خسارة الأقصى من "التطبيع"
26 شوال 1438
أمير سعيد

سيقولون: وما الذي جناه الأقصى من المقاومة؟!

 

الإجابة ببساطة: الكثير؛ فلولاها بعد الله سبحانه وتعالى، لكانت الخرائط الدولية تشير إليه الآن باسم "هيكل سليمان"، الذي سيكون قد بُني على أنقاض الأقصى المبارك، فلم يزل الكيان الصهيوني في حذر، وهو يخطو خطوات التهويد لمسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعاين المقاومة لمخططه بكل الطرق المشروعة، والتي تتنوع آخذة كل مراتب إنكار منكر اغتصاب الصهاينة للمسجد الأقصى في أجندتها المقاوِمة.

 

 

يقولون: نحن نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً في هذه المناهضة المستمرة، والرباط الدائم. لكن تنزلاً يقال في المقابل: أفضل من ألا نرى طحيناً، ولا نسمع حتى جعجعة من فريق المطبعين مع الكيان الصهيوني.

 

 

هذا خير ممن لا يلقون بالاً بخطوات التهويد، ولا ينكرون ما يرونه من بغي وعدوان واغتصاب لا تقره القوانين الدولية فضلاً عن الشريعة الإسلامية الغراء، وخير ممن يطمرون كل ما يخدش "سمعة الصهاينة"، وما يؤجج مشاعر المسلمين من جراء عدوان الكيان الصهيوني على مقدسات المسلمين الكبرى، مشاركين في تغييب هذه القضية الرئيسة، ودفن الشعور الإسلامي الدافق نحوها.

 

 

ماذا يفيد خبر، أو تظاهرة، أو مهرجان، أو فعالية، أو رباط، أو اعتصام قبالة الأبواب الإليكترونية، أو... في إعادة الحرية السليبة للأقصى؟

ماذا إذن يفيد التواطؤ، والتغييب، والصمت، والاستنكار المصطنع، والتقليل من الجرائم الصهيونية تجاه الأقصى وأهله، ....؟

 

 

في الأول: هناك إحياء للقضية، بقاؤها ساخنة، تعريف لجموع النشء الذي غاب الأقصى عن مناهجه التعليمية المتغربة، فعل المستطاع والممكن والمتاح، حياة القلوب، غضبة المشاعر، استمرار الوهج.

 

 

في الثاني: الموت للأقصى وقضيته لا سواه. ولمز المطوعين القائمين لله بواجب الوقت، وملء الفراغ المتاح، والقيام بالجهد المقدور عليه.
ولا سواء.

 

 

الأقصى واقع تحت تهديد خطير، واحتمالات هدمه تظل قائمة، وتتصاعد نسبتها، لكن لا يعني هذا أن موجات الغضب الضعيفة في الأردن والمغرب والسودان والجزائر وفي قلب فلسطين لم تحدث أثراً، ولا يعني أن صمود المرابطين النشامى على أعتاب الأقصى رافضين مذلة البوابات الإليكترونية والسيادة المتنامية - قهراً واغتصاباً - للصهاينة على مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، لا يمثل رقماً معتبراً في معادلة الصراع حول أولى القبلتين.

 

 

لا يخشى الصهاينة تصريحات المطبعين الخجولة والمرسومة لتأدية دور في امتصاص الغضب الجماهيري، وإنما يخشون أولئك المرابطين في حر الصيف، في البقعة المباركة، ويحذَرون من اشتعال الغضب شيئاً فشيئاً في الضفة وغزة، وامتداد الأثر التوعوي للقضية إلى بلدان العرب النائمة، ويثير انزعاجهم عدم انصياع الفلسطينيين لإجراء تركيب البوابات الإليكترونية المفضي إلى نزع سيادة الأردن عن الأقصى وتسليمها كاملة للصهاينة، ولهذا قالت هآرتس العبرية في تقرير لها: "إن الأيام الأخيرة في القدس كشفت أن المقدسيين هم أصحاب السيادة الفعلية على المسجد الأقصى وليست إسرائيل؛ فالمواطنون الفلسطينيون وخاصة المقدسيين حققوا إنجازاً غير مسبوق من خلال الاحتجاجات والاعتصامات على مداخل الأقصى، وعدم الانصياع للمرور عبر البوابات الالكترونية الجديدة (...) هذه الفعاليات أجبرت إسرائيل على التفكير بجدية على تفكيك البوابات واعادة الوضع القائم كما كان".

 

 

خصم المطبعون أنفسهم من قوة الأمة الإسلامية وفعاليتها، بدعوى فتح قنوات اتصال مع الصهاينة من أجل "حل المشكلات" مع مسؤوليهم، ومنها "مشكلة الأقصى"، وزعموا أنهم بهذا قد حازوا أوراق ضغط على الصهاينة تمكنهم من الحديث مع زعماء بني صهيون والتأثير فيهم، وانتزاع قرارات عادلة منهم، غير أن عكس ذلك كله هو ما قد حصل؛ فلا هم قاوموا ولا هم ضغطوا، والحاصل أنهم لم يفعلوا سوى نقل أنفسهم من خانة المقاومة إلى مستنقع التخاذل والتواطؤ والصمت المريب.

 

 

وبجردة حساب يسيرة، لا يظهر على الأوراق أي قيمة أو فعل للمطبعين مع الكيان الصهيوني لصد الهجمة الغاشمة على المسجد الأقصى المبارك؛ فلا ساسة المطبعين يتحركون بالاتجاه الصحيح قيد أنملة، ولا إعلامهم يحيي قضية المسرى، ولا سلطاتهم تسمح بتعبير الغاضبين عن آرائهم، وحشد الأمة أمام تحدٍ هائل لمصداقية إيمانها بمقدساتها وفرضية تحريرها والدفاع عنها.

 

 

إليهم أيضاً، ينضم كل مماحل كذوب، يغلف التطبيع بأوهام الهدنات وأحلام الصلح الزائفة، فسلوكه وإياهم واحد، والأقصى عند كليهما سواء، في آخر سطر من آخر صفحة من أجندة طموحاتهم المريبة إن لم يكن قد توارى تماماً منها.

 

 

فريق يقاوم، يكتب أو يصرخ، يئن أو يبكي، يدافع أو يرابط.. وفريق يطمر كل هذا بسبيل تطبيعه الآثم؛ فسلاماً للمرابطين وهلك المطبعون.