انبهر كثير من الناس بالاهتمام العالمي الواسع بصورة الطفل السوري عمران دقنيش، الذي أنجاه الله عز وجل من إجرام طائرات بوتن، التي دكت منزل عائلته فوق رأسه ورؤوس والديه وإخوته، بينما تركز أبواق التضليل الروسية على أن همجيتها تستهدف تنظيم داعش، الذي ليس له وجود في منطقة القاطرجي بمدينة حلب!!
فليس لداعش أي حضور في مدينة حلب، التي تتوزع السيطرة عليها بين قوات جيش الفتح وفلول عصابات الطاغية وشركائها من قطعان القتلة الطائفيين المجلوبين من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان!!
وأقرب نقطة يتمركز داعش فيها تبعد عشرات الكيلومترات عن حلب إلى الشمال والشمال الشرقي!!
الفاعل المعلوم/المجهول
قد يبدو قلمي نشازاً في الوقوف ضد "الحفاوة" الدولية بصورة الطفل ابن السنوات الخمس، وهو يجلس في سيارة الإسعاف مذهولاً وعاجزاً عن النطق بأي كلمة ولو كانت: آه، بينما يتفقد جسده الغض المعفر بالتراب ممتزجاً بالدم!
حسناً، فليتكرم عليَّ القارئ الكريم بقليل من الصبر، وأضمن له أنه سيطالع أسباب ارتيابي وله أن يقتنع بها أو يرفضها.
ربما كانت دموع مذيعة الأخبار بشبكة Cnn الأمريكية قد حظيت بأكبر تغطية عالمية لمصاب عمران، فالمذيعة kateBolduan لم تتمالك نفسها فقد أجهشت بالبكاء وهي تذيع النبأ مصحوباً بالصور المؤلمة.. وهذا أمر إنساني لا يحتاج إلى تفسير.
لكن السياق العام لصياغة الخبر كان على نقيض المذيعة، فلم يكن فيه ذرة من الإنسانية ولا أدنى مسحة من بقايا أخلاق المهنة!!
المجرم في خبر الشبكة مجهول، مع أن قاطني الأدغال الاستوائية يعرفون أن المجرم هو فلاديمير بوتن، حتى لو كانت الطائرة التي دكت منزل عمران هي من بقايا طيران سفاح العصر بشار الأسد.. لأنه لولا تدخل بوتن بقوة إلى جانبه منذ 11 شهراً، لكان بشار الآن قتيلاً مثل القذافي أو لاجئاً تحت عباءة سيده ومالك أمره خامنئي!!
فنبأ شبكة الدجل الأمريكية كما قرأته المذيعة نفسها قال:
”.... هذا عمران كان مع أمه وأبيه وأخته وأخيه منزلهم قصف بضربة جوية من قام بالقصف، لا نعرف لكنه سُحب مع عائلته من تحت بقايا منزلهم بعد أن دفنوا تحت أنقاضه “.
أمريكا رأس الكذب لا تعرف!! فربما كانت طائرات ورقية للجيش الحر قد تولت قصف حاضنتها الشعبية!!
ولذلك استحقت واشنطن سخرية السوريين، الذين كتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي يطالبون بحملة تبرعات لاستئجار قمر اصطناعي يخبر الأمريكيين من الذي قام بتدمير البيوت في حلب فوق رؤوس أهلها!!
تعددت الأبواق واللحن واحد
بعد 40 سنة في الصحافة، أجزم أن الإعلام الأجنبي لم يصبح كله كأنه بوق واحد، إلا بعد انطلاق الثورة السورية.. لم يقع في هذا المطب المزري حتى في قضية فلسطين ولا في مأساة البوسنة..
وها هو اليوم يكرر نمطيته في قصة عمران، فلم تكن Cnn شاذة عن السياق!!
وأكتفي باقتباس أبرز ما تضمنه تقرير نشره موقع أورينت نت حول هذه النقطة بعنوان:
(شبكات إخبارية تتجاهل المجازر في حلب.. وتتبنى الرواية الروسية)
حيث تجاهلت كبرى الشبكات الإخبارية الغربية والوكالات العالمية هذه الغارات وما أسفرت عنه ليكرسوا اهتمامهم على استخدام روسيا لقاذفات عملاقة من مطارات إيران، وتبني الرواية الروسية حول قصف مواقع "المتطرفين" في سوريا بحسب وصفهم.
وقد تجاهلت وكالة "رويترز" هذه الغارات واستشهاد عشرات المدنيين، وركزت في تقريرها على استخدام روسيا للمطارات الإيرانية في قصف "المتشددين"، حيث أعادت رواية وزارة الدفاع الروسية، حول استهداف مواقع "تنظيم الدولة" و"فتح الشام" في مدينة حلب ودير الزور، دون التطرق إلى قصف الأحياء السكنية وارتكاب المجازر في حق الأطفال والنساء.
من جهتها أشارت شبكة بي بي سي الإخبارية إلى أن الطائرات الحربية قصفت اثنين من أحياء مدينة حلب، يسيطر عليهما "متمردون" كما وصفتهم، دون أن تحدد ما إذا كانت الطائرات تابعة للنظام أو روسيا.
ولم تخرج قناة "فرنس 24" عن مسار تجاهل وسائل الإعلام العالمية للمجازر التي تُرتكب في حلب، واكتفت بخبر قصير على موقعها، يدعم الرواية الروسية حول قصف مواقع "المتشددين" وتدمير آليات وعربات عسكرية لـ "تنظيم الدولة".
وواصلت طائرات العدو الروسي إحراق مدينة حلب وريفها، حيث ارتكبت مجزرة مروعة في حي "طريق الباب" خلفت عشرات الشهداء والجرحى، بينما دق المجلس المحلي في مدينة الأتارب ناقوس الخطر بعد خروج عدة نقاط طبية عن العمل وإلحاق ضرر كبير في مستشفى المدينة الوحيد.
القتيل يخاف والقاتل مطمئن
إن من المفارقة التي تفضح انقلاب المفاهيم في العالم الراهن المحكوم بأهواء الغرب الانتقائي، أن والد الطفل عمران يخشى من بطش العصابات الأسدية، بينما يفترض أن يكون القتلة هم الخائفين من العدالة!!
فلو لم يكن العالم كله متواطئاً على قتل السوريين، لما تهرب والد عمران من الكشف عن هويته، خوفاً من انتقام عصابات النصيرية وحلفائهم المجوس.
وفي حديث لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، تحدث الأب المكلوم ببضعة كلمات قليلة عن الرعب الذي عاناه، وهو يرى أولاده يسقطون أمام عينيه في المنزل الذي يقع في حي القاطرجي في حلب.
وأصر الأب، على رفض ذكر اسمه وأصر على مناداته بـ"أبو علي"، خوفاً من انتقام شبيحة النظام منه ومن أسرته، خصوصاً بعد أن أصبحت أسرته بمحض الصدفة رمزاً لوحشية ودموية النظام السوري، وأصبح ابنه عمران بين ليلة وضحاها "أيقونة الحرب السورية".
وروى "أبو علي" أنه كان يجلس إلى جانب عمران وبقية أولاده في غرفة المعيشة قبل أن تسقط القذائف على المنزل.
وأضاف: "إنه لشيء مؤلم للغاية أن تشاهد أولادك يسقطون أمام عينيك". ووصف كيف أنه كان يبحث داخل الحطام عن أفراد أسرته، إلى أن وجد عمران بين الأنقاض، ثم وجد أحد أبنائه، قبل أن يتمكن المسعفون من انتشالهم، وقد أوصاهما أن يهتما ببعضهما إلى أن يجد بقية الأخوة.
يذكر أن أسرة دقنيش كانت تتجمع في المنزل أثناء القصف، وتم سحبهم من تحت الأنقاض جميعاً أحياء، بينما لفظ الطفل علي أنفاسه الأخيرة أمس السبت.
وقد تلقى أبو علي العزاء في وفاة ابنه في منزل تقيم فيه العائلة بصفة مؤقتة.
حل اللغز
إن الغرب المنافق يريد التركيز على صورة عمران، لأكثر من سبب لكنها جميعاً أسباب غير أخلاقية.. فالإيحاء النفسي الذي سيبقى من الصورة-على بشاعتها- أن الطفل بقي حياً، وفي هذا تنفيس وتخفيف مهم!!
وهذا التركيز يرمي إلى التأثير في المتلقي لكي يخدع نفسه ويشعر أن هذا هو الضحية الوحيدة لسفاح الشام.. كما إن تجهيل الفاعل مهم جداً للغرب، الذي كان عادة يلاحق روسيا لفضحها!! لكنها اليوم في حدقات عيونه!! يحاول حماية صورتها القبيحة..
ختاماً: لست في حاجة إلى التذكير بأن عدد الأطفال الذين قتلهم المجرم الخائن بشار حتى اليوم يتجاوز 15 ألف طفل، وعدد الذين يعتقلهم هذا الوحش أكثر من 13 ألف طفل!! وهذه هي الأرقام الدولية والحقوقية الدنيا!!