صدمة أردوغان للعالم
22 محرم 1437
خالد مصطفى

حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا انتصارا كبيرا في الانتخابات البكرة التي شهدتها البلاد حيث حصل الحزب على 317 مقعدا، وجاء بعده حزب الشعب الجمهوري بـ 134 مقعدا، ثم حزب الشعوب الديمقراطي بـ 59 مقعدا، فـ حزب الحركة القومية بـ 41 مقعدا...

 

وجاءت النتيجة مفاجئة للعلمانيين داخل وخارج تركيا بل للحكومات الغربية أيضا بعد أن كانت استطلاعات رأي قد أظهرت تراجع شعبية الحزب عن آخر انتخابات جرت قبل 5 أشهر؛ مما يعني أنه سيحصل على أقل من 40 في المائة بينما ما حدث أن الحزب حقق ما يقرب من 50 بالمائة وهي نتيجة تكفل له تشكيل الحكومة منفردا براحة تامة...الانتخابات شهدت مشاركة واسعة تفوقت على الانتخابات الأولى التي لم ينجح الحزب في تحقيق النتيجة المرجوة فيها وهو ما يدل على المخاوف الكبيرة التي شعر بها الشعب التركي تجاه الأوضاع في البلاد...

 

لقد انخفضت العملة التركية وتراجع النمو الاقتصادي في البلاد التي كانت تحقق أعلى نمو بين البلاد الأوروبية في الفترة الأخيرة عقب الانتخابات الأولى ورغم حرض الرئيس رجب طيب أردوغان مؤسس حزب العدالة والتمية وزعيمه التاريخي, على تطبيق الدستور وإفساح المجال أمام تشكيل حكومة ائتلافية مع المعارضة العلمانية إلا أن غرور هذه المعارضة وحرصها على تحقيق مكاسب شخصية عقد الأمور وأدى لإجراء انتخابات مبكرة أعادت الأمور لنصابها....

 

إن أردوغان وحزبه حققا انجازا غير مسبوق في تركيا التي كانت على وشك الإفلاس قبل 12 عاما ومع ذلك تعرض الحزب وزعيمه لحملة مشبوهة من الصحافة الغربية والعلمانيين داخل وخارج تركيا ومن بعض الانظمة المجاورة التي تخشى من قوة تركيا مثل إيران ونظام بشار الأسد..

 

لقد هلل هؤلاء جميعا لنتائج الانتخابات الأولى واعتبروها نهاية لأردوغان وحزبه بينما كانت الحقيقة مخالفة لذلك تماما وهو ما أكدته نتائج الانتخابات المبكرة..لقد لقن أردوغان وحزبه الغرب قبل الشرق دروسا قوية في احترام إرادة الشعب والعمل لصالحه دون الخضوع لاعتبارات المصالحة الشخصية الضيقة ولم يغضب في المرة الأولى ويوجه إهانات لمن لم ينتخبه ويصمه بالجهل كما يفعل البعض من أدعياء "الديمقراطية والحرية" في عالمنا العربي رغم فشلهم الدائم في تحقيق القليل من انجازاته..

 

لم أندهش كثيرا من ردود أفعال بعض الأحزاب والقوى السياسية وبعض الأنظمة في المنطقة ولكن دهشتي كانت من ردود أفعال الغرب الذي بدا أنه يخشى من المارد المسلم الذي يمثله أردوغان فهو رئيس مسلم يعتز بدينه ويدافع عن قضايا المسلمين ويهاجم الغرب بشراسة عندما يضطهد الضعفاء ويرفض استقبال المهاجرين وأمام هذا فقد وضع بلاده في مصاف كبرى الدول عبر تنمية اقتصادية مميزة ووصل للحكم بانتخابات نزيهة وشفافة..لقد رحبت معظم الدول الغربية بالانتخابات التركية وهنأت الشعب ولكنها ـ باستثناء ألمانيا ـ لم تهنئ حزب العدالة والتنمية ولا أردوغان؛ فالممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني والمفوض الأوروبي المختص بسياسة الجوار يوهانس هان قالا في بيان إن المشاركة المرتفعة بالانتخابات "تؤكد أن الشعب التركي يدعم العملية الديمقراطية" وأكدا تطلع أوروبا "لتعاون وثيق مع الحكومة التركية المقبلة" وهو موقف يستبطن عدم الرضا بنتيجة الانتخابات, كما هنأت واشنطن بدورها الشعب التركي على المشاركة الكبيرة بالانتخابات، ولم تهنئ الحزب الفائز، ونددت بما زعمت أنه "ضغوطا" و"عمليات ترهيب" قالت إن صحافيين معارضين تعرضوا لها أثناء الحملة الانتخابية، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه مراقبو منظمة الأمن والتعاون بأوروبا في تقرير مشترك مع مجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي..

 

العجيب أن وكالات الأنباء الغربية توحدت في قراءتها لنتائج هذه الانتخابات، وسارت كلها في اتجاه اعتبار الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي "تكريسا لحكم الحزب الواحد، وسيرا بـ تركيا نحو مستقبل غامض" وهو أمر عجيب وكأن أردوغان يحكم بالقوة العسكرية دون إرادة الشعب أو كأنه دكتاتور شيوعي..

 

إن الغرب لا يستطيع توجيه اتهامات مشابهة لبعض الدول التي يسيطر فيها الحاكم على بلاده بالحديد والنار وبانتخابات واضحة التزييف لوجود مصالح معه وهو ما يشير لتناقض الغرب وانعدام موضوعيته..لقد أثبت حزب صاحب جذور إسلامية أنه قادر على قيادة دولة كبيرة وهامة والوصول بها إلى بر الأمان في رسالة واضحة لأصحاب الشبهات والقراءات المتخبطة والذين خرست ألسنتهم عن تحليل نتيجة الانتخابات بشكل موضوعي.