24 رجب 1438

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..

تزوجنا عن حب رغماً عن الأهل، عُمْر زواجنا ست سنوات، رُزِقنا بطفلين، نشبت الخلافات بيننا بسبب الأهل وبسبب الأسحار من كلا الطرفين.

سافرت إلى بلاد الغرب على أن تلتحق عائلتي بي، وبعد سفري زارت والدة زوجتي بنتها مرتين على التوالي مع العلم أنها لم تزرنا على الإطلاق منذ أن تزوجنا ولم تكرر الزيارة بعدها.

ومن تلك اللحظة وزوجتي تكرهني ولا تطيعني ولا تحترمني حتى إنها تحرمني من مكالمة أبنائي على الهاتف، ولَجَأَتْ للقضاء مرتين لطلب الخلع إلا أنه تم رفض طلبها في المرتين؛ لأني متواصل مع أهلي وأنفق عليهم وفترة غيابي لم تكن طويلة بما فيه الكفاية للخلع!!

الآن هي تريد أن تواصل حياتها معي رغم كرهها لي بحجه تربية الأبناء خوفاً من أخذي لهم بعد بلوغهم سن التاسعة وهي لا تريد فراقهم.

وتشترط عليَّ عدم الاقتراب منها، وأن يكون محور علاقتنا فقط الأبناء، وكل منّا يكون على هواه، وألا تكون لي عليها حقوق أو ولاية.

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
وليد قاسم

الجواب

أخي الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية نشكر لك اختيار موقع المسلم ونتمنى أن يكون دليلاً لك إلى كل خير...

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين..

 

كثيرة هي المشاكل الأسرية لكنها تتفاوت في كثرتها وقلتها وحدتها وأسبابها بين بيت وآخر، ولا شك أن مثل هذه المشاكل تؤثر بشكل أو بآخر على استقرار البيوت وطمأنينتها وسعادتها، وعادة ما تقوم البيوت على المودة والرحمة، يقول الله عز وجل: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

 

ولا يخفى على ذي لب أن معرفة كل فرد في الأسرة بدوره وقيامه وأدائه لهذه المسؤولية والرعاية التي استرعاها الله له حق الرعاية، يساعد كثيراً في سعادة الأسرة واستقرارها واستمرارها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر].

 

أخي الكريم:

تابعت مشكلتك واستوقفني أمر زواجك بدون رضا الأهل فيبدو أن البدايات كانت فيها أخطاء؛ فرضا وقبول الأهل لكلا الطرفين يساعد بشكل كبير – بعد توفيق الله – في نجاح الزواج واستمراره والعيش في هناء وسعادة وسرور..

 

ذكرتَ أن المشاكل بسبب الأسحار من كلا الطرفين!! فهل تأكدت من ذلك؛ فلعلك تكون واهماً وتغلب عليك الظنون؛ فدعها حتى لا تفسد عليك حياتك، إلا إن كنت متيقناً؛ حينئذ تعمل على علاج هذه الأسحار بالطرق الشرعية..

 

كما ذكرت أن عُمْرَ زواجك ست سنوات، فلا شك أن في زوجتك من الخصال التي تحمدها لها وأنها قد أسْدَت إليك معروفاً في يوم من الأيام فلا تغفل هذا المعروف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم.

 

وإليك – أخي الكريم – بعض النصائح؛ لعلها تعينك في حل مشكلتك بإذن الله تعالى:

* الاستعانة بالله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً، والتضرع والإلحاح في الدعاء بأن يقرب بينكما وأن يشرح صدوركما وأن يجمع شملكما وأن يلم شتاتكما وأن يهديكما لما يحب ويرضى.

 

* التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي، فكثير مما يصيب الإنسان يكون بسبب ما يقترفه من الذنوب والمعاصي، يقول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، وكذلك لزوم الاستغفار فهو سبب لتفريج الهموم والكروب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ".

 

* الجلوس مع زوجتك جلسة صفاء وود لإزالة الخلافات التي بينكما، كن خير الناس لأهلك فخيركم خيركم لأهله، كما قال رسول الله، مع توضيح أن قوامة الرجل في بيته هو من شرع الله، يقول سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، وأنه ليس لها أن تشترط عليك ما طلبته من أن تبقى العلاقة بينكما فقط لمصلحة الأولاد وأن يكون لها مطلق الحرية وألا يكون لك عليها حقوق أو ولاية فهذا غير جائز شرعاً ولا عرفاً.

 

* تنبيهها لخطورة ما هي عليه من عدم طاعة زوجها وتلبية حقوقه الشرعية، وأنها برفضها إعطاء زوجها حقه الشرعي تكون على خطر عظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"، وكذلك توضح لها خطورة طلبها الطلاق بغير ما بأس وبدون سبب شرعي يستدعي الطلاق، خاصة مع طلبها الخلع ورفض المحكمة لذلك، مما يثبت عدم أحقيتها في طلب الطلاق؛ حيث يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة".

 

* حاول أن تزيل أي خلافات سابقة مع أهلها، وأن تقربها إلى أهلك قدر استطاعتك، ولو أن تبادر أنت بالتقرب والتودد والتلطف مع أهلها.. وهذا لا يقلل أبداً من شأنك بل إنها ستحمده لك وتكسب احترام أهلها بل ومساعدتهم في حل مشكلتك.

 

* الاستعانة بمن ترى فيه الحكمة والرشاد من أقاربها ومن له الولاية عليها كأبيها أو عمها أو أخيها الأكبر بحيث يوضح لها خطأها وضرورة التزامها بيتها وطاعة زوجها ولم شمل الأسرة وعدم شتاتها.

 

* اجتهد في أن تلتحق زوجتك وأولادك بك في بلاد الغربة؛ فَقُرْبها منك وعدم بعدك عنها قد يزيد الألفة بينكما خاصة وأنتما في غربة وأنكما بعيدان عن أهلك وأهلها وأن تصبح أنت لها كل شيء في حياتها واملأ حياتها وعوِّضْها عن أهلها.

 

* تودد إليها بهدية وإن تيسر لك أن تذهب بها لأداء العمرة أو الحج فهي أفضل هدية تهديها لزوجتك فالهدية لها أثر عجيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" وما بالك إن كانت الهدية عمرةً أو حجاً!

 

* المداومة على أذكار الصباح والمساء والرقية الشرعية لك ولزوجتك وأولادك والإكثار من قراءة سورة البقرة في البيت فإنها تطرد الشيطان، كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة".

 

* يجب أن تفهمها أن شروطها التي ذكرتها هي شروط مرفوضة عند أي عاقل، وأنها لو شاءت الصلح؛ فالصلح خير، لكن بحقوقها العادية الشرعية وواجباتها الشرعية.

 

* إن لم تستجب لك وتطيعك وتكون زوجة صالحة تراعي زوجها وحقوقه وتتقي الله فيه – بعد كل ما تبذله في إصلاح بيتك وزوجتك – فاستخر الله سبحانه وتعالى في مفارقتها بالمعروف..

 

وختاماً أسأل الله تعالى أن يصلح بينكم وأن يفرج عنكم ما أنتم فيه من بغضاء وشقاق وأن يبدله إلى محبة ووفاق يا رب العالمين.