسلم مستضعف، تفرد له المواثيق الدولية صفحات بيضاء تذكيراً بحقوقه كضحية حرب؛ فإن إعلام أوروبا والعالم يتجاهله تماماً، ويتجاهل معه هذه العنصرية الطافحة في قلب أوروبا "الحرة"، ويجله عن الاتصاف بالإرهاب، ثم يزيد بالتواطؤ رفضاً لتتبع أركان الجريمة التي تطال الحكومة الألمانية ذاتها، والتي لم تكشف داخليتها عن إخفاقها في ملاحقة كل هؤلاء المجرمين في أماكن عامة يعيش فيها اللاجئون وغيرهم وسط غابة من كاميرات المراقبة وعيون الشرطة الساهرة!

 

 

ثم تزيد كذلك، بازدواجيتها اللافتة في عدم موازنة الجرائم السياسية بميزان واحد، وإعراضها عن دراسة تلك الظاهرة الآخذة في النمو للكراهية الدينية والقومية التي تجعل من مجتمع يتمتع بحريات واسعة –  فيما يراه – عاجزاً عن كبح إرهابه وعنصريته.

 

 

الإرهاب مدان في كل مكان، لكنه أنكى وأفظع حين يصدر من بلدان يحق لمواطنيها اختيار ممثليهم البرلمانيين وحكامهم وحكوماتهم، ولدى كل القوى السياسية قنواتها "الشرعية" السلمية في رفض سياسات حكوماتها، ومنها سياستها تجاه اللجوء، بحيث لا يبقى لهم حجة ممارسة الإرهاب تحت ذريعة الاستبداد السياسي المغلق لكل سبل تغيير السياسات سلمياً.