لم يعرف البشر حتى الآن خدمة مدنية راقية قدمها العقل البشري الروسي سوى خدمات الأسلحة العسكرية التي تفتك ببني البشر، ولا يزال البشر يستذكرون الكلاشينكوف وغيره من الأسلحة الروسية، بينما خطت دول صغيرة وكبيرة ومتوسطة أشواطاً كبيرة وطويلة نحو تقديم الرفاهية والتقدم للإنسانية من خلال إبداعات خدماتها المدنية، واليوم ومع الحرب الشامية نرى الفضائح تخرج للعلن حتى في الصناعة العسكرية الروسية فقد كشفت عاصفة الطائرات الربانية التي ألحقت كل أنواع المذلة والفضيحة بالصناعة العسكرية الروسية، كشفت كلها مدى التراجع والانحطاط العسكري الروسي الذي كان الإنجاز الوحيد الذي يتفاخر به العقل الروسي...
بدأت القصة بعاصفة تحطم عدة طائرات عسكرية في داخل روسيا خلال السنتين الماضيتين تبعها المشهد الكئيب لحاملة الطائرات الروسية اليتيمة الوحيدة كوزينتسوف والتي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية وهي تعبر قناة الشمال ببريطانيا والدخان الأسود يمخر معها، مما كشف اهتراء الآلة العسكرية الروسية، إذ إن موسكو كانت تأمل من خلال تلك الباخرة أن تظهر للعالم هيبتها وقوتها العسكرية، وحين نجحت بشق الأنفس في أن تصل بالحاملة إلى اللاذقية سعت موسكو إلى استخدامها بإقلاع طائراتها وهبوطها عليها وذلك في مسعى لإبراز العضلات العسكرية الروسية كما هي عضلات بوش وغيره أيام الحرب على العراق وأفغانستان، حين كان يستخدم حاملات الطائرات كجزء من إبراز الهيمنة والسطوة الأميركية أمام العالم، وأمام شاشات التلفزة، لكن فشلت روسيا في إظهار لقطة فيديو واحدة لطائرة روسية على حاملة طائراتها، وما سمحت روسيا بتناقله خبرياً فقط هو أن طائرتين حربيتين تحطمتا وهما تحاولان الهبوط والإقلاع من على حاملة الطائرات..
جاء إعلان روسيا إطلاق صواريخ بالستية على مواقع الثوار في سوريا ليزيد من عملية فضح آلتها العسكرية إذ إنها لم تكشف عن أي صورة لهذه الصواريخ وهي تستهدف المواقع التي قصفتها، وترددت الأخبار عن سقوط بعضها في الأراضي الإيرانية والعراقية، ولم يحصل المشاهد على مقطع ولقطة واحدة لصاروخ ضرب أهدافه كما أعلنت روسيا، بينما نعرف أن دولاً صغيرة تقدم صورًا تلفزيونية لعمليات قصفها وهو ما فشلت فيه موسكو، مما زاد من عجز الثقة بالآلة العسكرية المهترئة والتي لم يتم تحديثها منذ الثمانينيات والتسعينيات..
ما إن تمكنت روسيا وإيران وحثالاتهما من إتمام مجزرة حلب وتهجير أهلها، حتى نشرت روسيا شرطتها العسكرية في حلب الشرقية، وهو احتلال لم يسبق له مثيل إذ لم يسبق لاحتلال أن نشر شرطته في الدولة المحتلة، وإنما ينشر قواته العسكرية المحاربة فقط، ولكن لم يمض على ذلك ساعات حتى رأينا تحطم الطائرة العسكرية الروسية في سوتشي ومقتل قائد الشرطة العسكرية بروسيا في الحادث بالإضافة إلى ضباط وجنود ...
الواضح تاريخياً أن العقلية الروسية لا يهز ثقتها بقادتها التراجع الاقتصادي وإلا فإن الروبل فقد خلال الفترة الماضية نصف قيمته، وتراجع الاقتصاد الروسي بشكل مخيف في الآونة الأخيرة، فالشرعية البوتينية وشرعية الحكم في روسيا بشكل عام ليست الاقتصاد بقدر ما هي الجيوبولتيك، واستعادة الكرامة الروسية التي هدرها غورباتشوف كما يرى كثير من الروس، ولذا فهنا تبرز أهمية الضربة العسكرية الروسية بتحطم الطائرات، وفقدان الثقة في الآلة العسكرية الروسية بعين المواطن الروسي إذ إنها مصدر الشرعية الوحيد للقيادة الروسية ولبوتين تحديداً..