لماذا وقفت باكستان على الحياد، وتهافت خطابها
25 جمادى الثانية 1436
دـ أحمد موفق زيدان

أحسن وزير الأوقاف السعودي صالح بن عبد العزيز الشيخ حين سبق لقاءه مع المسؤولين الباكستانيين في إسلام آباد بلقاء الإعلام الباكستاني والفعاليات الدينية والثقافية، فالمعركة اليوم في باكستان وغيرها لم تعد على النخب السياسية التي اختزلت مشهد الحكم لعقود من الزمن، في ظل انتشار فطري لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وانتشار إعلام التواصل الاجتماعي الذي يقود حالياً السياسيين ويفرض عليهم كيف يتعاملون مع الأزمات، يُضاف إليه رياح التغيير العربي التي ضربت باكستان من زوايا مختلفة..

 

 


السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين لماذا وقفت باكستان على الحياد
، وهنا أجدني أغوص قليلاً في التاريخ الذي هو رحم الحاضر فإن قراءته قد تفك بعض الألغاز، تماماً كما قد يفكّ فهم الحاضر مآلاته ومستقبله، فباكستان الحكم وليس الشعب التي كانت الجزء الأهم في الامبراطورية المغولية تميزت بالوقوف على الحياد في الصراع الصفوي ـ العباسي، ثم الصفوي ـ العثماني، وأقول باكستان الحكم لأخرج وقوف الجنود الباكستانيين الذين كانوا جزءاً من الجيش البريطاني في حربه ضد الخلافة العثمانية 1914-1918، ثم تشكيل النخب الشعبية والدينية حركة الخلافة تأييداً للخلافة، ومن قبلها الدعم المالي السخي الباكستاني لإقامة خط الحجاز الحديدي وغيرها من المشاركات الشعبية التي تعكس تباين الحاكم مع المحكوم.

 

 

وتذكر كتب التاريخ أن من ضمن اشتراطات الامبراطور الصفوي على الامبراطور المغولي همايون حين دعم لاسترداد عرشه من شاه سوري  كان التزامه بعدم مبايعة الخليفة العثماني و لم يحد عنها لا هو ولا من أتى بعده ، ولا بد من الإشارة إلى أن الإمبراطورية المغولية ظلت على مدى تاريخها لقرنين ونصف القرن من الزمن إمبراطورية لا علاقة لها بالدعوة والتمدد العسكري خارج حدودها، ولذا تجدها انعزالية في تعاملها مع العالم الخارجي، وهو الأمر الذي شكل العقلية الباكستانية على ما يبدو، ولا ننسى دور المرأة الإيرانية إذ كان كثير من ملوك المغول متزوجين من فارسيات لعبن أدواراً كبيرة وضخمة في القصر المغولي لصالح الصفويين، يُزاد عليه اللغة الفارسية الرسمية المعتمدة  طوال  فترة الحكم المغولي للمنطقة.

 

      في العصر الحديث ومع نشوء باكستان كان الرئيس اسكندر ميرزا يحكم باكستان في مطلع الخمسينيات ونظراً لمذهبه الشيعي فقد طلب أن يدفن في إيران، وهو ما عكس علاقة حتى لمن هم في قمة الحكم مع إيران وحتى ما بعد الموت، وكانت زوجة شاه نواز والد ذو الفقار علي بوتو إيرانية، ونفس الأمر اختار ذو الفقار زوجته نصرت بوت الإيرانية الأصل، ويُتردد أن بي نظير بوتو حسب ما أعلنت مواقع إيرانية قبل موتها قد حصلت على الجنسية الإيرانية، كل ذلك لعب دوراً في تعزيز العلاقات بين البلدين..

 

 


الحرص الباكستاني منذ اليوم الأول على التوجه نحو جنوب آسيا
، وانضمامها إلى الأحلاف التي تخص منطقة جنوب آسيا كان تعزيزاً لتوجه الابتعاد عن المنطقة العربية  وابتعاداً نفسياً وجيوسياسياً عن هموم المنطقة العربية، وحين وقفت باكستان إلى جانب القضايا العربية فقد كان لأسبابها الخاصة، وليس كموقف يتسق مع العقلية والجيوبولتيك الباكستاني الذي حكمها لعقود، وهذه الأسباب إما لأنه يتسق مع الموقف والسياسة الأميركية كما هو الحال في أحداث أيلول بالأردن 1970،  أو في حرب الخليج 1991، ولكن بدا التباين بوضوح في الثورة السورية حين أبقت على السفارة السورية بإسلام آباد والتزمت الخط الإيراني في المواقف تجاه الثورة السورية، وتوجته بزيارة رسمية لمجلس الشيوخ الباكستاني للقاء طاغية الشام بشار أسد، وذلك بعد أن نال الوفد بركات زيارة القيادة الإيرانية، وبعد الشام زار الوفد العراق أيضاً، وأتبعت باكستان مواقفها المنحازة فعلياً لإيران  بالموقف من اليمن وهو موقف الحياد المعلن ، والحياد هنا يعني أقرب إلى الموقف الإيراني منه للموقف الخليجي ، فإيران لا تريد أكثر من أن تتم معادلة المتمرد الحوثي بالرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي..

 

 


استثمرت طهران خلال السنوات الماضية وبقوة في الإعلام والنخب الثقافية
، ومن لم توقعه إيران في بازارها بخطابها الطائفي الشيعي، أوقعته بخطابها الأقلوي الداعي إلى حماية الأقليات وهو خطاب يروق لكثير من النخب العلمانية المتكلسة والمحنطة على الطريقة الغربية، ومن أراد خطاب الأمة المسلمة والوحدة الإسلامية وفلسطين والاستكبار العالمي فله ذلك، وعليه فقد غزت طهران بشكل قوي الإعلام الباكستاني وتمكنت من السيطرة عليه بشكل غير مسبوق وهو ما قد يهدد الدولة الباكستانية في لحظة هي بحاجة إليه فإن عجز الجيش الباكستاني على  مواجهة مؤسسة إعلامية واحدة قبل سنة، وهي (جيو)، فكيف سيتعامل في لحظة ما مع  إعلام مسيطر عليه تماماً من قبل إيران وقد يصدق عليه ما كان يخاطب به الرئيس اللبناني شارل الحلو الصحافيين اللبنانيين حين يلتقيهم:" أهلا بكم في موطنكم الثاني لبنان."

 

 


أدركت طهران قوة الإعلام وتأثيره الناعم
، فهو أقل كلفة من شراء ذمم سياسيين يطالبون بأرقام فلكية مقارنة باستحقاقات إعلامية لا توازي الاستحقاقات السياسية، بينما واصلت الدول العربية سيراً على القاعدة القديمة في الاستثمار  بالسياسيين الذين يتلونون حسب الطلب كما حصل في دول عربية أخرى، وحين  تطلبهم  عند حاجة الصديق لهم فلا تجدهم، وقد يكونون في الصف الآخر، وكان وقوف كثير من الجماعات الإسلامية الباكستانية المصنفة إرهابياً إلى جانب اليمن والسعودية لافتاً بينما توارى السياسيون خلف الكلام المعسول الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في عصر الجوع للأصدقاء والحلفاء..

 

 

الآن لو بدأنا بتفكيك الخطاب الباكستاني وباختصار فإنه يدعو للحياد، وهذا يعني مساواة القاتل بالمقتول والمغتصب بكسر الصاد مع المغتصب بفتح الصاد، وبالتالي فهل نستطيع بناءً على هذه السياسة أن نقف على الحياد في قتال باكستان لمقاتلي طالبان أو متمردي البلوش وندعوها للحوار بشكل متساو بينها وبين هؤلاء المتمردين طبعاً ليس قبل أن يحتلوا إسلام آباد ويفككوا الجيش وأجهزة الدولة ويعيثوا فساداً أسوة بالحوثيين..

 

 


الفقرة الثانية في الخطاب الباكستاني قوله لو تعرضت أراضي المملكة للتهديد
، وهل هناك تهديد أعظم من وجود عملاء إيران على حدود المملكة  في خاصرتها الرخوة، وأكثر من 15 رحلة بين طهران وصنعاء الحوثيين، والبوارج الإيرانية تقترب من المياه السعودية، فهل هذا يعني أن وجود الهند وعملائها يحكمون ويسيطرون بالكامل على الجبهة الغربية لباكستان في خوست وجلال آباد وقندهار وكونار لا يُعتبر تهديداً، فلماذا قامت باكستان ولم تقعد لمجرد فتح قنصليات في هذه المدن؟

 

 


أخيراً تجريد الحليف من حليفه
، كما حصل مع باكستان، هو خسارة لها، التي لم تجد منذ قيامها  يوماً واحداً موقفاً إيرانياً إلى جانبها، وهي تدرك ذلك  تماماً، وعلى باكستان ألا تنسى أنها تضحي بأربعة ملايين باكستاني مقيمين في الخليج ويوفرون لها أكثر من 15 مليار دولار كتحويلات سنوياً، بينما يعرف القاصي والداني أن لا عمالة باكستانية في إيران ولا تحويلات ولا هم يحزنون إلا إذا كانت تحويلات من نوع آخر يعرفها صناع القرار ربما ....