إنهم يكرهون القرآن
17 رجب 1437
أمير سعيد

القصة قصيرة: تبدأ من إصدار وزير التربية التونسي ناجي جلول قرارا بفتح المدارس خلال العطلات الصيفية لاحتضان أنشطة ثقافية ورياضية وفكرية ومن بينها حفظ القرآن، بعد أن تم التضييق على جمعيات تحفيظ القرآن والتلكؤ في منحها تراخيص، والمساجد للحد من تحفيظ القرآن في تونس، وتنتهي مع ردات أفعال النخبة العلمانية المتسلطة على الثقافة التونسية وهياجها بغرض منع تنفيذ هذا القرار..

 

 

 

 

لكن القصة في حقيقتها طويلة جداً، فحين تراجع تصريح الوزير التونسي جلول الذي "برر" فيها قراره بقوله: "تونس دولة عربية ومسلمة كما جاء في الدستور الذي يجب تطبيقه، والذي أنهى الجدال الدائر حول الهوية التونسية"، ثم تعاين تصريحات الطغمة الثقافة المتنفذة في تونس، وتأخذ مثالاً لها عبارات أستاذة الحضارة الإسلامية، نائلة السليني تخرج بنتيجة صادمة عن مدى ضيق صدور هذه الطغمة بقرآن ربنا و"كفاحهم" من أجل ألا يصير دستوراً وهادياً لأبناء المسلمين وأجيال تونس القادمة.

 

 

 

 

وحين ترصد قوة الآلة الإعلامية المساندة لهذه الطغمة، وقلة حيلة المستمسكين بنور قرآنهم وتحركهم من خلال وسم على موقع تويتر وآخر على موقع فيس بوك، يتبين لك جانباً مهماً من حقيقة هذه القصة وطولها الزمني والتاريخي الممتد.

 

 

 

 

وفي تفاصيل ما قالته السليني عبر صفحتها على الفيس بوك، ثم استضيفت بأكثر من وسيلة إعلامية لتبث دعايتها الرخيصة ضد تحفيظ القرآن: "هل سيصنفون القرآن إلى آيات عنف وآيات سلم؟ هل سيسعون، وهم يعتقدون أنّهم يقاومون الإرهاب، إلى حذف الآيات الداعية إلى القتل، وعددها يتجاوز المئات؟ (..) وعندما يسأل أبناؤنا، على سبيل المثال، عن معنى «واقتلوهم حيث ثقفتموهم»، أو عن الآية «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ…» (..) عندما يواجَه المجتمع بمثل هذه الاستشهادات من طرف أطفال عقولهم غضّة بماذا سنجيبهم؟ بأنّها آيات منسوخة؟ ونزيد الطين بلّة، ونغرقهم في مشاكل ما أنزل الله بها من سلطان؟"، وتكرر في قناة الحوار التونسي "هل سيتم تدريسهم بعض الآيات الأخرى مثل «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»؟"، وعن المرأة تتساءل: هل سندرسهم «واضربوهن» ؟".. إلى آخر إساءاتها وزملائها الكارهين لتدريس كتاب الله في المدارس من بعد المساجد..

 

 

 

 

 

القصة لم تبدأ مع قرار الوزير، ولا مع "الثورة" ولا مع "الثورة المضادة"، ولا مع كل هذا.. بدأت قبل أكثر من مائتي عام، حينما اتخذت أوروبا قرارها بغزو الإسلام عبر منتسبيه، وتغريب أهله عن دينهم؛ فما نراه اليوم ليس نتاج عمل عام أو عامين، وإنما عقود طويلة، قيل في أولها لابد من تطعيم مدارسنا الدينية بشيء من علوم الدنيا، وهذا بحد ذاته جيد، ثم شرعوا في ترجيح كفة هذه العلوم والاهتمام بأهلها وتحقير علماء الدين، ثم عمدوا إلى حشر الدين في المساجد وحدها، ثم ضاقوا ذرعاً بالمساجد.. قالوا في البداية لنقتصر على الكتاب والسنة واطرحوا ما قاله علماء أمتنا بدعوى أنهم رجال ونحن رجال، ثم تجديد الاجتهاد عبر متغربين، ثم شككوا في السنة النبوية كلها بأطروحات علمية هزيلة، ثم فصلوا القرآن عن معانيه وحالوا بين المسلمين وتدبره في دروس ومناهج عامة للشعوب، ثم هم من بعد تجريد القرآن من أن يكون في بلادنا منهج حياة ومرشد طريق انتفضوا اليوم ليحولوا بين الأطفال ومجرد تلاوته أو حفظه بدعوى أنهم لن يفهموا معانيه!

 

 

 

 

 

بربكم الذي تعبدونه على حرف أيها العلمانيون، حلوا لنا هذه الأحجية: كيف يدرس أبناء المسلمين القرآن؟
-    هل يدرسونه بلا معانٍ فيسهل استقطابهم داعشياً مثلما تزعمون؟
-    أم هل يدرسونه بتفسيره عبر شيوخ ومدرسين رسميين الذين أيضاً لا تضمنون "استنارتهم"؟
-    أم هل تدرسونه لهم بما "أفيء عليكم من وافر علم التنوير".. لكنكم مشغولون؟

 

 

 

 

إننا لو رضينا – جدلاً – أن نسلم أولادنا لـ"تنويريين" لم يدرسوا القرآن أبداً من هذه النخبة الظالمة المتسلطة على سائر بلداننا الإسلامية تقريباً، فلن يرضوا هم أنفسهم بهذا، والواقع يشهد؛ فخلال تلك العقود لم يخف أبداً "تنويري" مزعوم لتدريس كتاب الله ولو بمنهج منحرف، لذا فإن الاستنتاج الذي يتعين الخلوص إليه هو رغبة هؤلاء في ألا يتم تدريس كتاب الله أبداً، لا بتفسير ولا بدون، ولا عبر موظفين رسميين، ولا "مثقفين تنويريين"..

 

 

 

 

الحل لديهم إن أردنا ألا يكون لدينا "داعشي" واحد، هو أن ننحي القرآن جانباً تلاوة وحفظاً بعد أن نحته معظم دول المسلمين عن الحكم والإرشاد، ولا يقبل في هذا الخصوص التذرع بأن الدواعش في الحقيقة لم يخرجوا من بيئات تدرس القرآن بل تبعده كدول أوروبا وتونس إبان حكم بن علي ومن قبله بورقيبة.. فخلاصة ما يرنون إليه هو ألا يسمعوا طفلاً يتلوا آية من كتاب الله.. هذا أمر يزعجهم أيما إزعاج، ولن نحار طويلاً في تفسير هذا، فالمسألة واضحة بلا أدنى مماحلات.. إنهم يكرهون القرآن.