"تعرضت دورية أمن لاعتداء إرهابي بمقذوف متفجر أثناء أداء مهامها لحفظ الأمن"، عبارة تكررت في أكثر من تصريح أمني على مدى شهور مضت، تتحدث جميعها عن اعتداءات إرهابية يقوم بها مأجورون في القطيف، وكان أحدثها ما أسفر عن مقتل رقيب وإصابة ستة جنود في عملية إرهابية.
لا أحد يمكنه أن ينكر الجهود المكثفة التي تبذلها القوى الأمنية في السعودية من أجل تفكيك الخلايا الإرهابية في القطيف وما حولها بصفة خاصة، إلا أن الاحتضان الإقليمي لبعض الجماعات الطائفية المتطرفة، وتلقي الإرهابيين تدريبات احترافية خاصة من قبل قوى إقليمية لم يجعل القضاء عليهم تاماً، شأن السعودية في هذا كشأن دول العالم الكبرى التي تعاني هي الأخرى من عمليات عنف لم يكن في المقدور إجهاضها كلها قبل وقوعها.
الإرهاب في القطيف مستمر، ما دامت حاضنة المشروع الصفوي ماضية في تنفيذ مشروعها مزعزعة أمن المنطقة برمتها واستقرارها؛ فهذا الإرهاب غير منبت عن الصراعات في اليمن وسوريا والنفوذ في لبنان والعراق الذي تريد به عرقلة قيام أي مشروع آخر مناهض للامتداد والتغول الصفوي؛ فحيث يتضرر المشروع الصفوي في المنطقة بأي انتصار يحصل لقوات الحكومة اليمنية والدول العربية المتحالفة معها ضد ميليشيات الحوثيين يسمع رجع الصدى في القطيف أو الكويت أو المنامة، وينتعش "نضال المظلومية" المزعوم في تلك المدن؛ حيث تُستخدم جماعات متطرفة بين الأقلية كمطية فارسية لبث الرعب والخوف ونشر الإرهاب لحساب المشروع الصفوي الموحد الذي يقوده الملالي المتطرفون في إيران.
و"نضال المظلومية" الذي يزعم الإرهابيون أنهم يمارسونه كرد فعل على أحكام بالإعدام ضد رفقائهم في الإرهاب صادرة عن محاكم شرعية سعودية، ما هو في حقيقته إلا الفعل الأساسي الذي استدعى رد الفعل هذا (أحكام الإعدام)، فلو لم يكن ثمة إرهاب في العوامية والمسورة وغيرهما لم يكن ليصدر حكم بإعدام واحد في محاكم وظيفتها الوحيدة أن تحكم بالعدل وتقوم بالقسط ليعم الأمن وتسود الطمأنينة في ربوع المناطق التي يسكنها السنة والشيعة على حد سواء. فالواقع أن سعي طائفيين ينفذون أجندة إقليمية تهدف لنشر الفوضى في الدول الخليجية، إلى زعزعة الأمن في القطيف وغيرها قد استدعى هذه المحاكمات والإجراءات الحازمة، ولم تكن تلك الأخيرة سابقة عليه.
وإن ما يعده الطائفيون اضطهاداً وظلماً لهم في تلك المناطق، تبريراً لإيجاد حالة التسميم الأمني تلك، وبث الفوضى ونشر الذعر وقتل النساء والأطفال، وتقويض مشروعات التنمية في المنطقة التي يروجون أنها تعاني تهميشاً باستهداف معداتها ومنشآتها، هو في حقيقته منتهى حلم الأقليات والأغلبيات السنية في البلاد التي يسيطر عليها الطائفيون في المنطقة، والمقاطع التي تبث كل يوم لمجازر وعمليات تعذيب في العراق وسوريا ولبنان واليمن قد كانت كفيلة بأن تُشعر الطائفيين في الشرق السعودي وبقية دول الخليج بما يتمتعون به من حقوق تتمناها أي أقلية أو أكثرية سنية في العالم العربي. قد كانت كفيلة بهذا لو أن هؤلاء يفكرون بعقولهم المستقلة بعيداً عن التحشيد والأدلجة الطائفية والتسميم العقلي الذي تقوم به قوى خارجية من أجل تدمير التأقلم والأمان الذي عرفه التاريخ الإسلامي (السني) في هذه الأرض وما حولها، بين السنة والشيعة، حيث كان الجميع يعيش آمنا مستقراً بلا خوف أو اضطهاد ما دام يحافظ على النظام العام وفق شريعة سمحاء.
قد تدرك أو لا تدرك الأدوات الإرهابية التي تستخدمها الصفوية العالمية في كل من السعودية والبحرين والكويت أنها تخوض معركة خاسرة، وأنها تمثل رقماً ضئيلاً في معادلة استراتيجية معقدة، وأنها مهما بلغت من درجات الإرهاب وعنفوانه لن تحصد شيئاً، وستؤول إلى ما آلت إليه تنظيمات القاعدة وداعش في الخليج من اندحار وتراجع وهزيمة، لكن الموجهين الحقيقيين يدركون تماماً ذلك، وهم يحرقون تلك الأدوات في أتون معركتهم العامة مع الأمة الإسلامية لتحقيق أهداف توسعية دنيئة، ويعدون هذه الأدوات مجرد أحذية تُرتدَى لتبلى في مشوار الإمبراطورية الصفوية الطويل. لا يعنيهم شأن تلك الأحذية بطبيعة الأمر؛ فهم لا يولونها أي احترام أو تقدير؛ إذ لا يجاوزون في نظرتهم إليها نظرة الصهاينة إلى الدروز والبهائيين من المستعربين في الجيش الصهيوني الذين يضعونهم على خط النار تترساً بهم واتقاءً لدفع فاتورة الصراع بشكل مباشر، ولهذا لا يلقون بالاً بعدد قتلاهم في هذا الصراع ما داموا "أممين" كما في الفكر الصهيوني العنصري.. هكذا دوماً يُستخدم "الأمميون" في حلبة صراع يتأخر فيه "الرعاة" إلى الصفوف الخلفية غير مكترثين برؤية الدم "الأممي" العربي مسفوحاً ولو من طائفتهم.