10 رجب 1438

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته . أنا متخرجة من قسم الشريعة وفكرت في دخول الدور النسائية لحفظ القرآن وتدريس القرآن بعد ذلك ورأيت إعلان دورة في تأهيل معلمات القرآن ولكن صدمت من قول بعض الناس أن رواتب مدرسي القرآن في دور التحفيظ لا يتعدى 1000 ريال فتقدمي على وظائف أخرى لأجل راتب أعلى مثل التدريس في المدارس أو العمل في الوظائف الإدارية التي لا تفكر في تخصص المتقدم وأنا بصراحة أخاف من التدريس في المدارس ألا أتفوق في إيصال العلوم الشرعية الأخرى للطالبات فما رأيكم؟

أجاب عنها:
وليد قاسم

الجواب

أختي الكريمة.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بداية نشكر لك اختيار موقع المسلم ونتمنى أن يكون دليلاً لك إلى كل خير...

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين..

يتضح من رسالتك أنك تعيشين في حيرة من أمرك بين الالتحاق بالدور النسائية لحفظ القرآن والعمل بتدريس القرآن وما تحصلين عليه من أجر مادي ضعيف وبين العمل في التدريس أو في وظيفة إدارية تحقق لك دخلاً وراتباً أعلى!! وأيضاً تخوفك ألا توفقي وألا تتفوقي في إيصال العلوم الشرعية للطالبات..

 

أختي الكريمة..

شكر الله حرصك واهتمامك واستشارتك للوصول إلى ما فيه الخير لك بإذن الله وتوفيقه، ولولا ما فيك من الخير والصلاح وما حباك الله به من تعلم العلوم الشرعية لما أقدمت على طلب النصيحة والمشورة والرأي لما فيه الخير لك..

 

كثير من الناس قد يعيش حالة من التردد والحيرة مثلما تعيشينها الآن في تحديد ما هو أفضل له في حياته العملية واختيار العمل المناسب الذي يعينه على أن يعيش حياة هنيئة كريمة..

 

وهناك بعض المعايير والأسس التي يجب أن يضعها في حسبانه كل من يُقْدِم على عمل أو عند قبوله لهذا العمل، ومنها: (قيمة هذا العمل وأثره – مناسبته لتخصصه – قدرته على أدائه – راتبه وعائده المجزي).

 

ومن الأهمية بمكان أن يكون عمل المسلم في دنياه هو طريقه إلى السعادة والفوز في آخرته.. فالغاية والهدف هما في الغالب اللذان يحسمان الأمر واتخاذ القرار المناسب بتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى..

 

ولا يخفى على مثلك أن العلوم الشرعية من أشرف العلوم التي تنال بها الخيرية، كما بيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"،  ومن أفضل العلوم الشرعية هو تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه، وهو أيضاً مما تنال به الخيرية، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه".

 

أختي الكريمة..

لا شك أن السعي لطلب الرزق الحلال من طرقه المشروعة لا ينافي الشرع؛ بل يحث عليه ويوليه أهمية كبيرة ونحن مطالبون بذلك، ولكن يكون نصب أعيننا وغايتنا ابتغاء الدار الآخرة وما فيها من نعيم، يقول الله عز وجل: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}..

 

فأنصحك أختي الكريمة أن تعملي في مجال تخصصك الذي درستيه وهو الشريعة وتعليم علومها، وحبذا لو جمعت بين هذا العمل والعمل في إحدى هذه الدُّور النسائية لتحفيظ القرآن كعمل إضافي، وبذلك تكونين قد جمعتِ بين الخيرين.

 

فلا تغفلي الأجر العظيم في الآخرة، كما لا تغفلي الدَّوْر الكبير الذي تقوم به هذه الدُّور النسائية من تخريج دفعات كبيرة من الحافظات للقرآن الكريم.

 

وعليك باستشارة ذوي الخبرة ومن تثقين في رأيهم؛ فإن ذلك قد يفتح لك آفاقاً ورؤى تساعدك – بإذن الله – في اختيار العمل المناسب.

 

أيضاً لا تنسي أمر الاستخارة وتكرارها والإلحاح في الدعاء والتضرع بين يدي الله أن يبصرك بما فيه خيري الدنيا والآخرة وأن يوفقك لاختيار العمل الذي يعينك على مرضاته سبحانه وتعالى.

 

كما نود أن ننوه لأمر مهم أن المرأة المسلمة إن أرادت أن تخرج للعمل فعليها أن تختار المجال الذي يكون فيه صيانة لكرامتها وعفتها وحشمتها وأن تبتعد كل البُعد عن أماكن الاختلاط وما قد يصاحب ذلك من سلوكيات لا ترضي الله عز وجل؛ فلا شك أن مثل هذه الدُّور تحفظ المرأة وتصونها بعيداً عن هذا الاختلاط الذي قد يتواجد في مثل الأعمال الإدارية في شركة أو مؤسسة مثلاً..

 

أما بالنسبة لتخوفك وقلقك من ألا توفقي وألا تكوني متفوقة في إيصال العلم الشرعي؛ فقد يكون هذا الخوف وهذا القلق طبيعياً، كمن يُقبل على الاختبارات ويكون في حالة من الخوف والقلق مع كونه متفوقاً، وأخشى أن يكون هذا الخوف والقلق عائقاً ومثبطاً لك عن خوض التجربة والإقدام عليها، وكل شيء جديد في بدايته يكون صعباً لكن بالدربة والممارسة يكون سهلاً بإذن الله؛ فغالباً ما تتدرج الأمور في مراحل ثلاثة: المعرفة ثم الممارسة حتى تصل إلى الخبرة؛ فـ"إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم"..

نسأل الله تعالى أن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه وأن يريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه.