هل ينهار الحزب الحاكم في تونس؟
28 جمادى الأول 1436
خالد مصطفى

عندما فاز حزب نداء تونس العلماني في الانتخابات الأخيرة ثم تمكن رئيسه من الفوز في الانتخابات الرئاسية تكلمنا عن أسباب ذلك في حينه وقلنا أن الحزب يضم خليطا غير متجانس ينذر بالتفتت وأن الهدف الرئيسي لتكوينه هو إزاحة الإسلاميين عن الحكم واستغلال حالة السعار ضد الإسلام السياسي والممولة من بعض الجهات الإقليمية في محاولة لإجهاض حلم الربيع العربي ولكننا في الحقيقة لم نتصور أن تندلع الأزمات داخله بهذه السرعة..

 

فقبل أن تستتب الأمور لمؤسس الحزب الباجي قائد السبسي في سدة الحكم وما يواجهه من تحديات كبيرة على الصعيد الأمني والاقتصادي بدأت الخلافات تعصف بالحزب صاحب الأغلبية البرلمانية والذي يسيطر أعضاؤه على عدد من المناصب الهامة في الحكومة ورئاسة الجمهورية....

 

بدأت الخلافات عندما تم الإعلان عن انتخابات الهيئة التأسيسية للحزب حيث قاطع عدد من أفراد الحزب وعلى رأسهم نجل الرئيس قائد السبسي ومجموعة من رجال الأعمال المحيطين به الانتخابات متهمين قيادات في الحزب بمحاولة السيطرة على القرار داخله وعزل بقية الأعضاء فما كان من هؤلاء الأعضاء إلا أن كشفوا عن محاولات لنجل الرئيس بالاستيلاء على الحزب وخلافة والده, منددين بمحاولة توريث القيادة, ومؤكدين على خطورة هذا الأمر على قوة الحزب وشعبيته في الشارع.. وقد تصاعدت الأزمة وسط تبادل للقصف بين الطرفين حتى وصل الأمر لتقديم بلاغات قضائية قبل أن يتدخل بعض الأفراد بمبادرة لمحاولة تهدئة الأوضاع وسط وعود من الطرفين بالحرص على تماسك الحزب والخروج من الأزمة...

 

من الممكن أن تهدأ الأمور هذه المرة داخل الحزب ولكن الأكيد أن هناك العديد من المرات القادمة التي لن تهدأ فيها الأوضاع بسهولة داخل هذا الكيان الهلامي المكون من فئات متعارضة المصالح والهوية الفكرية فبعضهم من اليساريين والبعض الآخر من الليبراليين كما يوجد بعض من رجال نظام بن علي وعدد من النقابيين ورجال الأعمال وكما ذكرنا سابقا فإن ما جمعهم هو معاداة الإسلاميين واستغلال تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية بعد الثورة من اجل الهجوم على حركة النهضة التي كانت تترأس الحكومة وقتها وبما أنهم وصلوا إلى ما يريدون فلم يعد هناك ما يجمعهم وهنا بدأت حرب المصالح والأيديولوجيات المختلفة والتي كانت بدأت في الظهور بالفعل عقب تشكيل الحكومة الجديدة احتجاجا من البعض على مشاركة عدد من الأحزاب فيها وعدم استئثار الحزب بها واعتراضا على وزير الداخلية بالتحديد من قبل البعض الآخر ..

 

إن حزب نداء تونس يحمل بداخله أسباب انهياره إن عاجلا أوآجلا فهو حزب قائم على محاربة الهوية الأصيلة للشعب التونسي وراوغ ودلس على الجماهير من اجل كسب المعركة الانتخابية الأخيرة وبمرور الوقت ستتكشف الحقائق الكاملة لهؤلاء المخدوعين الذين وضعوا رهانهم على الحصان الخاسر...لقد اندلعت ثورات كاملة في بعض البلدان من أجل محاربة التوريث في السلطة وتونس التي كانت على رأس بلاد الثورة في عالمنا العربي يأتي إليها حزب حاكم يريد توريث السلطة بداخله.. أليست هذه مهزلة حقيقية؟!...هذه الأزمة داخل حزب نداء تونس ستؤثر بالتأكيد على استقرار البلاد واستقرار الحكومة ومؤسسة الرئاسة حيث يتولى عدد من اعضاء الحزب مناصب مهمة فيها كما أن نجل رئيس البلاد طرف أصيل في هذه الأزمة, ولكن التأثير لن يكون بالحجم الكبير ـ كما يرى البعض ومن بينهم زعيم حركة النهضة ـ لأن هناك شراكة في الحكومة مع عدة أحزاب من بينها حزب النهضة كما أن التشكيلة الحكومية يغلب عليها التكنوقراط, ولكن الأوضاع السياسية بشكل عام في تونس والتركيبة الحاكمة في البلاد ستشهد على الأغلب تغييرات خلال الفترة المقبلة .