على مدار عشرات السنين من الصراع العربي مع الكيان الصهيوني المغتصب للأراضي الفلسطينية, استطاع جهازه الاستخباري المسمى "بالموساد" اختراق الأمن العربي في العديد من المرات وتمكن من تنفيذ عدد من الاغتيالات لمن يشكلون خطرا على هذا الكيان..
ورغم كل ما يقال داخل كل دولة عن الاستعداد والحذر والإنفاق الكبير على وسائل الأمن إلا أن كل هذا لم يقف أمام نجاح العدو الصهيوني في الوصول لأهدافه وهو أمر مثير للاستعجاب ويدعو للتوقف والمساءلة والتحقيق؛ فالأمن العربي إن لم يستطع أن يقف أمام وصول أخطر أعدائه إلى أعماق أراضيه طوال كل هذه السنوات فهو يعاني من أزمة ضخمة لا يمكن الاستهانة بها أو التغاضي عنها والتذرع بحجج واهية تشمل التورط في تبرئة العدو الصهيوني منعا لإدانة الذات ومواجهة حقيقة التقصير...
لقد تمكن الموساد من تسديد ضربتين للأمن العربي خلال أيام قليلة الأولى: عندما اغتال المهندس محمد الزواري (49 عاما) بالرصاص داخل سيارته أمام منزله في منطقة العين من ولاية صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية حيث أطلق الجناة 20 رصاصة على الزواري منها ثماني استقرت بجسمه وقد اعترفت حركة حماس بأن الزواري أحد قادتها وأوضحت أنه كان مشرفا "على مشروع طائرات الابابيل القسامية والتي كان لها دورها في حرب العام 2014" التي شنها الاحتلال على قطاع غزة....
والثانية عندما أرسلت القناة العاشرة والمعروفة بصلتها القوية بالجيش الصهيوني مراسلا صحفيا لكي يجري تحقيقا في اغتيال الزواري من أمام بيته ومن مكان قريب جدا من مقر وزارة الداخلية وقابل شهود العيان ومعه ميكروفون القناة وعليه اللوجو الخاص بها دون أن يشعر به الأمن التونسي الذي كان من المفترض أن يكون على أهبة الاستعداد في هذا الوقت الذي أعقب عملية الاغتيال وهو ما اثار ردود أفعال واسعة داخل الأوساط الحقوقية والشعبية التونسية التي اعتبرت الأمر بمثابة "فضيحة" وذكرت المركزية النقابية ان "وجود صحافيين عن قناة العاشرة الصهيونية وبثّها المباشر للوقائع وحواراتها مع التونسيين، هو اختراق أمني فاضح للنسيج الأمني التونسي" وطالبت السلطات "بمتابعة الجهات التي سمحت لهم بالدخول إلى تونس ومكّنتهم من التراخيص تحت أيّ عنوان"...
ضربتا الموساد داخل تونس حملتا رسالة واضحة للأمن العربي ككل ألا وهي "أننا قادرون على الوصول إلى ما نريد في أي وقت ودون معوقات" والأخطر "أننا لا نخشى العواقب ونستطيع الإفلات"..ردود الفعل الرسمية التونسية كانت حذرة فهي حتى الآن لم توجه الاتهامات صراحة للكيان الصهيوني وإن كانت ألمحت إلى تورط أجهزة أجنبية في العملية, والخوف أن تستمر حالة الحذر هذه إلى نهاية التحقيق دون الإعلان عن الجاني الحقيقي كما هو معتاد في مثل هذه الجرائم...حادثة الاغتيال أعادت للأذهان عمليات مشابهة راح ضحيتها قيادات فلسطينية أثارت غضب الاحتلال من أهمها في السنوات الأخيرة: عملية اغتيال محمود المبحوح بدبي في 19 يناير من عام 2010 وهو أحد قادة عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس، وقد أعلنت شرطة دبي عن اغتياله في غرفته بأحد الفنادق بدبي، وأعلنت الإمارات عن فتحها تحقيق في اغتيال المبحوح، (لم تعلن نتائجه)، فيما كشفت شرطة دبي أيضا عن تفاصيل تتعلق بجوازات سفر وبطاقات ائتمانية لبعض المشتبه بهم، يحملون جنسيات أوروبية...وبعد 5 سنوات من تنفيذ العملية نشرت القناة الثانية الإسرائيلية فيلما قصيرا يوضح تفاصيل عملية اغتيال المبحوح، أشارت خلاله إلى وقوف "الموساد" ورائها.... كذلك اغتيال عز الدين الشيخ خليل في 26 سبتمبر 2004 وهو أحد كوادر حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، حيث قُتل في انفجار سيارته في دمشق، وقالت القناة الثانية التلفزيونية "الاسرائيلية" آنذاك نقلا عن مصادر أمنية، إن "اسرائيل" كانت وراء تفجير السيارة....
كذلك محاولة اغتيال خالد مشعل في 25 سبتمبر 1997حيث استهدف الموساد وبتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، مشعل من خلال 10 عناصر من جهاز الموساد قامت بالدخول إلى الأردن بجوازات سفر كندية مزورة، وتم حقنه بمادة سامة أثناء سيره في شارع وصفي التل في عمّان...واكتشفت السلطات الأردنية محاولة الاغتيال، وقامت بإلقاء القبض على اثنين من عناصر الموساد المتورطين في العملية.
وطلب الملك الأردني الراحل حسين بن طلال من رئيس الوزراء "الإسرائيلي" المصل المضاد للمادة السامة التي حقن بها خالد مشعل، وهو ما تم فعليا، وتم إنقاذ مشعل...وقامت السلطات الأردنية فيما بعد بإطلاق سراح عملاء الموساد مقابل إطلاق سراح الشيخ الراحل أحمد ياسين مؤسس حركة حماس والذي كان محكوما بالسجون مدى الحياة...