سراب "المال الطاهر" في لبنان
14 جمادى الأول 1437
أمير سعيد

"ما يهدم وما يدمر بعون الله سبحانه وتعالى وبالتعاون مع الدولة اللبنانية، ولكن نحن ايضا كجهة معنية، عازمون علي ان نكون جديين في اعادة بناء ما تهدم. وانا اقول لكم من دون ان ادخل في التفاصيل ان لدينا اصدقاء جديين ايضا في هذا المجال لديهم قدرة كبيرة جدا على مساعدتنا بمال طاهر نقي شريف بلا شروط سياسية.

 

 

لا قلق على اعادة اعمار بلدنا، المهم ان نصمد الآن وان نخرج من هذه المعركة منتصرين"، هكذا خاطب حسن نصر الله أتباعه في كلمة على شاشة المنار بثت في 16 يوليو 2006 في أعقاب الحرب التي فجرها "حزب الله" مع الكيان الصهيوني وانتهت إلى دمار كبير في لبنان ووقوع خسائر بشرية كبيرة حينها.

 

  

"المال الطاهر النقي الشريف" الذي كان يتحدث عنه نصر الله، ويقصد به تمويل ميليشياته وأهم الأذرع العسكرية والأمنية في لبنان، عن طريق إيران، قد أمسى مع القرار السعودي بوقف الدعم العسكري والأمني للبنان هو المصدر الوحيد لتمويل الجيش والقوى الأمنية اللبنانية التي يعتقد على نطاق واسع أنها قد باتت خاضعة تماماً لتوجيهات الحرس الثوري الإيراني الذين يقبع بعض أهم مستشاريهم العسكريين والاستخباريين في السفارة الإيرانية الحصينة في بيروت.

 

   

وفي هذا التوقيت، لم يعد مكان لحسابات دبلوماسية مرنة ناعمة، ولا لتقديرات جزافية، فالمعركة غدت واضحة، ولم يعد بالإمكان خلط الأوراق في ظرف يتحتم فيه على الإيرانيين أن يحملوا عبء جرائمهم واستحقاقاتها في المنطقة، وعلى السعوديين والخليجيين عموماً من خلفهم أن يصطفوا في صفوف مواجهة.

  

  

ثلاثة مليارات دولار تنقص من رصيد المتسلطين على لبنان، تزيد على الفور من رصيد السياسة السعودية في المنطقة، وتعيد الحسابات إلى وضعها الصحيح، حيث لم تعد ثمة جدوى مطلقاً من تشجيع النظام اللبناني على الاعتدال، وعلى التموضع في الصف الإسلامي والعربي، حين يصير القرار اللبناني مختطفاً، ويستحيل ترشيده عبر الدعم المادي وحده.

 

  

 

المتنفذون في لبنان لا يعتبرون المال السعودي الداعم لجيشهم وأجهزتهم الأمنية "طاهراً ونقياً وشريفاً"؛ وعليه يتعين على السعوديين ألا ينفقونه من أجل نظام يتميز منه غيظاً ويحنق على دولتهم كلما منحت أو منعت.

 

  

 

هي نقطة تحسب للسياسة السعودية، سواء أجاءت في وقتها أم تأخرت عنه، وهي إذ ذاك تعد خطوة واحدة يتوجب أن تتبعها خطوات من شأن مجموعها أن يقوض النظام اللبناني الذي يتحالف بكل وضوح الآن مع أعداء الأمتين الإسلامية والعربية: روسيا وأنظمة إيران والعراق وسوريا ضد مصالح المسلمين والعرب في قلبهم.

 

  

 

لا حاجة لاستثمارات خليجية أو سياحة أو امتيازات في هذه الدولة المارقة التي تحالفت كلياً مع محور الشر الصهيوصفوي صليبي، خصوصاً أن هذا الدعم يصب من حيث لا يريد الداعمون في خزائن من يترصدون بالأمة الدوائر.

 

  

 

خطوة بالطبع صحيحة، لكن لن يبين أثرها إلا إذا أعقبتها خطوات مؤثرة، وإلا إذا ما تحول هذا المال والاستثمارات ووجهات السائحين لمظانها الإيجابية النافعة للأمة الإسلامية، لاسيما حين يقرأ أي مراقب المشهد في المنطقة فلا يغيب عنه رؤية غيوم الحروب والصراعات المرشحة للتصاعد.

 

  

 

توفير هذا الإنفاق وتوجيهه لاتجاه أنفع، يزيد النفع ويقلل الضرر الناجم عنه في لبنان، ويزيد من عبء الإيرانيين والروس، ويلجئهم إلى مزيد من الإرهاق لموازناتهم واقتصاداتهم، وهو بالإضافة إلى هذا يتكامل مع خطوات جيدة تقوم بها تركيا وبعض دول الخليج من أجل تحريك أوراق شديدة الإزعاج لمحور الشر، كمثل التحرك الإيجابي في شرق وجنوب أوكرانيا (الدونباس والقرم) والقوقاز وبحر قزوين، وتعزيز العلاقات مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان وجورجيا، وهذا يجعل وطأة الضغط الذي يقوم به المحور المناصر للثورتين السورية واليمنية أكبر فعالية في ظل أوضاع عسكرية تبدو شديدة الحروجة والتعقيد في وقت تحتاج فيه كلتيهما للدعم المباشر الناجز.

 

  

 

لقد وضعت الأمور في نصابها الصحيح؛ فحيث يخضع لبنان كلياً لـ"حزب الله" ويلتزم الأخير بما يقول إنه "تكليف شرعي"، يحدده حسن نصر الله بالقول: "نحن مسؤولون إلى القائد الروحي الّذي كان في الماضي آية الله الخميني واليوم آية الله على الخامنئي ".

 

 

نحن نلتزم بمبدأ الطاعة إلى معلّم الشريعة وقائدنا ، وحيث تمنح "إيران المنظّمة من 70-100 مليون دولار بالسنة، وتجهّزها وتزوّدها بالأسلحة المختلفة عن طريق مطار دمشق. " [أمير سعيد/حرب بلا نصر ط2007 صـ159]، حيث الأمور هكذا؛ فلينفق "صاحب الزمان/خامنئي" من ماله "الطاهر" على أتباعه، وليدع كل مال "فيه شبهة"، ولينفق هو من مال خمسه المنهوب على ميليشياته الدموية، وليحد من غلواء أبواقه في ضاحية بيروت الجنوبية أن تكف عن الرياض شتائمها، إذ لا يعقل أن تتسول الضاحية أموالها من "الوهابيين التكفيريين النواصب أعداء الدين" مثلما يحلو لتلك الأبواق الكاذبة نفثه في عقول سذجها وعبيد الضاحية..