جولات الموصل (2)
26 محرم 1438
أمير سعيد

مضت المرحلة الأولى مما تسمى بعملية تحرير الموصل، وحصل ما كان متوقعاً منذ بدايتها؛ فقد شرعت القوات المهاجمة في مط مدة العملية بغية تحقيق أهدافها الخاصة بتغيير بنية الموصل السكانية.. وقد كانت ثمة ملامح عامة للمرحلة الأولى تم استعراض بعضها في المقال السابق، "جولات الموصل"، وهنا نستكمل بعضاً من هذه الملامح والنقاط.

 

 

( 6 )
برغم ما أعلنته القوات العراقية عن أنها حتى نهاية المرحلة الأولى من المعركة قد استولت على 74 بلدة وقرية على تخوم الموصل، وأنها باتت على مقربة من 3 كيلو متر فقط من أطراف المدينة، إلا أنه عند مقارنة ما تم الانسحاب منه في صيف 2014 لحساب تنظيم داعش في وجود ما يقدر بقوام 3 فرق عسكرية عراقية منها مسلحة بأفضل أنواع الأسلحة الأمريكية دون قتال؛ فإنه هذا "التحرير" يعد بطيئاً نسبياً بالنظر إلى ضعف القوة المقابلة، والتي تم إنهاكها بالفعل خلال العام الماضي على الأقل، وهذا يلقي بظلال من الشك حول رغبة التحالف في الحسم السريع للمعركة التي خلفت حتى الآن ما لا يقل عن عشرة آلاف نازح. هذا من قبل أن تسرف ميليشيا الحشد الطائفي (الحرس الثوري العراقي) في قتل المواطنين السنيين بالوتيرة المعهود لها، ويعني أن ثمة نية مبيتة للتهجير على النحو الذي تحذر منه رموز سنية عراقية وعربية.

 

 

 ( 7 )
باغت تنظيم داعش عدة أطراف إقليمية ودولية لا تتقابل معه في الأهداف بهجومه المحدود على كركوك وآخر أكبر قليلاً على الرطبة، وقيل في هذا أن داعش أراد تشتيت التحالف ضده، بفتح جبهات جديدة، ورفع الروح المعنوية لجنوده، وخفض الروح المعنوية لأعدائه من جهة ثانية، لكن بالنظر إلى نتيجة الغارة السريعة له على كركوك يتضح أنها تأخذ السياق ذاته لنتائج هجماته وسيطرته على المدن السنية، التي يدفع ثمنها أهل السنة في تلك المناطق، ولم تكن كركوك من ذلك ببعيد؛ فقد هجرت قوات جلال الطالباني الكردية نحو 250 أسرة عربية سنية على الفور من المدينة الغنية جداً بالنفط، تحت ذريعة تقديمهم معونة لداعش عند هجومه عليها! وانتقل هذا التهديد لجميع اللاجئين العرب السنة القادمين من الحويجة إليها، فضلاً عما يمكن أن يطال سكانها العرب الأصليين من تهجير أو تهديد به.
فنستطيع القول إن التنظيم مثلما يضر الموصليين بتأخره في الانسحاب المتوقع له، قد أضر بالعرب السنة في كركوك وفتح جبهة جديدة ضد السنة هم في غنى عنها في هذا الوقت الدقيق.

 

 

( 8 )
مثل الهجوم الداعشي على كركوك ضغطاً إضافياً على تركيا لاعتباره يهدد الوجود التركماني فيها، وهذا قد يفهم في إطار العداء الطبيعي بين داعش وتركيا لاسيما أن للأخيرة قوة بالقرب من الموصل، وتؤكد مشاركتها الحالية أو المستقبلية في عملية إخراج داعش من الموصل، لكن في المقابل لم يحصل ما هو مكافئ في استهداف القوة الأكبر المنوط بها إخراج داعش من الموصل، الجيش العراقي والحشد الطائفي (الحرس الثوري العراقي). تركيا أزعجها الهجوم الداعشي على كركوك لأنها لا تملك هامشاً كبيراً للمناورة لو شرعت ميليشيا الحشد في تغيير تركيبة كركوك السكانية أيضاً.

 

 

( 9 )
فيما لم تكن تجارب أهل السنة أثناء تهجير بعضهم وهدم مدنهم السنية جيدة برغم فتح السلطات العراقية ما سمي بالممرات الآمنة التي ولغت فيها ميليشيات الحشد برغم هذا، تبدو الأوضاع مقلقة في الموصل كون السلطات (الجيش العراقي والشرطة) لم تعلن عن ممرات آمنة للاجئين من الأساس، وكأنها ستخرج داعش من الموصل بمشرط جراح! وهذا يعني أن اللاجئين سيسلمون كغنيمة باردة للميليشيات لممارسة عادة التعذيب البشع مع القتل بغية إحداث "الصدمة والرعب" الذي يعد وصفة ناجعة في عمليات التهجير القسري.

 

 

( 10 )
تهجير وهدم المدن السنية هو أكبر عملية تهجير قسري تشهدها المنطقة هذا القرن بعد التهجير السوري والهدم المستمر للمدن السورية؛ فلقد أسفر – بحسب د.محمد الفيضي الناطق السابق باسم هيئة علماء المسلمين العراقية – عن تهجير أكثر من أربعة ملايين سني "في الفيافي والقفار من دون رعاية إنسانية، لا من الحكومة، ولا من المجتمع الدولي، في توافق غريب"، على حد قوله، وعن تخريب مدن سنية طالت يد التخريب فيها في بعض المدن ما يربو عن 85% من أبنيتها. هذه معطيات تدعو إلى الفزع مما يمكن أن ينتظر أكثر من مليوني موصلي مطوقين من ثلاث جهات. لاسيما حين يضاف إلى ذلك حافز الثأر الإيراني من مدينة رفدت الجيش العراقي إبان حكم صدام حسين بنحو 70% من ضباطه، هذا الحافز الذي حدا بمجرم الحرب الإيراني قاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق القدس إلى الحضور إلى العراق وزيارة جبهات القتال في وقت يتردد أنه قد حضر لقيادة المعركة بنفسه لإذلال السنة الموصليين.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربما كان للوجود التركي الذي لم يرَ أثره حتى الآن بشكل واضح دور في كبح جماح عملية التهجير برغم إبداء أنقرة استعدادها لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، لكن حتى كتابة هذه السطور فما يبدو أن الأسوأ لم يأتِ بعد، ونسأل الله ألا يأتي وأن يجنب أهلنا الموصليين الضرر..

المعركة ممتدة والدور الأمريكي والكردي والتركي والداعشي فيها معقد، يسر الله بيانها في "جولات الموصل" اللاحقة، بإذن الله