أردوغان وأوربا.. من يستعدي الآخر؟
16 جمادى الثانية 1438
منذر الأسعد

أردوغان يتعجل مواجهة غير ضرورية مع أوربا..
أوربا تصعِّد  للتخلص من أردوغان صاحب الطموحات المستفزة.. لكي تعود تركيا سيرتها الأولى: دولة تنهكها الديون ويعشش فيها الفساد وتوهنها طبقة سياسية بائسة، فتبقى تركيا ذيلاً ذليلاً لأوربا.. وإذا حاول الساسة التحرر من تبعيتهم،فالجنرلات مستعدون للإطاحة بهم،والعودة بالبلد إلى المربع الأول.

 

قليل الصبر
لا غرابة في أن يتبنى التفسير الأول خصوم أردوغان أوربياً وعربياً.. فهم يعادونه في كل حال !! وأما العجب فهو أن يأتي هذا الرأي من قبل بعض المعجبين بالرجل، ومنهم صديقي الباحث المصري المقيم في هولندا الأستاذ: طارق منينة. وما يضيف على رأيه وجاهة أكبر أن صاحبه يقيم في القارة العجوز منذ 27 سنة، حيث يوجه لومه لأردوغان الذي يتعجل التصعيد  مع أوربا حتى إنه وصفه بأنه يخوض معركة بلا سلاح!! فهو -بحسب رؤيته-يتحدى أوربا بلا فائدة ترجى إلا فائدة ضئيلة (داخل تركيا المحاصرة).

 

والكاتب يؤيد صرف النظر كلياً عن الحلم القديم:الانضمام إلى الاتحاد الأوربي،لكنه ينصح الرئيس التركي بالصبر حتى تحقيق وعوده الحاسمة عام 2023.

 

ويستدرك منينة: لكنه لا يصبر!وبالرغم من أنه محاصر اقتصادياً  يصعد الموقف بلا داعٍ، فماذا عليه لو تخلى عن الدعاية لنظامه داخل أوربا بمهرجانات شكلية، فمن المعروف أن  أكثر الأتراك في أوربا يؤيدونه أصلاً! فلماذا يثير عداوة إضافية لا يحتاج إليها ،وربما  ستدفع الأوربيين لاتخاذ إجراءات-أكثر جدية سرية أو علنية- لإسقاطه كما فعلت من قبل بالرئيس المصري محمد مرسي وفي انقلاب الجزائر على انتخابات 1992 التي فاز الإسلاميون بجولتها الأولى،وكانوا سيفوزون بالثانية يقيناً..

 

وبدلاً من "العنتريات الفارغة" كما يقول،ينصح زميلنا تركيا بالتحالف مع القوى الاقتصادية القوية في شرق آسيا،للوصول باقتصاد البلاد إلى مرحلة لا تستطيع أوربا تهديدها.

 

ويختم الكاتب رؤيته بأن تعديل الدستور التركي ليصبح النظام السياسي رئاسياً ليس ضرورياً،مستدلاً على ذلك بأن  حزب العدالة والتنمية  بزعامة أردوغان حقق إنجازات ضخمة في ظل النظام البرلماني الحالي!

 

 

ذروة الاستفزاز الأوربي
ربما هي المرة الأولى في التاريخ،أن تثور ثائرة دولة -بل عدة دول- على استفتاء شعبي يجري في دولة أخرى مستقلة، وتحت رقابة صارمة داخلية ودولية.

 

فألمانيا وهولندا والنمسا -ثم لحقت بهما السويد وسويسرا " المحايدة" تاريخياً!!- كل هؤلاء اتبعوا سياسات لا سابقة لها،ففتحوا الباب على مصراعيه  أمام نشطاء ومعارضين -بل  منظمات تركية متهمة بالإرهاب- لكي تعقد ندوات وفعاليات شعبية في ألمانيا وهولندا والنمسا ضد الحكومة التركية وضد الاستفتاء ، وشنت صحف وقنوات فضائية رسمية  في تلك العواصم  حملات مؤدلجة ضد تعديل الدستور التركي ومنحت مساحات للنشر باللغة التركية تخاطب الجاليات التركية الضخمة هناك لتقنعها برفض التعديلات الدستورية والتصويت عليها بالرفض . وعندما أوفد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بإر بعض  الوزراء لعقد ندوات ومقابلات مع الجالية التركية في تلك العواصم لتوضيح وجهة نظرهم ودعوتهم للموافقة على الاستفتاء تم منعهم رسمياً ، ففي هولندا رفضوا هبوط طائرة وزير الخارجية التركية شاويش أوغلو ، وهو موقف خطير جدا بمعايير الديبلوماسية ، ويصعب  أن تهبط إلى دركه دولة من بلدان العالم الثالث ..  وعندما توجهت وزيرة شؤون السرة التركية بسيارتها من ألمانيا إلى هولندا استوقفوها على الحدود ومنعتها الشرطة الهولندية  من الوصول إلى القنصلية التركية في المدينة ، هذه هيستريا حقيقية يصعب تصور دوافعها ، كما تطرح تساؤلات كثيرة عن أسباب تورط العواصم الأوربية في الاستفتاء التركي على هذا النحو ، لقد بدا -كما وصف أحد الكُتَّاب غير المفتونين بأردوغان-كأن الاستفتاء  موجه للشعب الهولندي أو الألماني وليس للشعب التركي . وبلغ الجنون الأوربي مداه بتهديد الأتراك المقيمين في أوربا منذ عشرات السنين بالإبعاد،في تصرف مهووس يعيد إلى الذاكرة بعضاً من حماقات طاغية ليبيا الهالك معمر القذافي.

 

وبلغت الفضيحة الأوربية منتهى قبحها، في التزامن بين الحرب الضروس على أردوغان المنتخَب،وإرسال وفد من "البرلمان" الأوربي لمقابلة هولاكو العصر الحديث بشار الأسد،في نطاق إعادة تأهيل هذا السفاح الرهيب!!

 

اختزال 15 تعديلاً بالشخصنة

اعتمد الأوربيون ممارسة مثيرة للسخرية،عندما اختزلوا تعديلات الدستور التركي كلها،في بند واحد هو التحول إلى النظام الرئاسي -المعتمد في أمريكا نفسها-،وطمسوا أنظار الناس عن  15  تعديلا دستوريا آخر تدعم مدنية الدولة وتعزيز الديمقراطية فيها ، مثل إلغاء المحاكم العسكرية بجميع درجاتها وحصر مهماتها في التأديب داخل المؤسسة العسكرية على غرار سائر البلدان الديموقراطية ، وكذلك تخفيض سن الترشح لعضوية البرلمان إلى 18 سنة وإجراء الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية في يوم واحد ، وتعزيز صلاحيات البرلمان في الرقابة والتفتيش والحصول على معلومات ومنحه سلطة  التحقيق مع رئيس الجمهورية ومنع الرئيس من حل البرلمان في هذه الحالة .. وقد مر النقاش حول هذه التعديلات بمراحل عديدة ، منها الحوار المجتمعي الواسع عبر وسائل الإعلام المختلفة ، ثم الحوار الملتهب والعنيف داخل البرلمان ، ثم تمت إجازته في النهاية للعرض في استفتاء شعبي في الشهر المقبل ليقول الشعب التركي كلمته فيه ، ونشطت جهود سياسية وإعلامية ضخمة في تركيا من الطرفين ، المؤيد والمعارض ، للتعديلات الدستورية

 

.
الإخفاء والتضليل
في سياق التضليل الإعلامي الأوربي المتعمد،تم طمس حقائق تاريخية قاطعة، لكي يسهل اتهام أردوغان بأنه يسعى إلى السيطرة على كل مفاصل القوة في تركيا، بينما يعلم الأتراك أن حلم التحول من النظام البرلماني إلى  الرئاسي،داعب مخيلة أربعة رؤساء قبل الرئيس الحالي!!

 

والأوربيون يعلمون أن أردوغان يهيمن من قبل فعلياً على السلطة التنفيذية بحكم شخصيته القيادية الآسرة. ولذلك فلا يحتاج إلى تغيير بنية النظام لكي يوسع من نطاق سلطته!!

 

الرجل يرى أن النظام الرئاسي يحقق مصلحة للشعب التركي: لأن النظام البرلماني بطبيعته غير مستقر، وكثيراً ما تتشكل الحكومة فيه على تحالفات حزبية هشة وسريعة التفكك، والتجربة السياسية التركية منذ عقود طويلة تعاني من عدم الاستقرار (في ٩٣ عاماً تشكلت في تركيا ٦٥ حكومة، أي أن متوسط عمر الحكومة هو ١٧ شهراً) .. والحكومات الائتلافية الهشة تبدو كأنها حكومات تسيير أعمال فهي تعجز عن اتخاذ قرارات شجاعة ومصيرية بسبب الانقسام بين مكوناتها المتنافرة، والتي كثيراً ما تغرق في مناكفات سياسية عقيمة ..