من المضحك المبكي أن تقوم الأمم المتحدة التي لا تصدر قراراً إلا بما يتوافق مع نوايا ورغبات الولايات المتحدة، بإدراج اسم التحالف العربي في اليمن على القائمة السوداء بشأن حقوق الأطفال!!
وإن من العبث أن يبدأ المرء بتعداد ضحايا الهجمات والحروب الأمريكية من الأطفال في طول العالم الإسلامي وعرضه، وللمفارقة فإن معظم هؤلاء الضحايا ليسوا من أطفال الحوثيين الذين يرفعون شعار الموت لأمريكا، حتى تهب المنظمة الأممية لنجدتهم لو كان هناك ضحايا فعلاً. ولكن سنأخذ حالة إنسانية واحدة تلقي الضوء على السياسة الأمريكية التي لا تلقي بالاً لأي معايير أخلاقية أو مبادئ إنسانية ولا تلتزم الخطوط الحمراء التي تضعها بنفسها ولو أدى الأمر إلى إبادة مستقبل البشر!
وأشير هنا إلى مرض شلل الأطفال، الذي أضحى مرضاً من الماضي في معظم دول العالم، حيث أعلنت نيجيريا في العام الماضي عن خلوّها من مرض شلل الأطفال،بعد أن كانت واحدة من ثلاث دول ما زالت تحتضن هذا المرض الوبائي سابقاً .
لكن المرض ما زال يفتك في أطفال بلدين مسلمَيْن هما أفغانستان وباكستان.
يتركز انتشار المرض في مناطق القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية ومناطق بلوشستان الباكستانية. فقد سجلت باكستان 54 حالة من الإصابات بشلل الأطفال عام 2015 في انخفاض نسبته 82 % عن العام الذي سبقه، وسجلت في العام الحالي 11 حالة فقط حتى الآن. و يرجع هذا الانخفاض الكبير في الحالات المسجلة أساساً إلى الإسهام السعودي في إطار برنامج منظمة الصحة العالمية ، والذي تجاوز 100 ألف دولار أمريكي في أول مرة، لشراء اللقاحات ودفع رواتب العاملين في البرنامج، كما تعتزم الرياض هذا العام تقديم مبالغ أخرى للقضاء على المرض نهائياً لأن بقاء حالة واحدة من شلل الأطفال يعني أن العدوى قد تصيب 200 ألف طفل في أنحاء العالم في زمن لا يتجاوز عشر سنوات.
ورغم ذلك كله لا يزال الناس يستيقظون دائماً على أخبار استهداف طواقم التطعيم المجاني ضد شلل الأطفال في أنحاء البلاد. مع أن كل الذين يعملون في هذه الطواقم هم من المتطوعين الذين يعرفون أن الموت يترصدهم عند كل منعطف مع أنهم يقومون بعمل إنساني بحت، فمن ذا الذي يترصد هؤلاء المتطوعين ليغتالهم بدم بارد؟
إنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA !!
لم يكن عند هذه الوكالة التي تدار من رأس الهرم في أمريكا أي مانع من استخدام برنامج إنساني نبيل مثل هذا البرنامج، لأهدافها التجسسية حتى تكشف بعد صباح 2 مايو / أيار 2011م، أن العثور على مخبأ زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قد تم عبر استغلال السي آي إيه لطواقم التطعيم ضد شلل الأطفال للحصول على عينات من الحمض النووي لأطفال زعيم تنظيم القاعدة، للوصول إلى مخبئه،وتم ذلك بالتعاون مع مدير البرنامج في تلك المنطقة الدكتور شكيل أفريدي، الذي يقضي حالياً عقوبة بالسجن مدتها 33 عاماً في باكستان، بسبب دوره المشبوه في استغلال برنامج إنساني لأهداف سياسية و تعريض حياة ملايين الأطفال للخطر، وقد عرضت الولايات المتحدة على باكستان عدة صفقات لإطلاق سراحه !!
لم يعد سكان مناطق القبائل يرتاحون لطواقم التطعيم هذه وصاروا ينظرون إليها باعتبارها شبكات جواسيس وعملاء، وهو ما أودى بحياة المئات منهم عبر الاستهداف المباشر مع أن معظمهم أضحى من النساء وأصبح الخروج في مهمة لتطعيم الأطفال ضد الشلل في تلك المناطق التي لا يزال المرض ينتشر فيها، بمثابة عمل انتحاري.
لم يتوقف الدور الأمريكي في المساعدة على انتشار المرض عند هذا الحد، بل تلعب الطائرات الأمريكية بدون طيار ) DROON ) دوراً رئيسياً في تهجير أهالي تلك الأقاليم الحدودية، حيث ينتقل الآباء مع أبنائهم الذين يحملون الفيروس إلى المدن الكبيرة مثل كراتشي، حيث يقيم أٌقاربهم وحيث يجدون الرعاية الصحية المطلوبة. وما زاد الأمر تعقيداً أن التوصل إلى الأماكن التي ينتشر فيها الفيروس لا يمكن أن يتم عبر أخذ عينات مباشرة من الأطفال بسبب الخطورة المذكورة ، بل يتم تحليل عينات من مياه أحواض الصرف الصحي في المناطق المختلفة، وقد عثرت الطواقم الطبية على منطقة ينتشر فيها الفيروس في كراتشي وبعد التحقق تبين أن أهل المنطقة كلهم من النازحين من مناطق وزيرستان القبلية ومن المتأثرين بهجمات الطائرات بدون طيار!! كما أن سفر طفل مصاب إلى دولة جديدة يعني دخول المرض إلى تلك الدولة. ورغم المعايير الكثيرة التي اتخدتها الحكومة من التلقيح عند الولادة وعلى بوابات المطارات فإنها لم تفلح في القضاء على المرض في المجتمعات المحلية إلا بالاستعانة بعلماء ومرشدين محليين و من المملكة العربية السعودية لإقناع الأهالي في تلك المناطق التي يغلب عليها طابع التدين بالضرورة والواجب الديني والإنساني لوقاية الأطفال ضد الشلل.
ولكن البرامج الأمريكية المشبوهة التي تستهدف هذه المناطق لا تنتهي وتزيد الأمر تعقيداً في كل مرة ومنها برنامج تحديد النسل لمنع "الانفجار السكاني" حسبما يزعمون، والذي يأتي عبر تبرعات سخية للحكومات المحلية لتعقيم الأمهات بعد ولادة طفل أو اثنين وتوزيع موانع الحمل وهذا ما يزيد مخاوف الأهالي في المناطق التي ينتشر فيها الشلل من احتواء تطعيمات شلل الأطفال على عقاقير لمنع الحمل.
هذه حالة واحدة من الحالات التي هددت فيها السياسات الأمريكية مستقبل الطفولة في أنحاء العالم وما لعبته المملكة من دور بالغ في تخفيف تلك الآثار. والأمثلة أٌكثر من أن تحصى ..
أفلا يستحق هذا الأمر "قلق" بان كيمون أيضاً؟