سيفنا لبوتين.. هولاكو لا تكبحه الهدايا
12 جمادى الأول 1437
أمير سعيد

للهدايا بين الملوك والسلاطين والحكام أحوال، ما بين تودد أو مجاملة، أو مصانعة لدفع ضرر، أو افتخار بثروة أو قوة أو صناعة، أو تحقير وإذلال.

 

 

ولقد عرف التاريخ كل هذا، فكان العباسيون والأندلسيون يرسلون هدايا افتخاراً وتوكيداً على تقدمهم وصناعتهم أو ثروتهم، حتى يحفظ كتب التراث ذكراً لهدايا هارون الرشيد أو ملوك الأندلس، ويسجل حوار التحقير عبر الهدايا الذي جرى بين إسماعيل الصفوي حاكم فارس والخليفة العثماني سليم الأول، ويحكي بأسى عن هدايا المستعصم الذي قدمها بين يدي هولاكو قائد المغول، في نكبة بغداد وما سبقها وتلاها؛ فلم تغن عنه وعن المسلمين شيئاً.

 

 

 

يفرق الملوك والسلاطين والقادة عادة بين هدية السلم الودودة، وهدية الحرب المشفرة، وفي كلٍ لا تكتسي الهدايا أهميتها إلا حينما تدخل في معادلة التأثير، فهي لا تصنع سياسة وإنما تدعم موقفاً، ومن دونها تبقى أوراق اللعبة السياسية ترتكز على أمور أخرى بالغة الأهمية، عسكرياً واقتصادياً ونفسياً.. ومن قبل عقدياً.

 

 

 

 

ومع بداية الأسبوع الثاني من شهر فبراير الحالي، ثار الجدل حول هديتين قدمها ملك البحرين، والرئيس الروسي كلاهما للآخر، سيف دمشقي من الفولاذ حاد والمعادن الثمينة مشفوعاً بآمال النصر من الملك لبوتين، وفرس وديع من الرئيس الروسي لضيفه، في لقاء تصادف أنه يوافق ذكرى هدية المستعصم بالله لهولاكو.. للمفارقة؛ فإن تشبيهاً قد قرن به "نشطاء تويتر" بين بوتين وهولاكو بعد أن غدت طلعات سلاح الجو الروسي على منازل ومشافي ومساجد حلب مجرد تطوير عصري لحملة الإبادة التي نفذتها كتائب المغول والأرمن والفرس حينما اجتاحت بغداد ودمرتها في 10 فبراير من العام 1258 م، مختارين هذا الوسم " #بوتين_هولاكو_العصر " للتعبير عن حنقهم ومقتهم لهذا الرئيس الروسي الذي يقود حملة أسمتها كنائسه، "صليبية"، واندفعت مؤيدة لها ضد مسلمي سوريا الثائرين على نظام بشار الطائفي الاستبدادي.

 

 

 

الرمزيات تبدو مزعجة لكثيرين، عبروا عن هذا بأساليب شتى، وكذا التوقيت والمناخ، لكن بعيداً عن هذا – رغم أهميته – ترسم الحادثة علامة استفهام كبيرة بحجم مأساة الشام تتخطى بمراحل مسألة الهدية والتوقيت، وتبريرها أو تفسيرها بما يطيب للمتعاطفين مع الموقف البحريني سَوقه.

 

 

 

 

السؤال بعد أن نتجاوز كل هذا، حتى لو اقتنعنا بما يقال من تفسير: ما هو الموقف الخليجي بالضبط مما تتهيأ له المنطقة وما الذي بات يمثله مجلس التعاون الخليجي في هذه اللحظة الدقيقة؟

 

 

 

نحن الآن إزاء تفسيرين لا ثالث لهما:

 

 

-    إما أن البحرين لم تغرد بعيداً عن سرب التوجه الخليجي الذي تقوده السعودية، وأن تلك الزيارة بكل ما رافقها من رمزيات وهدايا لا تعني أن الملك لم يكن يحمل رسالة واضحة من المجلس لحدود الدور الذي يريده المجلس من روسيا في سوريا، وأن الزيارة برمتها غدت تجسيداً للحمة خليجية تمزج سياستها مع روسيا بالترغيب إلى جوار الترهيب.

 

 

 

-    وإما أن البحرين تقترب من الموقف الكويتي الرافض لتدخل بري سعودي/تركي/قطري في سوريا، وهو الموقف الذي يقترب بدوره من الموقف العماني، ويمثل تبايناً في وجهات النظر داخل دول مجلس التعاون الخليجي.

 

 

 

 

 

هذا التفسير الأخير، إن ثبتت صحته، سيصير الأمر مقلقاً للغاية، لاسيما حين تتزاحم أخبار في الزيارة ذاتها، ومرافقة لها، تتحدث عن مشروع روسي بحريني مشترك أعلن عنه وزير بحراني (وزير الطاقة) "يبشر" بمرفأ بحريني لتوزيع الغاز الروسي المسال على دول الخليج العربي، في الأيام ذاتها التي تعلن فيه قطر عن تصدير جزء من غازها إلى باكستان بما يعبر عن غموض ما في العلاقات البينية الخليجية، ويشي بأن توحد موقفها آخذ بالتراجع.

 

 

 

 

يدرك الساسة الخليجيون صعوبة الموقف الحالي وتأزمه، ويدركون أن فرصتهم في النجاة من هذا المأزق تحتاج إلى أن تظل آخر سيوفهم بأيديهم.