مصير الأسد في حال نجحت مؤامرة التقسيم الأميركية
5 جمادى الثانية 1437
دـ أحمد موفق زيدان

أكثر من يُروج لمؤامرة التقسيم والفيدرالية هذه الأيام هي الولايات المتحدة الأميركية التي ستتحمل تاريخياً وزر دمار سوريا وقتل أكثر من مليون سوري وتشريد أكثر من 12 مليون شخص، حين تحدّت العالم كله بفرضها فيتو على تزويد ثوار سوريا بأسلحة متطورة وتحديداً الصواريخ الحرارية المضادة للطائرات، لوقف الآلة الروسية والإيرانية والطائفية المجرمة عن تدمير سوريا، بينما على الجانب الآخر وافقت بكامل الرضا على أن تستبيح الطائرات الروسية الغازية المعتدية الشام قتلاً وتدميراً وسحلاً وتشريداً..

 

بداية لا أظن أن مؤامرة التقسيم ستنجح ولا زلت أعتقد جازماً أنه على امتداد أربعة آلاف عام ماضية لم يحتضن شاطئ البحر الأبيض المتوسط دويلة، وقد كان قادة الطائفة العلوية التاريخيين أذكى من أن يوافقوا على كانتون طائفي علوي جبلي، يوم طرحها المحتل الفرنسي، ودولة صغيرة بحجم سوريا لا تتعدى مساحتها الـ 185 ألف كم2 لا يمكن أن تشكل كياناً فيدرالياً لأن صغره الجغرافي يعني بشكل مباشر التقسيم بكل معنى الكلمة..

 

التقسيم بالنسبة لطاغية الشام ولعائلة الأسد باختصار يعني أنه لن يحكم الدويلة الطائفية العلوية والأخيرة التي قدمت أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل في صفوفها على مذبح بقاء أسد في السلطة بشعار وحدة سوريا وضمان حكمهم لها، وفي حال التقسيم سيجدون أنفسهم معزولين في كانتون لوحدهم وسيقولون يومها أن ذلك كان يمكن تحقيقه دون هذه الدماء أولاً ودون إرث الدم الرهيب الذي ورّثوه وسيورثونه للأجيال المقبلة من أجل بقاء الأسد في السلطة ليتبين لاحقاً أن بقاءه كان وهماً..

 

إذن حينها الحل هو بتمرد الطائفة العلوية على عائلة الأسد ودفعها بحكام جدد لهذه الدويلة، وهو أمر صعب للغاية لمن يفقه سيرورات التاريخ وصيروراتها، فالعائلات بحاجة لأجيال حتى يُكتب لها القبول وسط فضائها الاجتماعي الصغير فكيف بسلالات حاكمة جدد ليس لها شيء يذكر من البيروقراطية ولا من السياسة والعلاقات الدولية التي استأثرت بها عائلة الأسد لعقود، كيف لها أن تنجح وتشق طريقها في بيئة إقليمية معادية لها إن كان من وسطها السني أو من وسطها التركي أو من حاضنتها العربية بشكل عام..

 

هنا لا بد أن نشير إلى أن تجارب المجتمع الدولي بإنشاء الدول وزراعتها وفرضها في السنوات الأخيرة تميزت بالفشل والإحباط ولنستذكر دويلته آتشيه بأندونيسيا المزروعة والتي عجز المجتمع الدولي القميء على أن يجعل أحداً يحفظ اسم رئيسها فضلاً عن أن يفرض بصمة لهذه الدولة المغيبة، لننتقل إلى الدويلة المزروعة الأخرى وهي دولة جنوب السودان فالوضع أسوأ إذ إن الاقتتال الداخلي في صفوفها يهددها الآن على الرغم من انشقاقها عن السودان..

 

العالم على مدى أكثر من نصف قرن لم يتحمل وجود دولة مزروعة اسمها إسرائيل، فكانت الأكلاف عالية جداً إن كان على مستوى الكُلف المالية والعسكرية والسياسية والعلاقات بين الدول والشعوب أو على مستوى كلفات الحماية الدولية والحرج الدولي الأخلاقي بسنّ قوانين ومنع قوانين في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، بشكل بلطجي، فهل يقدر العالم كله على فرض إسرائيليات جديدة وتقديم كل هذه الكلفات، أشك كثيراً.

 

وعليه فأعتقد أن كل ما يطرح اليوم من فدرلة وكونفيدرلة وتقسيم ما هو إلا مشاريع فزّاعة من أجل إرعاب المفاوض السوري، وتخويف الشعب السوري الذي انتفض على النظام الاستبدادي الشمولي الديكتاتوري الداخلي والخارجي.

 

العالم وصاحبة مشروع التقسيم أميركا فيما إذا مضوا به وفرضوه على الشعب السوري سيكون حماقة وخرقاً لا يعادلها خرق، وسيدفع العالم كله ثمناً باهظاً لا يقل عن الثمن الذي دفعه ويدفعه وسيدفعه من زراعة الكيان الصهيوني قبل عقود، وإلا فإن عليهم أن يتخلوا عن هذه الكانتونات الكردية والعلوية والدرزية التي يطرحونها، وعلى أهل هذه الكانتونات أن تعي حقيقة واحدة كما وعاها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وهي أن الضامن الوحيد لبقائها سلمياً على مدى التاريخ الماضي في المنطقة ليس الحماية الأجنبية وإنما حماية حاضنتها الإقليمية وحرص الأمة المسلمة عليهم.

 

إن كانت موازين الإقليم ليست في صالح سنة المنطقة والمجتمع العربي وتركيا فهذا ربما من المتغيرات التي ستتغير في أي لحظة، بينما الثابت الوحيد هو أن هذه الأقليات لا يمكن أن تعيش في كوكب آخر بالانشقاق عن محيطها السني، لترتهن لأجنبي سيتحرك وفق مصلحته لا مصلحتها، وهذه المصلحة قد تكون اليوم معها وقد تكون غداً ضدها، وتقلّب المجتمع الدولي بالعلاقة مع الأكراد خير دليل..