"ملائكة" الإعلام الغربي.. و"شياطينه"!!
15 جمادى الثانية 1438
منذر الأسعد

(من يسمع الإذاعة الفرنسية الناطقة باللغة العربية (راديو مونت كارلو) يظن نفسه يستمع إلى إحدى إذاعات حزب البعث، أو إيران أو حزب الله أو بوتين لا يمكن أبداً أن يصدق أنها إذاعة فرنسية، تبث من بلد الحرية وحقوق الإنسان، وتمولها الحكومة الفرنسية المؤيدة لأحرار سورية).

 

هذا بعض ما قاله- قبل أيام- الإعلامي السوري المعروف: أحمد كامل، مضيفاً أن انحياز مونت كارلو يعني أمرين لا ثالث لهما إما أنه من السهل الضحك على الفرنسيين وتوجيه إعلامهم من قبل صحفيين طائفيين أو تابعين لأنظمة مستبدة لغايات مخالفة لمبادئ فرنسا وسياساتها المعلنة، وإما أن سياسات فرنسا المعلنة مجرد كذبة، وأنها تكذب علينا بإعلان أنها مع الحرية والأحرار في سورية والوطن العربي.

 

ازدواجية في الشخص الواحد!!

في نهاية مقاله، فجَّر كامل "قنبلة" ضخمة في وجه الإعلام الغربي المنافق، عندما كشف للناس أن مراسل هذه الإذاعة الفرنسية في تركيا هو في الوقت نفسه مراسل تلفزيون حزب الله " المنار"الأمر الذي يعادل -في رأيه- أن يكون مراسل وسيلة إعلام فرنسية مراسلاً لداعش كذلك.

 

وأحمد كامل كان مراسلاً لقناة الجزيرة القطرية في العاصمة البلجيكية وقد أيد الثورة السورية ضد الطاغية بشار منذ انطلاقها، ولم يتلون في موقفه المبدئي من الثورة. وهو يعرف الإعلام الغربي من الداخل إذ عمل في بي بي سي ثم غادرها بسبب تحيزها ضد الشعب السوري وتلميعها لسفاح الشام وهولاكو العصر بشار الأسد.

 

مونت كارلو التي تحدث عنها أحمد كامل ليست نشازاً، وإنما هي جزء من سياق عام غربي واحد، يعادي الشعوب المسلمة المظلومة وينافح بشراسة فجة عن عملاء الغرب الطغاة الذين يعيثون في بلدانهم فساداً ويهلكون الحرث والنسل!!

 

فالنفاق ذاته هو الطابع المسيطر على فضائية بي بي سي العربية وقناة فرنسا 24 وأمثالهما، وسبق لنا أن تناولناهما بمقالات وتقارير عديدة على امتداد السنوات الست الماضية، حيث وثقنا غياب الموضوعية عن مواقفهما من الأحداث الكبرى في العالم الإسلامي بعامة، ومن ثورات الشعوب العربية على جلاديها بخاصة.

 

شيطنة أردوغان

من سوء حظ الغرب حقاً وجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان..
ففي مقابل التعامي عن وحشية بشار وانعدام حقوق الإنسان في بلدان الثورة المضادة من مصر إلى تونس واليمن، يقدم الإعلام الغربي أردوغان كنموذج للاستبداد!!

 

أردوغان لم يصل إلى السلطة بانقلاب عسكري ولم يرثها عن طاغية عسكري مثل بشار..
أردوغان العلماني في غابة نظم طائفية دموية تحركها طهران..

 

أردوغان الذي كان الغرب يُسَوِّقُه في بداياته كنموذج للاعتدال المطلوب "إسلامياً"!!

 

ما الذي اختلف حتى بات الرجل نفسه "شيطاناً" بل الشيطان الأكبر وربما الأوحد في مرآة الإعلام الغربي الذي أصبح مثل أبواق النظم الشمولية يتكلم لغة واحدة أحادية إقصائية؟

 

كيف تحول أيتام الماركسية المنقرضة من ملاحدة الكرد "مناضلين في سبيل الحرية" وهم يعترفون بأنهم يفجرون السيارات المفخخة في الشوارع والمقاهي والمطاعم في المدن التركية؟ وهي أفعال داعشية 100%!!

 

وحدة عجيبة

لم يتوحد الإعلام الغربي فقط -وهو الذي يختلف حتى على قطع شجرة تعرقل حركة المرور في إحدى قراه النائية- ولا الأحزاب اليمينية العنصرية وحدها، فالجميع انخرطوا في جوقة واحدة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ضد تعديل الدستور التركي -وهذا بحسب معاييرهم نفسها شأن تركي داخلي-؟

 

علماً بأن تآمرهم على تركيا في السنوات الست الأخيرة، قلَّص كثيراً من قوة اندفاعها، وأثَّر سلباً على حرية حراكها الإقليمي وعلى صورتها في المنطقة عقب التنازلات المؤلمة التي قدمتها كارهةً، وخاصة بعد خذلانها أمام الاستفزازات الأسدية والروسية، مروراً بالانقلاب الأمريكي الفاشل..

 

فما الذي يخيفهم إلى حد تخليهم عن نفاقهم المعهود ولغتهم الدبلوماسية الـمُراوِغة، واضطرهم إلى أن يدوسوا شعاراتهم الجوفاء بأقدامهم بكل خشونة؟

 

ألا يكفيهم تآمرهم الفظيع على الشعب السوري وإعادة إنتاج نظام العصابة النصيرية العميلة؟ وكذلك منع تركيا من حماية أمنها القومي في وجه المؤامرة الكردية العنصرية، حتى إن أمريكا ترامب -لا أوباما- نزلت بجنودها في منبج السورية لوقف أي تحرك للجيش التركي شرق الفرات؟

 

لقد أثبتت الأيام الأخيرة، أن الغرب عندما تضيق به السبل، مستعد أن ينقلب منظومة نازية شرسة لا صوت يرتفع فيها معترضاً ولو بالهمس الخافت.