ببساطة، لو أن فلسطينيي الشتات عادوا اليوم لفلسطين المحتلة لصاروا فيها أغلبية.
ولو أن فلسطينيي الشتات لم يعودوا ولكن ضم الكيان الصهيوني الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة إليه، لصار الفلسطينيون أغلبية بعد قليل.
ولو أنه لم يحصل هذا ولا ذاك، وبقي الوضع على ما هو عليه، لصار الفلسطينيون أغلبية داخل الخط الأخضر (أرضي فلسطين المحتلة في العام 48) قبل أقل من ثلاثة عقود.
ببساطة أيضاً، لو أن الفلسطينيين منحوا حقوقاً سياسية كالتي يتمتع بها المغتصبون الصهاينة، لصار رئيس وحكومة "إسرائيل" بعد بضعة عقود فلسطينيين!، وانزوى اليهود كأقلية بعد قرن من احتلال اليهود لفلسطين.
لكن السياسة لا تعرف هذه البساطة، وليس اليهود بتاركي القضية لهذه الفرضيات؛ فالشعب الذي يؤمن في كتابه المحرف بعقيدة "تصحيح أخطاء الرب" – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – لا يمكنه أن يترك هذه المسلمات أن تصبح واقعاً حقيقياً، ودون هذا العديد من الإجراءات والأفعال والتكتيكات.
مثلاً:
- تأتي فكرة "يهودية الدولة"، والعمل على ترسيخ ذلك دستورياً ليحرم الفلسطينيين من مزايا التفوق السكاني، وإفراغه من مضمونه السياسي؛ فتصبح "واحة الديمقراطية وسط الديكتاتوريات" مثلما يطيب للصهاينة وصف كيانهم الغاصب، نفس الواحة لكن ضمن شروط دستورية تمايز ما بين المواطنين على نحو تقبله الازدواجية الليبرالية الحاصلة في العالم اليوم.
- وجاءت أوسلو فأفرغت الضفة الغربية من معادلة الصراع سياسياً بعدما أفرغته "أجهزة دايتون" السبعة العشرة الموالية لـ"إسرائيل" من شقه الميداني؛ فأضحت الضفة ضمن السلطة الصهيونية واقعاً، لكنها خارجها "دستورياً".
- وتأتي عملية تفريغ القدس من مواطنيها الفلسطينيين لتفرغ العاصمة القادمة للكيان الصهيوني من مغبات "التهديدات المحتملة" التي يمكن أن يمثلها الوجود الفلسطيني، علاوة على الأسباب الدينية الدافعة لهذا التفريغ بالأصل.
- ويطرح مشروع مبادلة الأراضي في بين الكيان الصهيوني ومصر، لإبعاد مركز ثقل الفلسطينيين عن قلب بلادهم، وإنهاء قضية اللاجئين للأبد، حيث يزمع تحويل دفة الدولة الفلسطينية من فلسطين إلى خارجها مع امتداد صحراوي محدود في أرض فلسطين لا قيمة استراتيجية له على الإطلاق.
- وتأتي الترتيبات الصهيونية لبيت رام الله، وتعزيز صعود الوكيل الصهيوني داخل منظمة التحرير الفلسطينية (والذي يقيم في إحدى الدول العربية)، ليفسح المجال لإملاء الصيغة الصهيونية على "المفاوض" الفلسطيني؛ لإنهاء ملف مفاوضات "الحل النهائي" المتضمنة لأوضاع اللاجئين في الخارج والداخل والقدس.
- وتبدو فكرة إجراء الانتخابات البلدية في الضفة وحدها، والتي أعلنت عنها حكومة الحمد الله الفتحاوية، لتكريس الانقسام بين المنطقتين المحتلتين في العام 67، واللتين تتمتعان بكثافة سكانية فلسطينية كبيرة، إنفاذاً لهذا الهدف أيضاً.
وخطوات كثيرة أخرى...
وفي قلبها، يأتي رد الفعل عنيفاً وقوياً من حركة فتح، كبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية على مؤتمر الشتات الذي أقيم في إسطنبول أواخر فبراير الماضي، لمدة يومين، ودعا إلى إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بعد إهمالها لحقوق نصف الشعب الفلسطيني (فلسطينيي الشتات)، حيث انقطعت اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني منذ عقدين، ورفضت المنظمة إجراء أي انتخابات حقيقية في الشتات لإفراز مجلس يمثل الشعب الفلسطيني في الخارج حقيقة، ويلبي تطلعاته؛ ففي حين تعمل قيادات موالية للكيان الصهيوني داخل الأطر العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية على إماتة قضية الشتات، لحساب هذا الكيان، وتلبية لاستراتيجيته الكبرى في تفكيك القنبلة الديموغرافية الفلسطينية، يأتي هذا المؤتمر، وتلك الرغبة، والحماسة المتقدة لجموع أبناء الشعب الفلسطيني، خلف فصائل مخلصة لإحياء هذه القضية في هذا الوقت الدقيق والعصيب.. هذا أقلق كثيراً الكيان الصهيوني، وأزعج "مناضلي الفنادق" في منظمة التحرير الفلسطينية، وأربك مخططات بعض قياداتها الموالية للكيان الصهيوني التي فاجأها المؤتمر بما لم يكن في حسبانها: أن تعاد قضية الشتات لصدارة المشهد، ويصار إلى إثارة قضية المجلس المعطل والمنظمة الميتة.