في شجون النشء الصاعد
30 جمادى الأول 1438
عبد الحكيم الظافر

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما موقع تويتر بغضب كبير من أصوات محافظة ومتدينة احتجاجاً على إقامة "كوميكون" الذي شهد ما اعتبره عدد من الشيوخ والدعاة والنشطاء وقطاعات شعبية تجاوزات شرعية، تمثلت في حفلات موسيقية صاخبة، واختلاط، وعدد من المخالفات الشرعية.

 

وتداول النشطاء مقاطع صوتية لإحدى السيدات التي حضرت فعاليات كوميكون، معددة ألواناً من الضوابط الشرعية التي انتهكت من خلال الفعاليات، كما تداولوا مقاطع لبعض الحفلات الموسيقية، ومظاهر للتبرج والاختلاط عجت بها خيمة امتلأت بنحو ثلاثة آلاف زائر لهذا الحدث الجديد تماماً على العائلات المحافظة. في حين احتفت أصوات ليبرالية ومتغربة بهذه الفعالية، وتبعتها بعض الأوساط الشعبية الأخرى.

 

وكان من أبرز ما تعرض للنقد في تلك الفعاليات، ما تقدم، علاوة على التكاليف الباهظة للفعاليات، ما استنزف أموالاً طائلة من الزائرين، كما لاحظ منتقدون المقابلة ما بين صورة المرابطين في الثغور، وكوميكون.

 

إلا أنه بعيداً عن أوجه الانتقاد النمطية التي عادة ما تتعرض لها تلك الفعاليات، فقد لاحظ منتقدون هذه المرة ما عدوه من خلال تدويناتهم وتغريداتهم انحيازاً لافتاً بشكل كبير لجهة تقديم الفعالية لنماذج رمزية لا تصلح أن تحتل هذه المكانة عند النشء والأطفال، إذ إنه بعقد مقارنة سريعة بين قدوات كانت تستهوي هذا النشء في تلك المرحلة العمرية المهمة في السابق، والذي انغرس في مخيالها صور أنس، والبراء، والطفيل، وثمامة، وأبي أيوب، وأم سلمة، وابن الجموح.. رضي الله تعالى عنهم، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين كانت هذه الصور، تتراءى أمام أعينها من خلال كتاب "صور من حياة الصحابة"، وغيره، مما كان يداوم النشء على قراءته، وبين الرموز الأسطورية التي وإن لم تمثل قدوات بطبيعة الحال للصغار إلا أنها تزيح صور القدوات الحقيقية التي يتعين أن يتعلق بقصصها الأطفال. لا تزعم مثل هذه الفعاليات أنها تقدم بديلاً للقدوات، لكنها تقوم بالفعل بالتشويش على تلك القدوات بهذا الإغراق والمبالغة في تقديم مثل هذه الشخصيات وتجسيدها بشكل متكرر، وتعليق الأطفال والصبية بهذه التفاهات واستهلاك أوقاتهم بعيداً عن كل مفيد.

 

لا يحسن الاستهانة بمثل هذا؛ فمثله، وتكراره، يقوم بإزاحة العقول عن مساحة الجادة، ويفرغ العقول لتلقي ما تقدمه ديزني وغيرها من أفكار وتصورات ومبادئ تخالف قيمنا وحضارتنا.. إنه نقل لنمط حياة كامل من خلال مثل هذه الفعاليات تحاكي الحياة الغربية بكل سلبياتها وسلوكياتها سواء كان هذا مقصوداً أم لم يكن.. إنه مع خطورة ما تقدمه شخصيات ديزني وغيرها من مغالطات وأفكار وسلوكيات سلبية ومشينة في كثير منها، لا يتوقف زجها في العقل الغض على مجرد شخصيات كرتونية قد ينسى الصغار آثار ما تغرسه، فثمة إلحاح متواصل تفرزه تكرار هذه الصور، والتمثل بملابسها ومحاكاة حركاتها وسكناتها في التأكيد على تفاهاتها وسلوكياتها ويحببها أكثر للصغار، ويدفعهم لإنفاق مئات الريالات للتعرف عليها عن كثب! إن مثل هذه الفعاليات حتى "لو" خلت من كل المنكرات؛ فلن تخلو أبداً من تسطيح عقول الصغار والمراهقين.. هذا يسعد كثيراً رعاة ديزني الحقيقيين.