هل اليهود يسيطرون على العالَم 2/2
15 شوال 1438
منذر الأسعد

يغلب على ظني أن البروتوكولات غير صحيحة .. وهذا لا ينفي خبث اليهود بعامة، وحرصهم على العمل السري دائماً.. لكنهم أشد مكراً من تدوين وثيقة بهذه الخطورة!!

 

التهويل الـمُحْبِط
واقعياً،  أرى أنهم لا يتحكمون بمفاصل السياسة الدولية لا اليوم ولا في ما مضى،  لكنهم بارعون في الاستفادة من المتغيرات وفي تلمس مواقع القوة قبل ظهورها .. وهم ماكرون يتقنون توزيع الأدوار في الصراعات الملتبسة لكي يكون لهم حظ مع أي فائز في نهايتها.

 

وشرعاً وعقلاً، أجزم بأن نظرتنا تلك إليهم  ضخَّمت من شأنهم أضعاف أضعاف الحقيقة، وبثت يأساً واسع النطاق في أوساط الناس،  ما دام عدوهم بهذه القدرات التي لم يمنحها الله عز وجل لأي فئة من الناس في التاريخ كله!!

 

ولو كان عدونا بالصورة التهويلية التي عششت في الأذهان، فلماذا تذلل هرتزل للسلطان عبد الحميد كي يأذن لليهود بالهجرة الجماعية إلى فلسطين؟

 

وما زلت أعجب ممن يتبنون نظرية تضخيم الدور اليهودي من مسلمين لهم نصيب أكيد من العلم الشرعي،  فكيف فاتهم الوقوف عند الآية 112 من سورة آل عمران،  حيث يقول فيهم أصدق القائلين سبحانه :
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ).

 

وقد جاء عنها في التفسير الميسر : جعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود،  فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا،  إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم،  وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام،  ورجعوا بغضب من الله مستحقين له،  وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة،  فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان؛ ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله،  وتجاوزهم حدوده،  وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء،  وما جرَّأهم على هذا إلا ارتكابهم للمعاصي،  وتجاوزهم حدود الله.

 

وقال السعدي رحمه الله: أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم والمسكنة على ظواهرهم،  فلا يستقرون ولا يطمئنون { إلا بحبل } أي: عهد { من الله وحبل من الناس } فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم،  تؤخذ منهم الجزية ويستذلون،  أو تحت أحكام النصارى!!

 

 

وقال الزمخشري: جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم،  فهم كمن يكون في القبة من ضربت عليه،  أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه. فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة!

 

وقال ابن كثير: ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون ( إلا بحبل من الله ) أي : بذمة من الله ،  وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم ،  وإلزامهم أحكام الملة ( وحبل من الناس ) أي : أمان منهم ولهم ،  كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة ،  وكذا عبد ،  على أحد قولي العلماء .

 

 

ونقل ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) أي : بعهد من الله وعهد من الناس ،  [ و ] هكذا قال مجاهد ،  وعكرمة ،  وعطاء ،  والضحاك ،  والحسن ،  وقتادة ،  والسدي ،  والربيع بن أنس .

 

وفي الآية إعجاز بهذا النبأ الغيبي،  الذي ما زلنا نشاهده  في أرض الواقع،  فالحبْل الرباني هو الجانب القدَري من المسألة،  وأما حبْل الناس لليهود فهو دعم الغرب لهم ولعدوانهم وتوسعهم!!

 

 

اغتصاب فلسطين
إن ما يغيب عن وعي كثير منا،  أن المؤامرة على فلسطين وغرس الصهاينة فيها؛ضاربٌ في جذور التاريخ الغربي،  ويرجع إلى أزمنة الاضطهاد النصراني العام لليهود في أوربا كلها شرقاً وغرباً!! وقبل سائر الأحداث التي تشير إليها البروتوكولات.
فقد كان المشروع السرطاني في خطة نابليون،  ولم يحبطها إلا هزيمة حملته على المشرق العربي..

وقد تبناها غلاة أعداء اليهود بعده من الساسة الغربيين،  الذين اشتهروا بما اصطُلِح على تسميته: العداء للسامية!!

 

وحتى هتلر الذي كان يكره اليهود تآمر مع قادتهم الصهاينة،  بترحيل الشباب منهم إلى فلسطين حصراً!! وهو اتفاق أحيط بتكتم شديد من الطرفين،  وقد عُرِفَ باسم: اتفاق هعفراه وقد أبرمته الوكالة اليهودية الصهيونية و ألمانيا النازية بتاريخ 25 اغسطس عام 1933. وُضعت بنود الاتفاق لتسهيل تهجير اليهود إلى فلسطين ،  بشرط أن يتنازل اليهود عن ممتلكاتهم لدولة ألمانيا. تم تهجير حوالي 50,000 يهودي بناءً على هذا الاتفاق.

 

وقامت أمريكا في تلك الفترة بإيصاد أبوابها أمام اليهود المهاجرين إليها..

 

فالمؤامرة صليبية غربية، وهي تهدف إلى اصطياد عصفورين بحجر: التخلص من عبء الوجود اليهودي الكثيف في بعض البلدان، وتمزيق المشرق الإسلامي بزرع عدو عنصري حقود يمنع أهله من النهوض والوحدة .

 

وأمريكا شاهد إضافي
كانت قيادات اليهود تأتمر بأوامر لندن وباريس سياسياً وعسكرياً،  ما دامت بريطانيا وفرنسا أقوى قوتين استعماريتين غربيتين.. فلما لاحت بوادر تقهقرهما سارعوا إلى تحويل دفتهم إلى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من قبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية.
وبقي تسليح العدو الصهيوني فرنسياً بريطانياً حتى 1967م، ليصبح أمريكياً بعدها.
وبالرغم من التأييد الأمريكي الأعمى للكيان الصهيوني، فإن واشنطن تضع له الحدود وليس العكس.. ومن الشواهد ذات الدلالة قضية محلل الاستخبارات في البحرية الأمريكية  اليهودي جوناثان بولارد،  الذي حوكم بسبب تجسسه لمصلحة تل أبيب،  والذي أمضى 30 سنة في السجن منذ 1986،  ورفض الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون توسلات تل أبيب لتخفيف الحكم عليه أو تمضية محكوميته في سجون العدو!!

 

وبعد:
هذه رؤية اجتهادية فإن كانت صواباً فمن الله، وإن كانت خطأً فمن بشريتي القاصرة .. وغايتها ألا نفرَّ من داء التهوين من شأن عدونا -كما فعل تجار القضية القومجيون الكَذَبة- لنقع في داء التهويل الذي يسر العدو،  ويتخذ منه المنبطحون ودعاة الاستسلام جسراً لتمرير بضاعتهم الفاسدة.

 

 

للاطلاع على الجزء الأول من المقال اضغط هنا