ليبيا في الذكرى 4 لثورة فبراير.. في عيون التونسيين
28 ربيع الثاني 1436
عبد الباقي خليفة

 ينظر التونسيون للوضع الليبي بمنظار مختلف عن رؤيتهم للأوضاع في دول أخرى، حتى وإن كانت عربية كما هو الحال في سوريا والعراق ومصر، وذلك ليس بسبب وجود ليبيا على الحدود الجنوبية فحسب، بل لوجود روابط اجتماعية واقتصادية وأمنية وغيرها تربط البلدين.

 

وقد زاد من قلق التونسيين استمرار الصراع داخل ليبيا، والذي انعكس سلبا على تونس في ظل وجود مؤشرات  تدخل خارجي في القطر الليبي بعد ذبح 21 قبطيا مصريا على يد ما يسمى بتنظيم" داعش" والذي لم يختلف التونسيون حول إدانته، وإن تباينت الآراء حول مصدره، وحول الحكم على التنظيمات المسلحة دون استثناء. ولا يجد المرء عنتا في الوقوف على انقسام تونسي حول ما يجري في ليبيا، ووجود اصطفاف آيديولوجي وسياسي مع هذا الطرف أو ذاك .

 


موقف الدولة التونسية:
الدولة التونسية وإن لم تبد اصطفافا كما هو حال دول جوار ودول عربية أخرى إلا أنها أكدت أنها معنية بحماية الحدود التونسية, وهذا ما أعلنه الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطنى المقدم بلحسن الوسلاتي، الذي أكد على أن الوحدات العسكرية مدعومة بوحدات الحرس الوطني والديوانة منتشرة بترتيبة دفاعية متكاملة على كامل الشريط الحدودي البري والبحري مع ليبيا من أجل تأمينه ومنع أي تهديد لسلامة التراب التونسي أو أي محاولة لإدخال أسلحة أو تسلل عناصر إرهابية للبلاد مع التصدي في المدة الأخيرة لكل محاولات تهريب السلع المدعمة من الدولة إلى ليبيا" الوضع فى ليبيا محل متابعة دقيقة من السلطات التونسية، وهناك طلعات جوية لمراقبة المجال الجوي والحدود البرية والبحرية لتونس تؤمنها مروحيات وطائرات حربية تابعة للجيش الوطني". وجاء هذا الإعلان بعد الضربة الجوية المصرية المركزة ضد أهداف تابعة لتنظيم ما يعرف ب الدولة الإسلامية  في ليبيا بعد يوم من نشر مقطع فيديو يظهر قيام التنظيم بذبح 21 مواطنا مصريا، اختلفت التقييمات في تونس، حول الجهة التي تقف وراءه.

 

موقف النهضة: أدانت جماعات وحركات ومنظمات إسلامية في تونس مقتل 21 مسيحيا مصريا ذبحا على يد تنظيم داعش في ليبيا يوم الاثنين 15 فبراير، وقال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية على صفحته الرسمية على فيسبوك: "تعازينا القلبية الحارة لأشقائنا في مصر عامة وإلى عائلات إخواننا الأقباط ضحايا الإرهاب الغاشم". وتابع "حفظ الله المنطقة من سرطان التطرّف والإرهاب ومن أخطار الفتن والتناحر.. الإسلام براء من هذه الوحشية والهمجية"."

 

ومن جانبه، قال رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان، نور الدين البحيري"عمل مرفوض"، مضيفا" نجد أن كل التصرفات التي تقوم بها داعش هي بروباغندا (دعاية) وهي تصرفات مرفوضة". وصدرت تصريحات من قيادات نهضوية في ذات السياق.
وكما سبق فإن علاقة تونس والتونسيين بليبيا لا تقف عند العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بل تتعداها إلى الأمنية، فهناك جماعات مسلحة تنسق مع بعضها من جهة ، وهناك تونسيون كما هو الحال في العراق وسوريا موجودون  مع تنظيمات ليبية ، وهناك ليبيون من أحزاب مختلفة يدخلون تونس ويخرجون منها ولم يخل ذلك من مشاكل كالتي تحدث عنها السفير التونسي السابق بليبيا رضا البوكادي، والذي يعد من كوادر حزب حركة النهضة، والذي تتوفر لديه معلومات مهمة للغاية عن الحركات  والمقاتلين في كلا البلدين، والتي جعلت البعض يوجه إليه بعض الإتهامات ومنها تدخله  لإطلاق سراح أحد القادة الميدانيين في ليبيا. وقال أن ذلك الليبي كان قد قدم إلى تونس باعتبار أن والدته تعالج بأحد المستشفيات بتونس وأنه عندما وصل إلى مطار تونس قرطاج حجز لديه أعوان الأمن خراطيش نوع 9 مليمتر وقد تبين أنه قائد ميداني وآمر كتيبة تعمل تحت إمرة رئاسة الأركان الليبية { قبل اندلاع الأحداث في ليبيا }.

 

 وتابع أنه بعد القبض على ذلك القائد الميداني اتصلت به وباعتباره سفيرا بليبيا رئاسة الوزراء الليبية ووزير الدفاع والمؤتمر الوطني العام وعرّفوا بهوية المقبوض عليه وأفادوا بأن مهمة ذلك القائد حماية آبار النفط الليبية بالجنوب الليبي، وحماية مصالح حيوية أخرى بحكم أن الكتيبة التي هو آمرها تعتبر أقوى كتيبة في ليبيا، فقام بمكاتبة رسمية واضحة أحالها إلى الحكومة التونسية.

 

وأضاف أن ملف آمر الكتيبة المذكور أحيل ساعتها إلى القضاء ونال حكما بالسجن مدته ستة أشهر تقريبا مع تأجيل تنفيذ العقاب البدني. وأن جهات لم يسمها، أكدت له لما كان سفيرا بليبيا أنه تم اعتقال أحمد الروسي المورط في قضية اغتيال شكري بلعيد، ولكن وبعد تدخل أطراف ليبية تونسية أطلق سراحه، أما بالنسبة لأبو عياض{ زعيم أنصار الشريعة في تونس} فقال أنه لم يتأكد من أنه أوقف ثم أطلق سراحه بعد ذلك، ولكن أخبارا وصلته مفادها أنه تم اعتقاله مدة ثلاث ساعات وبتدخلات من أطراف ليبية لديها علاقات خارجية ببعض الجهات أطلق سراحه.

 

وطالب بوكادي بفتح تحقيق برلماني ليقول فيه كل شيء فيما يتعلق بأحمد الرويسي، والديلوماسيين اللذين كانا مختطفين بليبيا ووليد الكسيكسي والصحفيين نذير القطاري وسفيان الشورابي{ لا يزالان في حالة اختطاف ولم يطلق سراحهما بعد، بل يعرف إن كانا قتلا أم لا } .
وأشار إلى وجود أطراف خارجية لا تريد لتونس أن تستقر، وأن هناك بالتالي تهديدات حقيقية على تونس ولا بد من التحرّك والقيام بعلاقات مع الأطراف الليبية جميعها لصدّ الخطر على ليبيا.
واعتبر أن " فجر ليبيا" ليس تنظيما إرهابيا مثلما روّج لذلك خليفة حفتر (الحامل لمشروع ثورة مضادّة حسب وصفه ) ومثلما يرى ذلك بعض المسؤولين التونسيين الذين يبنون آراءهم على "الفايس بوك" أو الرؤى الخاطئة، وهذا غير معقول حسب ما ذكره "بناء قرارت دولة على مجرد كلام فايسبوكي أو رؤى خاطئة".

 

مضيفا أن هنالك معارك دائرة بين فجر ليبيا وتنظيم الدولة" داعش" وكان من المفروض حسب رأيه قصف تنظيم الدولة في ليبيا وليس فجر ليبيا، ورأى أن ما يحصل في ليبيا مثل الذي يحصل في سوريا.
واعتبر محدّثنا أن من يعتبرون "فجر ليبيا" تنظيما إرهابيا "حمقى".

 

وكشف في سياق آخر أن "هناك تحرّكات مشبوهة لأجهزة مخابرات بصدد دعم التنظيمات الإرهابية في ليبيا، وهذا الخطر قادم إلينا من هناك ونحن نتفرج وكأن شيئا لم يكن بينما يجب أن يكون هناك تأطير وعلاقات وإستراتيجية كاملة نحن قادرون على بنائها في الجانب الليبي".

 

موقف مؤيد لحفتر: تسيطر قوات فجر ليبيا، التي دخلت في معارك ضد" داعش" وضد قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في آن واحد ، على 80 في المائة من الأراضي الليبية،وقد فشلت جميع المحاولات   التي بذلها حفتر للسيطرة على منطقة الحدود مع تونس من خلال القصف بالطائرات، وقد بدأ حاليا عملية تهدف إلى مواجهة تحالف "فجر ليبيا" المسيطرة على غرب البلاد. المناطق القريبة من الحدود التونسية القريبة من معابر "رأس جدير" و"ذهيبة" وهو أيضا المسيطر على جبال "ذهيبة" من الجانب الليبي حسب ما يوضحه العميد المتقاعد التونسي مختار بالنصر، في رده على سؤال بخصوص ما إذا كان الانتصار على"فجر ليبيا" سيكون ممكنا من خلال هذه العملية العسكرية " هذه المجموعات متمكنة من الجبال وهي تتحصن في المغاور وتستفيد من طبيعة المنطقة للاختباء خاصة إذا ما تعرضت إلى غارات جوية هذا ما يفسر عدم نجاعة المحاولات السابقة في القضاء عليها ولكن التوجه مباشرة إلى مواجهتها من خلال عملية ميدانية يزيد من احتمالات نجاح حفتر في فرض سيطرته على المنطقة."

 

كما أن "قوات حفتر تحظى بدعم عدد هام من القبائل إضافة إلى الجماعات المنشقة التي أعلنت ولاءها له ، كل ذلك إلى جانب تجميع القوة اللوجستية والميدانية وقطع الإمدادات والمواجهة على الأرض،و يرجح أن العملية ستنتهي بالقضاء على سيطرة تحالف "فجر ليبيا" على غرب البلاد".
وأشار العميد التونسي إلى أن الأمن والجيش التونسيين يحكمان تأمين الحدود التونسية .

 

"داعش" ليبيا": في ديسمبر الماضي أعلن الجنرال الأمريكي دافيد رودريغاز قائد القوات الأمريكية بإفريقيا "أفريكوم" أن ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" "داعش" يمتلك معكسرات تدريب شرق ليبيا. ومن خلال تلك التصريحات بدا أن إمكانية توسع "تنظيم الدولة" نحو ليبيا بات أمرا واقعا. خاصة مع خروج عدد من المقاتلين في ليبيا و تحديدا في درنة في استعراض عسكري رافعين أعلام التنظيم و ورود أنباء حينها عن إعلان درنة "إمارة إسلامية" وتطور الأمر إلى إعلان التنظيم "درنة" ولاية تابعة له.
أما في موفى الأسبوع المنقضي فقد تمكن عدد من المسلحين من السيطرة على عدد من المباني الحكومية في مدينة سرت الليبية من بينها مكاتب إدارية ومحطات إذاعية وتلفزية وقد بث هؤلاء المسلحون خطب زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي. كل ذلك دفع بعدد من الملاحظين بالقول أن تنظيم الدولة يسعى إلى إعلان سرت ولاية تابعة له أيضا.

 

وبذلك يتوسع التنظيم نحو وسط البلاد على اعتبار أن سرت تقع على بعد 500 كلم شرق العاصمة طرابلس. ولفرض نفوذه على المدينة أعطى المسلحون مهلة لقوات "فجر ليبيا" لترك مدينة سرت.

 

وإذا ما أعلنت سرت أيضا ولاية تابعة للتنظيم فإن ذلك يعني أن المرحلة التالية من العمليات العسكرية التي سيشنها حفتر إذا ما نجح في السيطرة على غرب ليبيا ستتمثل في العمل على تطويق المقاتلين التابعين لـ"داعش" والقضاء على نفوذه في البلاد، إلا أن تجارب الحرب السابقة، عمقت الشعور بأن خليفة حفتر ليس سوى ، دانكيشوت، عربي جديد.

 

ولا يعرف لماذا يحارب " تحالف فجر ليبيا" رغم أنه يواجه كل من خليفة حفتر، و"داعش" ولماذا تعطى الأولوية لدى الطرفين لحربه بالذات ؟.

 

الباحث بمعهد الدراسات العليا في جنيف وصاحب التقرير البحثي حول تهريب الأسلحة الصغيرة بين تونس وليبيا منصف قرطاس يرى بأنه "منذ سقوط نظام القذافي حدثت مجموعة من التغيرات على مستوى من يسيطر على ماذا في البلاد خاصة على المنطقة الواقعة قرب الحدود مع تونس". إذ لابد أن نفهم أن هذه الحدود تمثل مصادر هامة للتمويل والثروة لذلك و"ما إن سقط نظام القذافي حتى حاول عدد كبير من المجموعات المسلحة من إرسال رسائل قوية بأنها حاضرة في هذه المنطقة".بعض من هذه المجموعات حظيت بدعم من حكومة طرابلس التي كلفتها بحماية الحدود بالتعاون مع قوات الحرس الحدودي الليبي ولكن لم يكن لتلك القوات النظامية مقارنة بالمجموعات المسلحة القابلية الكافية لتحقيق ذلك في ذلك الوقت.

 

 

المجموعات التي تسيطر على المناطق المحاذية للحدود التونسية هي اليوم تحت سيطرة كتائب زوراة وهي كتائب مسلحة تسعى إلى حماية الزوارة بالأساس أما جبل نفوسة فهو تحت سيطرة الجماعات المسلحة في راس لانوف وهي مقربة من تحالف فجر ليبيا. وفي نهاية المطاف "الطرقات الرئيسية المؤدية إلى تونس من الجانب الليبي هي اليوم تحت سيطرة تحالف ، فجر ليبيا، المكون من قوى مختلفة من بينها إسلاميون ولكن ليس كل من ينتمي إلى فجر ليبيا هو من الإسلاميين، وهنا لابد من أن نكون دقيقين ونوضح أن فجر ليبيا يضم قوى مختلفة".

 

واليوم هنالك عديد القبائل في غرب ليبيا من المتحالفين مع "فجر ليبيا" والسبب في ذلك ليس آيديولجيا ولكن من أجل ضمان بقائها لأن هذه القبائل تدرك انه مع وجود المجموعات المسلحة في مصراطة ضمن قوات "فجر ليبيا" من المنطقي التحالف مع هذه القوات بدل الدخول في صراع معها. ولا يوجد في هذه اللحظة مجموعة مسلحة غرب ليبيا يمكنها أن تمثل خطرا حقيقيا على "فجر ليبيا"لأن قوتها مرتبطة بالتواصل داخل هذا التحالف وصمود هذا التحالف.
 فجر ليبيا تونس: انطلقت عملية "فجر ليبيا" في 13 يوليو 2014 م بعد شهرين من انطلاق الجنرال خليفة حفتر في عملياته في بنغازي وطرابلس. الهدف الذي أعلنته "فجر ليبيا" المكونة من عدد من الكتائب والمجموعات المقاتلة هو حماية "ثورة 17 فبراير" التي تحتفل بالذكرى الرابعة لها.

 

وتقاتل في صفوف "فجر ليبيا" في الغرب مجموعات متعددة من أبرزها : معظم الدروع وكتائب الثوار وكتائب "مصراتة." ويجد كثير من التونسيين ولا سيما الإسلاميين أنفسهم متعاطفين مع " فجر ليبيا" بينما يصطف اللائكيون مع" حفتر" والسلفية الجهادية، مع { داعش} وهذا الانقسام التونسي، حيال ما يجري في ليبيا، ليس استثناءا فالتونسيون كالعادة منقسمون على مختلف القضايا الإقليمية والعربية والدولية وفقا للانتماءات السياسية، لكن ما يمتاز به البعض منهم، هو ايمانهم بإمكانية التعايش مع الاختلاف لا سيما في ظل عدم مقدرة أي طرف على إبادة الآخر لو استطاع، أو هزيمته عسكريا، ويلوح هذا الطرف بحل " التوافق" لحل الخلافات بين الفرقاء في كل من تونس وليبيا، بل البلاد العربية والمشاكل الدولية العويصة، ويبدو أن هذا الحل هو الحل .