إطلالة الحريري على جمهور 14 آذار لن تحمل جديدا
5 جمادى الأول 1437
أحمد محمود عجاج

سيطل زعيم حزب المستقبل النائب سعد الحريري على جمهور 14 أذار بعد ايام ويلقي كلمة يقال انها سترسم سياسة الحزب تجاه الازمة اللبنانية في ظل التعقيدات الاقليمية والدولية. ويقول كتاب ومراقبون ان الحريري بمبادرته الاخيرة خلط الاوراق في الساحة، وكشف زيف الخصومة بين العونيين والقواتيين، وشغف حزب الله بالفراغ، وانه سيعيد تأكيد مقولة والده:  "ما في حدا اكبر من البلد" وانه سيشدد على اهمية بقاء الدولة.

 

 

 

 

 

لنعترف بأن الحريري منذ وفاة والده ودخوله ملعب السياسة في لبنان لم ينجح في رسم مسار للخروج من الازمة بل اصبح رهينة لها، واصبحت سياساته محكومة بتناقضاتها. هذه التناقضات يمكن تلمسها في تحالفه بعد مقتل والده مع حزب الله وإغضابه الجنرال عون، ولاحقا في تشكيله الحكومة ثم الانقلاب عليه، واخيرا ترشيحه للنائب سليمان فرنجية وإنقلاب حليفه جعجع عليه، وتفضيله التحالف مع عون، وترشيحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية. ورغم ذلك قد نجد  العذر للحريري لأن الازمة اللبنانية ليست مقصورة على العامل الداخلي اللبناني بل لها تمداداتها الاقليمية والدولية، وأنه كغيره من زعماء لبنان لا يمكنه تجاهل رغبات الخارج، ولا الخروج عليها. لكن رغم كل هذه التناقضات، والنكسات، ماذا سيقدم الحريري في خطابه الجديد؟ وهل سيطرح مشروعا متكاملا له امكانية التطبيق، أم انه سيحلل الواقع ويطالب بحلول؟

 

 

 

 

 

بالرجوع الى خطابات الحريري السابقة، وخطابات قادة الرابع عشر من اذار يتبين بوضوح انها تدور حول عبارات، وشعارات، واهداف نبيلة، واتهامات للخصم، لكنها في المحصلة لا تقدم خطة عمل لتنفيذ تلك الشعارات والوعود والتطلعات. فالحريري يؤكد للجمهور، ومعه معظم قادة الرابع عشر من اذار، بأن البلد مخطوف، وان حزب السلاح هو المسيطر عليه، ولكن لا يقول للجمهور كيف سيخلص البلد من حزب السلاح؟ ولماذا يشارك هذا الحزب بالسلطة؟ ولماذا هو عاجز امام تجاوزات هذا الحزب للقانون والاتفاقات المحلية منها والاقليمية؟

 

 

 

 

ثمة تفسيران لهذا العجز احدهما يتعلق بطبيعة الديمقراطية وبالتحديد اللبنانية، وثانيا بإرتباط الداخل اللبناني بقضايا الخارج الاقليمي. إن الديمقراطية بحد ذاتها نظام يفترض أن يعكس رغبات الناس في اختيار قادتهم، وحسب المشاريع التي يقدمونها، ويفترض ايضا وجود مؤسسات تعمل مع بعضها البعض، وكذلك وجود نصوص تمنع تغول هذه المؤسسات على بعضها او على غيرها. وهذا النظام الديمقراطي يفترض ايضا وجود كتل بشرية واعية لعمل هذه المؤسسات، وصحافة متميزة، تراقب العملية الديمقراطية وتصوب انحرافاتها وطبقة وسطى قادرة على لعب دورها المتميز في المجتمع. هذا النظام الديمقراطي رغم وجوده الشكلي إلا انه ليس موجودا في الواقع العملي، وبالتحديد في  النظام اللبناني القائم على تعددية الطوائف. فالديمقراطية في لبنان اصبحت متكلسة، وانتخاباتها متوقعة النتائج سلفا، ومؤسساتها مترهلة، وقادتها بحكم الواقع الطائفي، مجبرون على مسايرة رغبات طوائفهم، واحيانا يغالون في العامل الطائفي لتحسين مواقعهم، على حساب العمل الديمقراطي. وقد برع قادة الديمقراطية بذلك، لكن الحريري من بين هؤلاء اختار ان يكون ديمقراطيا على مثال آخر، وحاول ان يكون عابرا للطوائف، فوجد ان للطوائف حيطان لا يستطيع تجاوزها، لكنه مضى في طريق يحاول فيها ان يصلح ما امكن لكن بالتنازل عن حقوق طائفته، لكن ليجد نفسه في النهاية محل نقد من طائفته التي تلومه على لاطائفيته، وتنتقد سلميته المفرطة، وتهاجمه لنكران حقوقها، وانفعاليته، وقرارته الفوقية التي تتنزل على قاعدته الشعبية التي اصبحت بين نارين: نار التطرف الطائفي في لبنان، ونار التخلي عن زعامته. في هذا المسار الديمقراطي لم يفشل الحريري ديمقراطيا لكنه فشل في حماية الديمقراطية، لأن قوة طائفته ضمانة للديمقراطية وضعفها سيصيبها في مقتل، والناظر للطائفة السنية اليوم يجدها يتيمة تشعر بفقدان القيادة، وتحس بوطأة الفقر الاقتصادي، وتشعر بالضياع والقهر إن لم نقل الذل!

 

 

 

 

في علاقة الداخل اللبناني مع الخارج ينتقد الحريري دوما حزب الله بالتبعية لإيران، وهي تهمة لا ينفيها الحزب بل يفتخر بها، وعلى ضوئها يسير، وبها يهتدي. لكن الحريري هو الاخر يتهمه خصومه بالركون الى الخارج، وبالتحديد الى المملكة، والرغبات الامريكية.

 

 

 

 

 

 

والحريري في ظل هذه الاتهامات يشدد على العلاقة الوثيقة مع المملكة، ويؤكد انها لا تفرض اجندتها بل تدعم لبنان، لكن تشديده هذا لا يرى تصديقا عند الفريق الاخر، ولا عند بعض الشرائح في طائفته. لكن الحريري وحزب الله كلاهما متورط في لعبة الخارج، وكلاهما عاجز عن الخروج منها، لأن ما يحدث في الخارج له اهتزازت قوية في الداخل، ولأن الخارج في تضاد حاد فإن الخلاف في لبنان هو الآخر حاد ولا يقبل المساومات. لكن ما يفرق حزب الله عن الحريري هو ان حزب الله استخدم الحريري والدولة لصالح الخارج وقبل الحريري بهذا الواقع تحت شعار حماية الدولة من السقوط؛ ولهذا فإن حزب الله لم يعبأ بالحريري عندما اسقط حكومته واستطاع ان يوزر نجيب ميقاتي، ولم يعبأ بسقوط حكومة ميقاتي، ورحب بحكومة سلام، بعدما رضخ الحريري، التي هدفها الوحيد تقطيع الوقت، وتغطية خروج حزب الله عن الديمقراطية، وعن منطق الدولة، والسماح للحزب بترسيخ خدمتة الخارج. مقابل ذلك لا يقدم الحريري للخارج الداعم له الخدمات الضرورية لا لأنه لا يريد ذلك بل لأنه غير قادر، ولا يستطيع الحريري بالوقت ذاته استدعاء الخارج لان الخارج يدرك محدودية قوته وضيق خياراته.

 

 

 

 

 

 

في ظل هذا الواقع السياسي الذي يعيشه الحريري وفي ظل الاغتراب عن طائفته، وعن نخبتها المثقفة، سيكرر الحريري في اطلالته عبارات الديمقراطية، والتمثيل، والنظام، وضرورة الدولة وحضورها، والعدالة، وغيرها من العبارات التي اصبحت سلعة ليست بيد فريق واحد بل للجميع يسوقونها في الشارع اللبناني حتى انها لم تعد ذي قيمة، ولا احد يقيم لها وزنا، لأن الجميع يعرف ان قائليها سرقوها وفرغوها من المضمون. ولن يكون الحريري قادرا على تقديم اي جديد لتحسين الديمقراطية في لبنان او تصويب العلاقة مع الخارج، بل ان الجديد الوحيد، ربما سيكون، هو شرحه المسهب للبنانيين، وبالتحديد لطائفته، لماذا اختار سليمان فرنجية ولماذا تخلى عن ترشيح حليفه سمير جعجع. اطلاله الحريري ستكون فرصة للبنانيين لمعاينة الديمقراطية المريضة في لبنان، وفرصة لطائفته لتعرف انه لا يزال يراهن على الدولة الحاضنة للجميع بينما هي في الواقع دولة حزب الله، وقبلها كانت دولة الاغنياء، وزعماء الطوائف.