موسم الافتراء على السوريين.. 2/ 2
9 جمادى الأول 1438
منذر الأسعد

أصبح تزوير البيانات الإعلامية على الثوار السوريين شديد الوطأة في الآونة الأخيرة، في ضوء متغيرات عسكرية وسياسية إقليمية ودولية؛بالرغم من أن التضليل الإعلامي كان السمة الرئيسية لأداء العصابات الأسدية وشركائها في قتل السوريين كالقنوات الرافضية في إيران والعراق ولبنان، كما انضم الإعلام الروسي إلى جوقة الدجالين منذ بداية الثورة السورية.

 

ثغرة خدمت العدو

هذا التآمر لا يعفي الفصائل المقاتلة من نصيبها من الوزر، فقد أعانت أعداءها من حيث لا تشعر، بتمزقها وتناحرها وحروبها الإعلامية البينية التي جعلت العدو يغتبط بحالتها السيئة.

 

وقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في هذه المحنة الإضافية، حيث تستخدم من جميع الأطراف كسلاح فاعل، لنقل وقائع ما يجري من أحداث، وعمد النظام وحلفاؤه إلى تضليل المتابعين واختلاق الأحداث والتسبب في المعارك وإذكاء جذوة الخلافات الفصائلية والعقائدية والمناطقية.

 

وباتت هذه المواقع ساحة رديئة للسجالات وتصفية الحسابات، وانتهز العدو هذه الفوضى البشعة في إذكاء الصراع ونقله من دائرة المناطق المتفرقة، إلى حالة عامة لتقسيم الحاضنة الاجتماعية للثورة إلى فئات متصارعة، ونشر الخلافات بينها على أسس فصائلية، من خلال التجييش الإعلامي، بما في ذلك اختلاق "البيانات المزورة"، والتي تكيل الاتهامات بالتخوين والتبعية للنظام.

 

واستغل الإعلام الغربي هذه البيانات الزائفة للترويج لأساطير النظام، بصورة متعمدة لأن وسائل الإعلام النزيهة تستطيع تمييز الصحيح من الزائف من خلال معرفات الفصائل المعتمدة في مواقع التواصل، فضلاً عن أن أول أبجديات العمل المهني عدم نشر خبر قبل التثبت من صحته بسؤال الجهة المنسوب إليها!!

 

الغرب في خدمة الطاغية

من المفارقات التي كشفتها الثورة السورية، تحيزات منابر إعلامية غربية لمصلحة القاتل بالرغم من سمعتها السابقة كمنابر موضوعية إلى حد بعيد..

 

أحدث الشواهد، نأخذه من سلوك قبيح أقدمت عليه الغارديان البريطانية في 2/1/2017م عندما نشرت خبراً بعنوان "مئات السوريين يلوذون بالفرار بسبب قصف من قوات الأسد لمجموعات مستبعدة من وقف إطلاق النار" نقلت فيه تصريحاً لمدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة "أسوشييتد برس" تحدث فيه عن حافلات كانت تستعد لإجلاء المدنيين من منطقة وادي بردى باعتبارها ليست جزءا من وقف إطلاق النار بسبب وجود جبهة فتح الشام، المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة".

 

وتواصل تطبيق (تأكد) مع الهيئة الإعلامية في منقطة وادي بردى فنفت الهيئة ما ورد على لسان عبد الرحمن، مؤكدة أن المنطقة خالية من تنظيم فتح الشام ولا وجود أبداً لعناصر تابعة للتنظيم، أو أي جهة عسكرية مرتبطة به.

وما فعله شباب هواة يعملون في تطبيق (تأكد) عجزت عنه صحيفة من وزن الغارديان –وإن شئنا الدقة: تعامت عنه-!!

 

ولم تشعر الصحيفة "العريقة" بشيء من احمرار الوجه، عندما اضطر المحتل الروسي إلى الإقرار بعدم وجود أي مقاتل لفتح الشام في المنطقة، التي جرى الإجرام الوحشي في حقها حتى اضطر الثوار إلى الخروج منها، بالرغم من وقف إطلاق النار المزعوم!!

 

مكتب إعلامي للسفاح

إذا كانت الغارديان تخاتل بين فترة وأخرى فتدس خبراً مختلقاً أو معلومات مزورة، فإن فضائية فرانس 24 –الفرنسية الحكومية!!!- استحقت أن توصف بأنها "مكتب إعلامي لبشار الأسد"!! لأن تأييدها الأعمى لجرائمه لم يكن متفرقات هنا وهناك، وإنما سياسة منهجية شبه يومية، حتى بات بعض الناشطين السوريين يسميها: قناة سما الفرنسية في إشارة إلى البوق الأسدي: قناة سما التي يملكها اللص الأكبر رامي مخلوف ابن خال نيرون العصر الحديث.

 

وكتبت الصحفية السورية هنادي الخطيب تقريراً عن الفضائية الفرنسية عن أحدث فضائحها ضد السوريين، وجاء في التقرير قول الخطيب: لا ندري إن كانت قناة فرانس 24 دخلت أحياء حلب الشرقية بعد أن أنهى مقاتلو الأسد عملية تعفيش المنازل أم قبلها، ولا ندري إن كانت كاتبة التقرير الإخباري الذي عرض ضمن أخبار ليلة السبت 6 يناير/كانون الثاني عن أطفال حلب، تعرف شيئاً عن الشهباء، أم إنه وبكل بساطة، تم إرسال معلومات وصور وفيديو بالإيميل من قبل منتج النشرة في المحطة، مع مهمة محددة، “برجاء عمل تقرير عن أطفال حلب دون التطرق لأسباب ما يحدث لهم، ودون ذكر جيش الأسد إلا بالخير”!!

 

وأضافت الخطيب في تقريرها المنشور بموقع أورينت:

ما نعرفه فعلاً، أن تقريراً إخبارياً على قناة فرنسية يحوّل المذبحة العلنية التي حدثت في حلب على يد الأسد وداعميه، إلى حكاية سطحية ساذجة بطلها طفل عبّر عن اشتياقه للمدرسة، هو تقرير يمكن تصنيفه بجرائم الإعلام ضد الإنسانية.

 

“أطفال حلب” الذين حوصروا من قوات الأسد والميليشيات الشيعية المساندة لها، وقصفتهم روسيا فسقطت منازلهم على رؤوسهم ورؤوس أهلهم، ظهروا في فرانس 24 ضحايا “حرب”، والحرب التي تروج لها القناة وغيرها من المحطات التي تساند الأسد، هي حرب هائمة عائمة، لا يتم تجاهل ذكر بشار الأسد على أنه مسبب تلك المأساة فقط، وإنما تقترب الكاميرا من عنصر من ذلك الجيش وهو يربت على كتف طفل نزح من الأحياء التي دمرها هو بأوامر رئيسه، والكاميرا التي التقطت صورة الجندي، لم تقترب من أي وجه آخر من المدنيين النازحين، ربما خوفاً من أن تخونه كاميرته فتلتقط نظرة الألم الحقيقة لأناس خرجوا قبل موتهم بقليل، وتركوا جثث أحبائهم في الأحياء التي حاصرها من تؤيده القناة التي تسمي نفسها “حيادية”.

 

كل مُعَارض إرهابي

لقد بات واضحاً أن هناك إستراتيجية إعلامية تعمل على تزوير المصطلحات وتهميش المأساة، فيتبنى هؤلاء تسمية إعلام الطاغية للمقاتلين المعارضين، ويُطلق عليهم لقب “إرهابيين”، ليصبح بعض الإعلام الغربي أقرب للاحتلال، احتلال للعقول وللإنسانية وللاحترام.

 

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تمارس فيها قناة فرانس 24 التشبيح المغلف بحق السوريين، وفي جولة سريعة على موقعها الإلكتروني وتقاريرها التلفزيونية، يمكن كتابة تقارير كاملة عن المعلومات غير الصحيحة والتي لا تتبناها أي جهة إعلامية تلتزم بالحد الأدنى من المهنية الصحافية والموضوعية، وإن كان من الصعب الإحاطة بكل السقطات المهنية والإنسانية التي اقترفتها القناة، فإن ثمة إعلاماً من النوع الذي يمارسه نظام الأسد ومكاتبه الصحافية كفرانس 24، لا يمكن تصنيف أخباره وطريقة نقلها إلا بالجرائم الإعلامية التي يمكن أن يدرسها أطفال سوريون في الجامعات بعد سنوات، وليكون بلدهم هو المثال الأوضح لهذه الجرائم.