المراد من تسميم الوضع الأمني بتركيا
11 رمضان 1437
أمير سعيد

من الطبيعي أن الخط البياني لمعدلات الهجمات الإرهابية في تركيا، والتي تطال أهدافاً مدنية وعسكرية يتردد صعوداً وهبوطاً ارتباطاً بعدة عوامل قد تكون محلية أو إقليمية أو دولية، لكن تبقى هذه العوامل محل نظر في ترجيح إحداها عن الأخرى أو الجمع بينها.

 

 

علينا أن نقر ابتداءً أن ثمة فترات تكاد تكون قد خلت في الشهور الماضية من عمليات إرهابية، وهي بهذا يصعب تصنيفها كعمل الإرهابي منبت عن التأثيرات الخارجية، وعلينا أن نقر أيضاً أنها رأت في الاستحقاقات الانتخابية والمحطات المصائرية الداخلية التركية "محفزا" على رفع وتيرتها، لكن من دون أن يكون ذلك هو المؤثر الأوحد أو الحافز الوحيد لتحريك بيادق الإرهاب في تركيا.

 

 

بصورة أوضح، ثمة مذاهب يلتجئ إليها الناس تفسيراً لكل هجوم إرهابي يحصل في تركيا؛ فقد يرى البعض أن مثل هذه العمليات ليست إلا تعبيراً عن غضب من فصائل كردية أبرزها حزب العمال الكردستاني إزاء سياسة تركيا في سوريا من جانب، ومن جانب آخر لنجاح حكومات العدالة والتنمية المتتالية في إبعاد الحاضنة الكردية عن هذا الحزب الإرهابي بعد تفويت الفرصة عليه في الاقتيات على مظالم تركيا للأكراد وقعت فيها حكومات سابقة.

 

 

أو يربط البعض بين الإرهاب في تركيا والحلف الأمريكي مع بعض الفصائل الكردية كـ"سوريا الديمقراطية"، وهي الميليشيا العسكرية الإرهابية المنوط بها إقامة حزام كردي على الحدود السورية/التركية تمهيداً لعزل تركيا عن سوريا، وربما إقامة دولة كردية موالية للكيان الصهيوني والغرب.

 

 

أو يعزو البعض تصاعد الإرهاب مؤخراً في تركيا إلى الخبرة السورية في الضغط على الخصوم عبر تسميم الأوضاع الأمنية في بلدانهم، لاسيما خبرتها الطويلة في مجازر لبنان وسياراتها المفخخة على مدى عقود خلت. ويربط هؤلاء بين النجاحات الجزئية التي تتحقق في الشمال السوري، والرد الفوري من نظام بشار الأسد الذي يعتبر معركة حلب بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت.

 

 

أو يربط آخرون الإرهاب في تركيا، بعوامل داخلية تتناغم مع جهود المعارضة العلمانية والكيان الموازي في تقويض أسس نظام العدالة والتنمية، متزامنة مع محطات سياسية مفصلية، وهي التي برزت مع الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي فيمكن ربط الموجة الحالية من عمليات الإرهاب المستهدفة مدنيين وعسكريين، المحطة القادمة المتعلقة إما بتغيير الدستور كلياً أو تغيير ما يتعلق منه بوضع رئيس الجمهورية وصلاحياته، وتحويل النظام التركي إلى نظام رئاسي.

 

 

لكن مهما كانت توقعات المحللين حول تصاعد الإرهاب في تركيا؛ فإنه لا يمكن فصل بعض احتمالاته بعضها عن بعض، بمعنى، أن كل الغاضبين من قوة تركيا، ونجاحها الاقتصادي والإقليمي، وحفاظها على نظامها الديمقراطي، والأسلمة الواضحة في قطاعات مجتمعاتها، والتي تقف وراءها حكومة العدالة والتنمية.

 

 

فعلى سبيل المثال، لا يمكن فصل التصعيد الذي باشرته ألمانيا بشأن أحداث الأرمن قبل مائة عام ونيف، في برلمانها عن الغضب الأوروبي الذي يعتري العواصم الرئيسة في القارة العجوز حيال استقرار النظام التركي الذي بات يمثل هاجساً كبيراً لتلك العواصم، والتي لا تراه إلا من منظور الإحياء العثماني، ذاك الذي قاومت أوروبا دولته بأكثر من مائة خطة وحملة عسكرية خلال القرون الستة التي عمرتها الدولة العثمانية.

 

 

وعلى سبيل المثال أيضاً، لا يمكن فصل الإرهاب المتصاعد في تركيا عن تمركز العديد من خبراء الاستخبارات الأمريكية والروسية والأوربية في الشمال السوري، وتوغل بعض عناصرها في الشرق التركي ذاته.

 

 

نحن إذن، ما بين احتمالين، أحدهما أن الإرهاب في تركيا هو نتاج عمل تشاركي لعدة جهات، أو هو فردي لكن ترضى عنه جهات عديدة.. إنه الهدف المشترك الذي يسعى إليه الجميع، وهو ألا تبقى تركيا "فتية"، وأن يسقط نظامها قبل أن ينهي إنجاز حلمه في العام 2023، وهو أن تصبح تركيا دولة "عثمانية" كبرى.

 

 

 

وتصاعد الإرهاب هذا، هو مرتبط بالتأكيد بنجاحها الداخلي، ونفوذها في الإقليم، وهي يُترجم سياسياً على أنه ملتصق بدور تركيا المفترض، هذا الذي تريده، وذاك الذي تسعى الدول المحيطة والكبرى إلى تقويضه، وهذا علاقته هامشية بظرفية سياسية طارئة. إنه يتعلق بالأيديولوجيا، ويتعلق بالخرائط الاستراتيجية طويلة الأمد.. يتعلق بالأصل بالإسلام ذاته وفكرة نهضته.. أما الباقي فتفاصيل.