الحكومة المغربية المنتظرة.. ولادة عسيرة أم انقلاب صامت؟!
28 ربيع الأول 1438
منذر الأسعد

هنالك قلق وتربص في الشارع المغربي، نتيجة التعثر الطويل في تأليف الحكومة برئاسة زعيم حزب العدالة والتنمية: عبد الإله بنكيران، الذي كلفه العاهل المغربي بهذه المهمة، عقب الانتخابات النيابية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تصدر حزبه الأحزاب الفائزة بأغلبية لا تكفي لتأليف حكومة وإنما تتيح له تأسيس ائتلاف من عدة أحزاب.

 

فما الذي أخَّر الحكومة الثانية بقيادة "إسلاميين" ما يربو على شهرين ونصف شهر، مع ملاحظة أن الأفق لا يوحي بخروج قريب من هذا المأزق المفتوح على احتمالات كلها صعبة ومُكْلفة؟.

 

ابتزاز حزبي أم عرقلة عميقة؟

كان الجميع يتوقعون أن تأليف الحكومة ميسور للغاية، وخاصة أن الدستور بعد تعديله صار يلزم الملك بتعيين شخص من الحزب الفائز في الانتخابات رئيساً للحكومة.

 

لا تخلو كواليس ولادة الحكومات الائتلافية عادة من المساومات المعهودة، فكل مشارك فيها يسعى للظفر بأكبر نصيب ممكن من الحقائب –نوعاً وعَدداً-، ولكن هذه الحرتقات سرعان ما تنتهي لأن الجميع حريصون على الربح المتاح، وكل منهم يعرف حجمه وحدوده فلا يبالغ في مَطالبه.

 

إلا أن مجريات الحكومة المنتظرة اليوم في المغرب، تجاوزت المألوف، حتى أصبح الوضع مثار قلق وتساؤل، وتباينٍ في التأويلات بين متفائل يراها –مهما طالت-ممارسة شائعة في النظم الانتخابية العريقة في الغرب-يضرب الأمثال بتاريخ إيطاليا وراهن إسبانيا!- وبين متشائم يكاد يجزم بأن البلاد مقبلةٌ على ولوج نفقٍ مؤلم لأن جميع الخيارات الممكنة تتسم بالعسر وفداحة الثمن.

 

أوساط العدالة والتنمية تشير بأصابع الاتهام إلى حزب الأصالة والمعاصرة-غريم بنكيران والثاني في ترتيب الأحزاب الفائزة- حيث يضغط على الأحزاب الأخرى لئلا تنخرط في الحكومة الموعودة، ولا سيما أن زعيمه –إلياس العماري- هو مستشار الملك ويتهمه خصومه بأن حزبه تأسس على يد الدولة العميقة لهدف واحد هو: مواجهة الأحزاب ذات التوجه الإسلامي أصلاً!

 

وكان العماري قد حض بعض الأحزاب، فور صدور نتائج الانتخابات التي خيَّبت رهاناته، على رفع رسالة إلى الملك تتضمن رفضها "الدخول مع حزب العدالة والتنمية في أي تحالف لتشكيل الحكومة".

 

فلما فشلت مساعي العماري تلك، لجأ إلى تأليب الآخرين لابتزاز الرئيس المكلف، وجاء الإسفين على يد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يحرص عليه بنكيران بالنظر لتفوقه في المضمار الاقتصادي ووفرة رجال الأعمال في صفوفه، بما يؤهله لاستقطاب الاستثمارات ومواجهة التحديات الاجتماعية الصعبة. فزعيم الأحرار –عزيز أخنوش- اشترط إقصاء حزب الاستقلال لكي يشترك حزبه في الحكومة، وهذا ما استفز بنكيران الذي قال بسخرية مريرة: من هو المكلف بتأليف الحكومة: أنا أم أخنوش؟

فالرجل يعتبر تصرف الأحرار ابتزازاًرخيصاً لم يكن يتوقعه من حزب ينظر إليه كحليف لا كخصم بطرحه شروطاً تعجيزية.

 

شروط تعجيزية وخيارات قاسية

بات واضحاً أن الكرة الآن في ملعب بنكيران نفسه، لأنه تمكن بدهاء من الحصول على أغلبية تكفي للحصول على ثقة برلمانية مريحة..حيث أصبح معه عدة أحزاب يبلغ إجمالي نوابها 203 بينما لا يحتاج نيل الثقة المطلقة إلا إلى 395 صوتاً..

 

بنكيران الآن هو صاحب القرار، وربما يضطر الأحرار إلى التراجع عن شروطهم المرفوضة بعد أن استطاع الرئيس المكلف تأمين النصاب المطلوب من دونهم..

 

وأما إذا أصروا على تعنتهم، فإن أمام بنكيران خيارين لاثالث لهما: الأول يتمثل في المضيِّ في مسيرته وتأليف الحكومة بمن حضر، بالرغم من أن هذا يفقده خبرة الأحرار وعلاقاتهم الاستثمارية المهمة، فضلاً عن تفويت حلمه بمحاصرة الأصالة كحزب وحيد في المعارضة!!

 

وأما الخيار الآخر فهو الذي يعبر عنه بنكيران بعبارته التي لطالما لوَّح بها: "أعيد المفاتيح إلى الملك وأعود إلى بيتي".

 

وهذا إذا تحقق يوقع الجميع في مأزق حقيقي لا يريده أحد، وربما حتى قوى الدولة العميقة لا ترتاح إليه، لئلا تأتي الانتخابات المبكرة برصيد أعلى للعدالة والتنمية وتهبط بحزب الأصالة إلى ما دون المرتبة الثانية.يضاف إلى ذلك كلفة مالية وسياسية كبيرة لإعادة الانتخابات في بلد يشكو من مشكلات اقتصادية وتنمية مزمنة، وتحتاج إلى كثير من الجهود المتضافرة للتغلب على تلك المشكلات وعلى رأسها البطالة المفزعة في صفوف الكوادر المؤهلة علمياً!

 

وهنا يتجدد الحديث الذي تنفر منه قوى الدولة العميقة، وسبق لنا أن أشرنا إليه عشية ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة في مقال نشره الموقع بعنوان: الانتخابات المغربية.. الإصلاح الناعم في مواجهة القوى الخشنة، وذلك بتاريخ 3 محرم 1438
(http: //www.almoslim.net/node/271037)
ألا وهو النظام الانتخابي الذي تم تفصيله بمكر حيث لا يستطيع أي حزب الحصول على أغلبية تتيح له تأليف الحكومة منفرداً، مثلما هو الوضع الطبيعي في الدول الديموقراطية العريقة.

 

وها هو الدكتور أحمد مفيد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة فاس يرى الرؤية ذاتها، فهو يعزو هذا التأخر في تشكيل الحكومة، إلى اختلالات كبيرة في المجال السياسي، أساسها نمط الاقتراع في الانتخابات الذي لا يُمَكِّنأي حزب سياسي مهما كانت قوته وطبيعة برنامجه الحصول على الأغلبية المطلقة، وهو النمط الذي يساهم في تشتيت الأصوات، ممّا يؤثر سلبًا على تشكيل الحكومة، ويطرح إشكالات في مدى التزام الأحزاب ببرامجها الانتخابية بعد دخولها الحكومة.