مأزق الثورة التونسية
15 ربيع الثاني 1438
خالد مصطفى

كانت الثورة التونسية هي البداية في عقد الثوارات العربية وما سمي بالربيع العربي حيث أطاحت بأحد أكبر الدكتاتوريين العرب من خلال انتفاضة سلمية أشعلت الأحلام المشروعة لعدة شعوب مجاورة تعاني من نفس الآفة وتطمح لتحسين أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي صادرتها فئة صغيرة سيطرت على مقاليد الثروة والسلطة لسنوات طويلة متجاهلة الحالة المتدهورة للفئة الأكبر..وظنت هذه الفئة الصغيرة أنها قادرة على التلاعب بعقول الملايين إلى الأبد عن طريق أجهزة إعلامها ومن خلال الخطابات العصماء التي يلقيها هؤلاء الحكام من حين لآخر لرسم واقع خيالي مغاير لما يعيشه الناس..

 

انطلقت ثورة تونس قبل 6 سنوات وتبعتها مصر وليبيا واليمن وسوريا وازدادت مخاوف بعض القوى الكبرى التي كانت بنت مصالحها في المنطقة انطلاقا من حسابات معينة تتعلق بالأنظمة القائمة ومن هنا بدأت المؤامرات والتدخلات لإفشال هذه الثورات ودعم القوى العميقة داخل بلاد الثورات لتعود من جديد للساحة, كما أن عدم نضج الشباب الذين تصدروا هذه الثورات واختلاف مشاربهم وعدم وضوح رؤيتهم للمستقبل وكيفية التعاطي مع الأوضاع الجديدة ساعد على دخول هذه الثورات إلى نفق مظلم...

 

تونس التي تحتفل بعد يومين بالذكرى السادسة لثورة الياسمين تعتبر من أقل بلاد الربيع العربي تضررا ولكنها أيضا لم تنجح في وضع ثورتها على الطريق الصحيح ولم تستطع تحقيق الهدف الذي خرج الشعب من أجله, حيث تدهورت الأحوال الاقتصادية وضرب العنف أرجاء البلاد وعادت مرة أخرى الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية السيئة وانتشار البطالة واندلعت مواجهات عنيفة خلال الأيام الماضية بين قوات الأمن التونسية ومحتجين غاضبين يطالبون بفرص حقيقية للتنمية في مدينة بن قردان وذلك بعيد إغلاق المعبر الحدودي مع ليبيا...

 

وبدأت الاحتجاجات للمطالبة بفرص حقيقية للتنمية في المنطقة مع إغلاق المعبر الحدودي مع ليبيا والذي كان شريانا حقيقيا لأغلب أهالي المدينة حيث تمثل التجارة مع ليبيا مورد رزق رئيسي...كما ارتفعت  وتيرة التوتر في مناطق أخرى في تونس حيث تظاهر آلاف الأشخاص في بلدة المكناسي التابعة لمحافظة سيدي بوزيد للمطالبة بتوفير فرص عمل وبدأوا إضرابا عاما في البلدة...

 

هذه الأحداث وغيرها جعلت 6 أحزاب تونسية معارضة، تعلن تكوين جبهة سياسية موحدة، أطلقت عليها اسم "جبهة الإنقاذ"؛ لدفع الحكومة نحو إيجاد حلول للمشاكل العالقة بالبلاد...وتضم هذه الجبهة كلاً من الاتحاد الوطني الحر (11 مقعداً بالبرلمان) وحركة مشروع تونس (20 مقعداً)، وقسماً من حزب حركة نداء تونس الحاكم (على خلاف مع المدير التنفيذي للحركة حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الباجي قائد السبسي)، والحزب الاشتراكي (يساري)، وحزب العمل الوطني الديمقراطي (يساري)، وحزب الثوابت (قومي).

 

 

وأكدت هذه الجبهة مساندتها للتحركات الاجتماعية المشروعة والسلمية. معتبرة أن "منظومة الحكم في تونس عاجزة عن الاستباق وخلق حلول عاجلة للمشاكل الاجتماعية التي تعيشها البلاد"...

 

وأوضحت أن "جبهة الإنقاذ مفتوحة لكل الشخصيات التي تتفق مع التوجه الذي ترسمه، وهو توجه وسطي تقدمي يسعى إلى إنقاذ تونس", على حد قولها....

 

وكانت عدد الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية في تونس خلال السنة المنقضية قد ناهز الـ5 آلاف احتجاج، بحسب بعض المنظمات الحقوقية...لا يمكن أن نحمل الثورة التونسية وأنصارها ونشطائها وحدهم مسؤولية ما يجري في تونس فمعظم الوزراء والمسؤولين الحاليين هم من بقايا عصر زين العابدين بن علي بما فيهم الرئيس السبسي نفسه بل إن عددا كبيرا من الثوار الحقيقيين تراجعوا للخلف خوفا من اندلاع مواجهات مسلحة في البلاد بعد حملات التشهير والتآمر عليهم من قبل أنصار العهد القديم الذين يمتلكون مفاتيح الاقتصاد والثروة والإعلام ..

 

والسؤال الآن في الذكرى السادسة للثورة التونسية هل تشهد البلاد ثورة جديدة؟ أم إنها بحاجة لتصحيح مسار الثورة القديمة وإبعاد الدخلاء الذين يلتحقون بكل ركب؟