شهر العسل التركي/الروسي.. بوادر الفراق
2 رجب 1438
منذر الأسعد

مثلما بدأ شهر العسل بين أنقرا وموسكو فجأةً، يبدو أنه سينتهي فجأة..
فالغيوم المتلبدة تملأ الأجواء بين العاصمتين، على الرغم من حرصهما على ضبط الأعصاب وعدم ظهور الخلافات الحادة إلى العلن لأسباب تكتيكية!!

تصريحات خادعة  
للوهلة الأولى، لا شيء يعكر صفو العلاقات التركية الروسية.. فأردوغان زار موسكو في العاشر من شهر مارس/آذار الجاري،  وكالعادة تبادل مع بوتن عبارات الغزل وادعيا أن عملية التطبيع التي بدأت في أغسطس/آب 2016 قد اكتملت،  وأن العلاقة بين البلدين دخلت مجددا في مرحلة “التطور المتعدد الأوجه” في جميع المجالات!

 

صحيفة  “مسكوفسكي كمسموليتس” الروسية تناولت مؤشرات التوتر الصامت بين موسكو وأنقرا، منطلقةً من عملية التوبيخ العلنية التي أعدتها الخارجية التركية للقائم بالأعمال الروسي في أنقرا،  على خلفية مقتل جندي تركي على يد قناص كردي. ولعل الإشارات التي تدل على احتدام الخلاف بين البلدين قد أصبحت عديدة،  لاسيما أن محادثات بوتين–أردوغان الأخيرة في موسكو،  كانت أسوأ بكثير مما حاول كلا الزعيمين إظهاره.

 

 

ما أحجمت الصحيفة الروسية عن ذكره -فلا صحافة حرة في روسيا البوتنية!!- أشار إليه الكاتب البريطاني ديفيد ريتشار في مقال نشره موقع ميدل إيست آي  وهو أن الروس كانوا حتى الآن بطيئين في تفعيل كثير من اتفاقات شراء المحاصيل التركية،  متذرعين بمسائل فنية تتعلق بضبط جودة المنتجات وغير ذلك،  وهو ما رد عليه الأتراك بشدة واضحة في 15 مارس/آذار بفرض تعرفة جمركية بنسبة 130% على القمح المستورد من روسيا”.

 

ويضيف ريتشارد: “عندما صالحت تركيا روسيا،  وعبرت عن أسفها لإسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015،  بدا التحرك وكأنه ضربة معلم استراتيجية،  حيث أخرجت الولايات المتحدة من اللعبة الاستراتيجية في سوريا،  وفتحت الباب أمام شراكة في ذلك البلد بين أنقرة،  التي أصبح لديها وحداتها العسكرية في سوريا،  وموسكو”.

 

 

ويضيف ريتشارد: “بعد ثمانية أشهر،  لم تتحول الأمور إلى شيء كهذا،  ويبدو أن سياسة تركيا في سوريا قد ضلت طريقها بشكل سيئ،  حيث بقيت القوات التركية محاصرة،  فلم تحقق إلا القليل،  وانحصرت سيطرتها على جرابلس والباب في شمال سوريا قريبا من الحدود فقط. بينما كان الجيش التركي يتطلع إلى إقامة منطقة آمنية تخفف نسبياً ثقل اللاجئين السوريين من جهة، وتقطع الطريق نهائياً على أحلام ملاحدة الكرد في إقامة دويلتهم لفصل تركيا عن الداخل السوري كلياً!!

 

مؤخراً، تبين أردوغان أن رهانه على روسيا انتهى إلى خيبة لا تقل عمقاً عن خيبته من دخول ترامب البيت الأبيض بعد أوباما الذي خنق تركيا تماماً خلال ولايتيه اللتين امتدتا ثماني سنوات عجاف!!

 

 

دور روسي وظيفي
نعود إلى ديفيد ريتشار الذي لم يكتشف البارود من جديد، وإنما وضع مرآة مؤلمة أمام القيادة التركية، حيث يتنافس الأمريكيون والروس -ظاهرياً- في مؤازرة طواويس أوجلان لغرس خنجر عميق في خاصرة تركيا.. وفي الحقيقة فإن موسكو ليست سوى مقاول يتولى تنفيذ أوامر وتوجيهات رب العمل الأمريكي.. يقول ريتشارد: “ما هو أسوأ من هذا لأنقرة هو أن الروس يقومون على ما يبدو بحماية الأكراد السوريين من التحركات التركية الرامية لإنهاء حكمهم الذاتي،  وعبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا الأسبوع عن (حزنه)؛ بسبب استمرار الصلات الروسية والأمريكية بقوات حماية الشعب في سوريا،  وجاء كلامه بعد نشر القوات الروسية في عفرين،  الجيب الكردي المنعزل في غرب سوريا”.

 

وبات شبه مؤكد أن أمريكا رفضت مشاركة تركيا في حملة طرد داعش من مدينة الرقة في الشمال الشرقي من سوريا..وسوف يقتصر الأمر على عملائها الكرد (الماركسيين!!)

 

وهنا يتساءل ريتشارد -بسذاجة مصطنعة في تقديري- : كيف يفلت بوتن من يده فرصة لم يكن يحلم بها لاختطاف تركيا من الناتو،  وخاصة بعد يأس أردوغان من واشنطن وفي أعقاب العداء الأوربي المفاجئ له؟ مع أن بوتن في حاجة ماسَّة جداً لتعميق علاقاته مع تركيا لكي تصبح وسيلة ضغط على أوربا وعقوباتها بشأن أوكرانيا؟

 

وأنا أتهم الكاتب بافتعال البلاهة، لأن بوتن بنفعيته الرخيصة وظروفه الداخلية والإقليمية لا يمكن أن يضيِّع فرصة إستراتيجية جاءته على طبق من فضة كما يقال!! فالتفسير  الوحيد المتبقي -موضوعياً- هو أن روسيا تمارس مهمات وظيفية لخدمة تل أبيب وواشنطن معاً..  وهو ما سعى الكاتب البريطاني إلى الالتفاف عليه بلغة مواربة، حيث قال: (هناك ما هو أسوأ ينتظر أنقرا،  فبدلا من أن تستمتع بشراكة معادية ضمنيا للولايات المتحدة،  فإن موسكو تعمل بشكل متزامن مع واشنطن).