اردوغان واللاجئون السوريون
25 محرم 1437
د. عبداللطيف عبدالله الوابل

فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة وخرج منتصرا وكثرت التحليلات هنا وهناك عن أسباب الفوز . فتحليل يعيده الى كون الحزب حقق قوة اقتصادية لتركيا وفريق آخر يعيده لكون الحزب يعبر عن الهوية الأصيلة للشعب التركي وفريق ثالث يرى أن سبب الفوز هو ما حصل من تعديلات أقرت داخل حزب العدالة والتنمية إذ صار يسمح لنوابه بالترشح داخل البرلمان للمرة الثالثة . وهناك تحليلات سياسية تذكر أسبابا أخرى .

 

 

 

 

 

 

لكن لعل هؤلاء جميعا نسوا أن أهم  ما ميز أردوغان وحزبه في الفترة الماضية هو وقوفه مع المظلومين و مناصرته لقضاياهم بغض النظر عما اعترى تلك المناصرة من ملاحظات أو ربما كان بعضها على استحياء وأقل من الواجب المطلوب شرعا لا سيما  وأن تركيا دولة كبرى وقوية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا فالمطلوب منها أكثر بكثير .ومع هذا فلعل دعم اردوغان وحزب العدالة والتنمية لقضية اللاجئين السوريين في نظري هو من أهم أسباب فوز اردوغان وحزبه .

 

 

 

 

 

إن الناظر في سنن الله الكونية والشرعية ليستنتج حقيقة مهمة وهي أن كل من ناصر قضية المظلومين بصدق واخلاص ودافع عنهم فإن الله ينصره ويعينه ويسدده عاجلا او اجلا .

 

 

 

اولئك اللاجئون السوريون الذين تآمر على قضيتهم نظام عالمي بأكمله عربه وعجمه حتى أصبحت قضيتهم لعبة في أيدي هؤلاء المستبدين الظالمين ورأينا كما رأى كل مشاهد الالآف منهم يعبرون الحدود طلبا للحماية وهربا من الموت والجوع والعري فكانت تركيا هي الحضن الدافئ للملايين منهم . قدمت لهم ما تستطيع بصورة فيها كرامة واكرام لهؤلاء اللاجئين بعيدا عن القهر والاذلال والاستغلال لقضيتهم .

 

 

 

 

 

من يدري لعل دعوة خرجت من طفل يتيم أو امرأة ثكلى أو شيخ كبير حين استشعروا أن الخيمة التي أظلتهم وأن الحزب الذي أشرف على رعايتهم وقدم لهم العون يتأرجح ما بين مكر الماكرين وكيد الكائدين لإسقاط هذه الخيمة التي آوت اللاجئين وحمتهم من ظلم وبطش سفاح سوريا وأعوانه .

 

 

إن هذه الحادثة ذكرتني بحادثة جعفر الطيار وأصحابه رضي الله عنهم من المسلمين الذين هاجروا من مكة فرارا بدينهم و خوفا من بطش وظلم كفار أهل مكة فأووا الى الحبشة لوجود ملك لا يظلم عنده أحد . فلما استقر بهم المقام خرج على ذلك الملك العادل (النجاشي) خصم له ينازعه على الملك فما كان من هؤلاء القلة من المسلمين المستضعفين إلا أن رفعوا أيديهم داعين ربهم بالنصر والتمكين لذلك الملك العادل فحقق الله لهم ما أرادوا .

 

 

 

 

إن من أهم الدروس التي يمكن أن يستفيدها المسلمون  من انتخابات تركيا الأخيرة :
1-    أن من يقف مع المظلومين ويناصرهم فإن الله ينصره عاجلا أو آجلا

 

 

 

2-    أن الله سبحانه وان ابتلى عباده فإنه ولا بد أن يجعل لهم فرجا ومخرجا وإن ضاقت بهم الديار "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ".

 

 

 

 

3-    استشعار سنة الله في المدافعة "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض..." ولنتصور كيف سيكون حال اللاجئين لو فاز حزب معارض لبقائهم واستمرارهم أو لو تعرضت تركيا لاضطرابات لا يمكن معها الاستقرار .ماذا سيكون حالهم . ولقد أخبرني أقارب لبعض هؤلاء اللاجئين أنه وخلال فترة الخمسة أشهر السابقة لهذه الانتخابات مرت باللاجئين السوريين في تركيا حالة من الخوف والهلع لا يعلم شدتها الا الله .

 

 

 

4-    لا يظن اولئك الظالمون المستبدون الذين اتخذوا قضية هؤلاء المستضعفين لعبة يتقاذفونها بينهم أن الله غافل عما يعملون (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) . بل إن ربك لهم بالمرصاد فلا بد وأن ينتقم الله من كل ظالم باغ مستبد إن عاجلا أو اجلا ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ).

 

 

 

 

5-    أصبحت هذه الأمة المسلمة في حالة من الضعف والتفرق بلغ بها الحال أنها تتعلق بفوز حزب مناصر لقضيتها في دولة واحدة وكأن ذلك الفوز يمثل حبل النجاة مما هي  فيه من ضعف وتشرذم وتسلط للأعداء .لكن الحقيقة أن عودة الأمة لدينها وتعلقها بربها سبحانه وحرصها على جمع الكلمة وتمسكها بحبل الله المتين هو حبل النجاة مما هي فيه من ضعف وذل وهوان . ولتعلم الأمة يقينا أن النصر بيد الله سبحانه وأنه مهما اشتد البلاء وعظم فإن فرج الله ونصره لهذه الأمة قريب إن هي أخذت بأسباب النصر الشرعية والتي من أهمها اجتماع الكلمة ونصرة دين الله (ياأيها الذين ءامنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ).

 

 

 

 

 

6-    دعم قضية اللاجئين السوريين واجب على أمة الإسلام حكاما ومحكومين وخاصة القادرين منهم من حكام وتجار وعلماء فإن الله سيسأل الجميع عما قدموه لهم كل حسب قدرته . كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "(صحيح البخاري ومسلم ) وفي الحديث :"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع بجنبه وهو يعلم " (حسنه الألباني ) وفي المسند وصحيح الحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله ".

 

 

 

 

 

 

إن الواجب وخاصة على حكومات الخليج وتجارها والتي تملك صناديق استثمارية تصل بعضها الى مئات المليارات من  الدولارات أن تقف موقفا صادقا مع هؤلاء اللاجئين فإن من العيب والعار أن نراهم يتساقطون في الأنهار والبحار أو كالأيتام على موائد اللئام من دول الكفر والفساد . إن منظرا واحدا مما تعرضه القنوات الفضائية عن حالة اولئك اللاجئين من المسلمين ليدمي قلب كل مسلم غيور وهو يرى أخواته المسلمات بأطفالهن قد غطت سحائب الحزن والهم وجوههن وهن يستعطفن رجال أمن الحدود في دول اوروبا طلبا للكفالة والرعاية ورغبة في الحصول على حق اللجوء عند هذه الدول .

 

 

 

 

اللهم اجعل لجميع عبادك المستضعفين فرجا قريبا ونصرا عاجلا .