في نور آية كريمة.. (آية الكرسي)
4 رمضان 1440
أمير سعيد

"اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ".

جملة هي الأعظم، استهلت بها أعظم آية في كتاب الله عز وجل، واستهلت الجملة بلفظ الجلالة؛ فكان خبرها الأول هو كلمة التوحيد "لا إله إلا هو"، وكان خبرها الثاني "الحي القيوم"، اسم الله الأعظم (في إحدى الأقوال القوية لأهل العلم، لأعظم مبتدأ "الله"، وهو قول قوي أيضاً عن اسم الله الأعظم، أو هي جميعها اسم الله الأعظم في قول كذلك.

جملة هي الأعظم، جمعت التوحيد والعظمة؛ ففي كلمة التوحيد تجلى مفهوم الألوهية، لله القيوم القائم بتدبير الخلق وحفظه، القائم بذاته المقيم لغيره (كما جمع الشوكاني)، بما تشتمله من معنى الربوبية، وهو الحي، "المتضمن للحياة الكاملة التي لم تُسبق بعدم ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها"، كما نص ابن عثيمين في القواعد المثلى.

هي آية لاشك عظيمة، تحمل أوضح تعريف للإله الحق، بالألوهية والتدبير والخلق والحفظ والقدرة والعلم والعلو والعظمة.. لا غرو إذن أن يحث رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على قراءتها بتدبر في كثير من شؤونهم، في أدبار الصلوات وعند النوم وفي الرقية وفي الصباح والمساء.. وفي كل حين، ويعدهم بجزيل العطاء على هذا.

وهي بهذا تسكب في نفوس المؤمنين طمأنينة ورضا وسكينة لا تضاهي شبيهاتها؛ فإلههم لا ينام عن مظلوم، ولا يعجزه شيء، وهو محيط بالماضي والحاضر والمستقبل، رحيم يمنح شفاعته لأهل رضاه وتقواه.. "لا تأخذه سنة ولا نوم"؛ والسنة من الرأس، والنعاس في العين، والنوم في القلب، كما أورد الشوكاني، وقال: "وكرر حرف النفي للتنصيص على شمول النفي لكل واحد منهما".

"له ما في السماوات وما في الأرض"، فالملك له سبحانه، كما أن له العبادة وحده، وهو وحده الذي يأذن بالشفاعة لمن أراد، ولمن يرتضي "إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" من أهل طاعته. وهو سبحانه يعلم ما قد قدم عباده من أعمال وما خلفوا وراءهم، في ماضٍ ومستقبل؛ فلا يحد علمه زمان أو مكان. وأما علم العباد فلا يكون إلا بمشيئته سبحانه وتعالى، ولو كان شيئاً صغيراً من العلم.

"وسع كرسيه السماوات والأرض"، يقول ابن باز: "والكرسي مخلوق عظيم، فوق السماء السابعة، غير العرش، قال ابن عباس: هو موضع قدميه، قدم الرب عز وجل، وقال بعض أهل العلم: إنه العرش، لأن العرش يسمى كرسي، والمشهور الأول أنه مخلوق عظيم فوق السماء السابعة، غير العرش"، فالله المستعلي بذاته وبصفاته، والمتصف بالعلو حقيقة فوق خلقه وفوق السماوات العلا، لا يثقل عليه حفظ تلك السماوات والأرض، ولا يعجزه ذلك سبحانه وتعالى.

إن استبصار تلك المعاني كفيل بأن يجعل المؤمن فريداً بين الناس، في عقيدته، في توكله، في شجاعته، في اطمئنانه وأمنه؛ فحين يستشعر معاني الربوبية والألوهية ويستحضر صفات بهذه العظمة لرب لا يعجزه حفظ عباده ولا يثقل عليه القيام بأمر العباد، القائم على كل نفس، لا يعتريه قلق أو اضطراب. إن هذه العبارات لمعجزة حقيقية بما تضمنته من صفات الحياة والقيومية والملك والحفظ والعلم والعدل والإحاطة والقدرة المطلقة والعلو والعظمة، هي جديرة بكل تأكيد بأن تكون أعظم آية في كتاب الله سبحانه الحي القيوم.