القلق الغربي من تركيا
7 ذو القعدة 1437
خالد مصطفى

فجر الانقلاب الفاشل الأخير في تركيا والذي قام به جماعة من الجنرالات المعروفين بعلاقتهم القوية بالغرب, عن حقيقة هامة وهي أن الغرب لا يشعر بالاطمئنان تجاه تركيا رغم وجود أنقرة في حلف شمال الأطلسي والعلاقات الوطيدة بين الجانبين في مجالات اقتصادية وسياسية عديدة...

 

قد يبدو للبعض أن سبب هذا هو توجهات حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ أكثر من 13 عاما ولكن الحقيقة أن هذا القلق قديم وإن كان زاد بشدة مع مجيء حزب العدالة للحكم...الغرب دائما ينظر لتركيا حتى وهي في أوج علمانيتها ودكتاتوريتهاعلى أنها دولة إسلامية كبيرة ومؤثرة وأن دورها الإسلامي تجاه محيطها قد يخفت ولكنه لن يتلاشى وأن المستقبل قد يحمل في طياته مفاجآت على صعيد تنامي هذا الدور مما سيربك الحسابات الغربية..الغرب يعلم جيدا أن الإسلام دين حيوي ونشط قد يضمر في وعي معتنقيه لبعض الوقت لكنه ما يلبث أن يستيقظ ويبعث الحياة داخلهم ويطلق عنان مشاعرهم تجاه واجباتهم الدينية والدينوية ..

 

كذلك يعلم الغرب جيدا الدور التاريخي الكبير لتركيا في الحضارة الإسلامية وفي نشر الإسلام وفي الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى أعماق أوروبا ويدرك الغرب تماما أن هذا الدور يعيش في وجدان الأتراك بل في وجدان المسلمين في العالم أجمع وأن هذا الدور وإن اختفى بعد وصول أتاتورك للحكم وإلغائه الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى إلا أنه يعد مثالا يحتذى به لشباب كثر في تركيا يريدون إعادة إحيائه بطريقة أو بأخرى, وهو ما جعل الغرب يقف بقوة في وجه حركة أربكان التي لم تتمكن من مواجهة ألاعيبه....

 

دائما وحتى قبل وصول حزب العدالة للحكم كانت تصريحات المسؤولين الغربيين سلبية تجاه السماح لتركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي وأعلنوها أكثر من مرة صريحة بأن تركيا مسلمة وأن أوروبا "نادي مسيحي" رغم ما يروجون له حول العلمانية وتنحية الدين عن السياسة والتحذير من العنصرية والطائفية وغير هذا من الشعارات التي يرددونها بألسنتهم فقط لتحقيق مصالحهم من خلالها....

 

القلق الغربي من تركيا هو فرع من قلقه من الإسلام بشكل عام والمسلمين وإمكانية عودتهم كقوة اقتصادية وعسكرية كبيرة تؤثر في مجريات الأحداث العالمية؛ فالغرب قد يرضى بوجود صين قوية أو روسيا على ما بينهما من خلافات لكن عندما يأتي الأمر للمسلمين تكون الوقفة واضحة والمعارضة ثابتة لأن الأسس الحضارية والمنطلقات الثقافية والأخلاقية تختلف والنظرة للمبادئ والقيم الحياتية تفترق...

 

الغرب لا ينسى عصور الظلمات عندما كان المسلمون يعيشون في نور العلم والحضارة بينما تغرق أوروبا في بحور الجهل والخرافة ولا ينسى أيضا كيف فعل بالمسلمين عندما استولى على الأندلس وغيرها من المدن الأوروبية وكيف انتقم من المسلمين الذين نشروا العلم والثقافة في ربوع أوروبا فكان جزاؤهم القتل والطرد وهدم مساجدهم أو تحويلها لكنائس...

 

كما لا ينسى الحروب الصليبية وما فعلته في العالم الإسلامي من ذبح وتشريد وتدمير باسم الدين والكنيسة؛ لذا فهو يخاف من انتقام المسلمين ولو بعد حين ويسعى بكل ما أوتي من قوة لإبقائهم ضعفاء ومنتظرين للمساعدات إن لم تكن مالية فهي عسكرية ويرفض وبقوة وجود قوة اقتصادية عسكرية تحمل هوية إسلامية دون أن يكبلها بالعراقيل والمؤامرات والانقلابات والحديث الأجوف عن "حقوق الإنسان والديمقراطية"...

 

التهديد الذي أطلقه وزير الخارجية التركي لأوروبا مؤخرا بشأن إمكانية خسارتها لها تماما كان واضحا في معناه حيث أصبح اللعب على المكشوف بين الطرفين بعد وقت طويل من إخفاء الرأس في الرمال.