أبرز المحطات في تونس منذ الثورة وصولاً لانتخابات الرئاسة
27 صفر 1436
عبد الباقي خليفة

 أربع سنوات مرت على انطلاق الثورة التونسية المجيدة التي أنهت نحو 6 عقود من الظلم والإستبداد والفساد والمحسوبية والتغول على المجتمع وكتم أنفاس الأحرار ومصادرة الحريات وحتى القتل والتشريد.
في السنوات الأربع الماضية شهدت تونس تطورات متلاحقة في المشهد السياسي. سقط الديكتاتور، وارتج بناء الديكتاتورية ، لكنه لم يسقط بالكلية ، وظل البناء المتصدع تهديدا قائما حتى اليوم .

 

بعد نحو ستة عقود، منها 23 سنة من حكم المخلوع بن علي، تقف تونس اليوم على مفترق طريقين ، العودة إلى الاستبداد ، والقمع و تكميم الأفواه ، وسلب الحقوق، أو الإستمرار في بناء ديمقراطي تعددي، ينعم فيه الجميع بالعيش بحقوق متساوية ، ويستطيع المرء أن يقول فيه ما يشاء. وهو ما يلمسه التونسيون حتى الآن بأقدار متفاوتة من خلال إجراء انتخابات اتسمت بالكثير من المصداقية وإن كانت الظروف  والأجواء التي تمت في ظلها وسبقتها ورافقتها فيها الكثير من التجاوزات والكثير من العراقيل والكثير من محاولات الانقلاب والكثير من الدعاية السوداء ضد الثورة وضد من أتت بهم الثورة وتداعياتها إلى السلطة في السنوات الثلاث الأولى .

 

 وبالرغم من أن هذا التوجه مر بالعديد من العثرات والعقبات؛ فإنه توج في النهاية بإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية، هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس الحديث، بدءا بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 م مرورا بانتخابات مجلس نواب الشعب في 26 أكتوبر 2014 م  والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 23 نوفمبر 2014 م والتي شارك فيها فعليا 22 مرشحا ، والدورة الثانية في 21 ديمسبر والتي جمعت المرشحين محمد منصف المرزوقي ، والباجي قايد السبسي.

 

 عام 2010 م:
17 ديسمبر، محمد البوعزيزي (27 عاماً) بائع الخضار يقوم بإحراق نفسه في مدينة سيدي بوزيد (وسط) أمام المقر الإداري للولاية { المحافظة } بعد أن أفتكت منه قوات الأمن عربته ثم صفعه حسب بعض الروايات من قبل شرطية.
 18ديسمبر، انطلاق شرارة الإحتجاجات وخروج آلاف التونسيين ثائرين على تفاقم البطالة وتفشي الفساد وغياب العدالة الاجتماعية بدأ من محافظة سيدي بوزيد إلى القصرين (غرب) وسليانة (غرب) رافعين شعارات" الشغل استحقاق يا عصابة السراق" و" شغل حرية كرامة وطنية" وقد انتشرت الإحتجاجات لتصل تونس العاصمة.

 

عام2011 م:
4 جانفي { يناير} محمد البوعزيزي يفارق الحياة متأثراً بحروقه البليغة، والثورة تزداد اضطراما والمجتمع المدني ينخرط في معظمه في الثورة ويمثل إضافة نوعية للحراك الشعبي الثوري .
في 10 جانفي{ يناير} المخلوع بن علي يلقي خطابا موجها للشعب يصف فيه الثورة والثوريين بالعصابات الملثمة والعمل الإرهابي ونشر الإشاعات الكاذبة وافتعال الأخبار الزائفة .
في 13 جانفي { يناير} المخلوع يغير خطابه بعد وصول الاحتجاجات إلى نقطة اللاعودة ، ويعد بالاصلاحات ويردد مقولته الشهيرة غلطوني.
في 14 جانفي { يناير} المخلوع يغادر البلاد نهائياً ليستقر في المملكة العربية السعودية بعد نجاح الثورة الشعبية ، جزئيا حيث لم تشكل الأحزاب والفعاليات السياسية المشاركة في الثورة أو الملتحقة بها حكومة الثورة، ولم تعد نفسها مسبقا لما بعد انهيار رأس النظام وهروبه. ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ، فقد سده سدنة النظام السابق، ومن وقتها ، شرع في قبر الثورة ، وبشكل ممنهج ،وبمشاركة أطراف كان الصراع الآيديولوجي والمال محركها في الانخراط في مشروع الثورة المضادة بقيادة المنظومة السابقة.
في نفس اليوم 14 يناير، الوزير الأول { رئيس الحكومة سابقا } محمد الغنوشي يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة، بدعوة أطراف في الأمن، حسب شهادته.

 

 وفي15 جانفي { يناير}، رئيس مجلس النواب، فؤاد المبزع، يتولى منصب رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة عملاً بأحكام الفصل (57) من دستور عام 1959م، تلى ذلك تعليق العمل  بدستور 1959م وحل مجلسي النواب والمستشارين والمجلس الدستوري.
وفي 17 جانفي { يناير}، تم تشكيل حكومة وحدة وطنية شارك فيها عدد من وزراء حكومة ما قبل الثورة ومعارضين.
وفي 27 فبراير، رئيس الوزراء السابق محمد الغنوشي يعلن استقالته من منصبه.

 

وفي 7 مارس، الباجي قائد السبسي يشكل حكومة مؤقتة تعهدت بعدم الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011م، وإلى حد الآن لا يعرف من أتى به من الإرشيف ليشغل ذلك المنصب.
في 18 ماي { مايو} 2011 م أحداث الروحية الإرهابية أسفرت عن مقتل مقدم في الجيش هو الطاهر العياري، والرقيب وليد الحاجي.
في 23 أكتوبر2011 م تم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي فازت فيها حركة النهضة بالمرتبة الأولى (89 مقعداً) متقدمة بأكثر من 70 مقعدا على الحزب الذي يليها{ المؤتمر من أجل الجمهورية}.
وفي 12 ديسمبر2011 م، المجلس الوطني التأسيسي ينتخب "المنصف المرزوقي" رئيساً للجمهورية.
22 ديسمبر، المجلس الوطني التأسيسي يصادق على حكومة جديدة برئاسة حمادي الجبالي ( حركة النهضة) وبمشاركة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه "المرزوقي" وحزب التكتل من أجل العمل والحريات} بقيادة مصطفى بن جعفر الذي ترأس المجلس الوطني التأسيسي، الذي انتهت مهمته بعد انتخابات 26 أكتوبر 2014 م .

 

عام 2012 م:
في 2 فيفري { فبراير}، اشتباكات بين قوات الأمن وعناصر سلفية كانت تنقل أسلحة في منطقة بئر علي بن خليفة من محافظة صفاقس ومقتل إثنين من السلفيين.
 بعد فشل الأحزاب التي راهنت عليها المنظومة السابقة ، وبعد اعلان الباجي قايد السبسي في ديسمبر 2011 اعتزاله العمل السياسي وأن التونسيين لن يروا وجهه بعد ذلك التاريخ ، يعود الباجي للأضواء في 16 جوان { يونيو} معلنا عن رئاسته لحزب من بقايا المنظومة السابقة والعناصر اليسارية التي تحالفت معها تحت اسم "حزب حركة نداء تونس". بنى برنامجه على أساس الإطاحة بمنظومة 23 أكتوبر بما في ذلك الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي وحتى مشروع الدستور قبل المصادقة عليه.

في مطلع أوت { أغسطس } إنتهاء المجلس التأسيسي من إعداد النسخة الأولى لمسودة الدستور التونسي الجديد. في ظل حملة اعلامية مشككة في الدستور ومشهرة بتكاليفه المالية ومضامينه.
وفي 14 سبتمبر، تمت مهاجمة السفارة الأمريكية بمنطقة البحيرة شمالي مدينة تونس العاصمة من قبل محسوبين على التيار السلفي تسفر عن أعمال حرق وتخريب بمحيط السفارة ومقتل 4 من المهاجمين، وذلك خلال مظاهرة احتجاجية على نشر فيلم مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، في الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت العملية وفق مراقبين مخطط لها في إطار تصفية الثورة، ووصمها بالإرهاب، وتمثيلها خطرا على المصالح الغربية ، وقد انخرط فيها البعض عن دراية أوجهل أو تم استغلالها أبشع استغلال لتحقيق أهداف سياسية في مقدمتها واد الثورة ، والإطاحة بما تم وصفه بمنظومة 23 أكتوبر أي أول انتخابات بعد الثورة ،لا سيما وأن تحليلات أمنية تؤكد على أن نتائج أحداث 14 سبتمبر كان بالإمكان السيطرة عليها ، والحيلولة دون وصول" المتظاهرين"إلى السفارة الأمركية فضلا عن اقتحامها وحرق بعض محتوياتها.

 

وفي 7 أكتوبر، تم الإعلان عن تأسيس الجبهة الشعبية من قبل 11 حزباً من التيارات اليسارية والماركسية الراديكالية والقوميين بعثيين وناصريين، قبل أن تتآكل ولم يبق منها سوى 5 أحزاب متناحرة اليوم. وقد ساهمت في مشروع الثورة المضادة ولكن بعنوان مختلف وباسم انقاذ الثورة ويا للمفارقة.

 

في 12 ديسمبر، المجلس الوطني التأسيسي يصادق على القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.والتي عرفت تجاذبات واستقالات . وقد أشرفت الهيئة على الإنتخابات الأخيرة التي أحدثت تغيرا جذريا في المشهد السياسي التونسي.
شهدت سنة 2012 م تناميا في العمليات الإرهابية التي أربكت حكومة الترويكا ، ولا سيما حركة النهضة، وكانت العمليات الإرهابية ،أحداث بئر علي بن خليفة، ومواجهات فرنانة، وواقعة دوار هيشر، المعطى الأساسي في سقوط حكومتي الجبالي وعلي العريض.
وفي 21 ديسمبر أعلن وزير الداخلية السابق علي العريض عن وجود خلية لـ"تنظيم القاعدة" في منطقة الجبال المحاذية للشريط الحدودي الجزائري.

 

عام 2013 م:
ازداد الضغط على حكومة الترويكة،لإخراجها من الحكم بالدم ففي 6 فيفيري { فبراير} تم اغتيال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد المعارض (يسار)، شكري بلعيد، واندلاع احتجاجات اجتماعية في عدد من مدن البلاد طالبت باسقاط الحكومة، وتم توجيه تهمة الإغتيال لحركة النهضة على يد قيادات في الجبهة الشعبية، رغم أن النهضة كانت ولا زالت المتضرر الوحيد من ذلك الإغتيال والذي تلاه كما سيأتي، ولم تستفد منه سوى المنظومة السابقة والجبهة نفسها{ التدخلات الداخلية والخارجية ونتائج الإنتخابات مثلا }.
وكان من تداعيات عملية الإتيال المريبة استقالة حكومة الجبالي في 19 فيفري{ فبراير} كما سبق وخلفتها حكومة علي العريض، التي سرعان ما سيتم اسقاطها بعملية اغتيال أخرى.
ففي 13 مارس 2013 م صادق المجلس الوطني التأسيسي على حكومة برئاسة علي العريض (النهضة). وفي 25 يوليوتم اغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي، والمنسق العام للتيار الشعبي (قومي) محمد البراهمي أمام منزله لتبدأ بعدها موجة جديدة من محاولات اقتلاع ما الثورة وما نتج عنها، بأسماء كثيرة من بينها الثورة نفسها.

 

ومثلت هذه الموجة عدة تحركات ففي 27  جويلية{ يوليو} تم انسحاب 60 نائباً من المجلس التأسيسي ومطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط . رغم اعلان الحكومة التونسية آنذاك وعلى لسان علي العريض أن "أنصار الشريعة" تنظيم إرهابي محظور، وهو ما لم يسبق إليه الباجي قايد السبسي إبان توليه رئاسة الوزراء.

 

لم تتم الإستجابة لمطالب الثورة المضادة ومن انخرط فيها بعناوين مختلفة كما سلف، لكن الإرهاب كان حاضرا ليدفع حكومة الترويكة لتحقيق تلك المطالب في وقت لاحق ففي 29 يوليو2013 م قتل ثمانية جنود في جبل الشعانبي من ولاية { محافظة } القصرين (غرب) على الحدود مع الجزائر على يد مسلحين ينتمون لتنظيم أنصار الشريعة. مما اضطر رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، في 6 أوت {أغسطس} لتعليق  أعمال المجلس إلى حين إجراء حوار وطني بين جميع الأطراف السياسية. والذي أدى { الحوار} لتسليم السلطة إلى حكومة تكنوقراط.

 

ففي 23 أكتوبر، انطلقت أولى جلسات الحوار الوطني بين الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي تحت إشراف الرباعي الراعي للحوار الذي يتكون من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، ليتم لاحقاً تعيين المهدي جمعة وزير الصناعة في حكومة علي العريض رئيساً لحكومة المستقلين.

 

عام 2014 م:

 

في 2014 م حصل تقم كبير على صعيد الدستور والهيئات الدستورية، ولم يخلو من عمليات ارهابية دامية، وتغيرات في المشهد السياسي جعل تونس بين مفترق طريقين. ففي 9 جانفي{ يناير} تم تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات برئاسة شفيق صرصار، وتضم 9 أعضاء، ووكّلت لها مهمة تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل نهاية 2014م.

 

وفي 26 جانفي{ يناير} حقق المجلس التأسيسي أهدافه التي انتخب من أجلها حيث تمت المصادقة على الدستور الجديد لتونس بأغلبية الأصوات ،أكثر من 200 صوت من أصل 217 نائبا.
وقد أوجع هذا الإنجاز من يقفون وراء الإرهاب ففي 16 جويلية { يوليو} شهد جبل الشعانبي مأساة أخرى، كان ضحيتها  15 جندياً على يد مسلحين ينتمون لـ"تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي" في منطقة هنشير التلة بجبال الشعانبي بمحافظة القصرين (غرب).
انجاز آخر حققه المجلس ففي 28 جانفي{ يناير}، صادق المجلس الوطني التأسيسي على حكومة برئاسة مهدي جمعة الذي عينته هيئة الحوار الوطني بعد سلسلة من المداولات جمعت قرابة 90 حزباً سياسياً.

 

ثم انجازا آخر تحقق في 26 أكتوبر الذي كان موعد الانتخابات البرلمانية لمجس نواب الشعب التي تحصل فيها حزب نداء تونس (وسط) على 85 مقعداً، تليه حركة النهضة بـ69 مقعداً من إجمالي 217.
ثم الانتخابات الرئاسية التي شارك فيها فعليا 25 مرشحا وأفرزت مرشحين اثنين لخوض الدورة الثانية في 21 ديسمبر الجاري.

 

أنجزت الثورة التونسية ، الحريات العامة التي يلمسها الكثير من التونسيين، والدستور، والهيئات الدستورية، ومنها هيئة الحقيقة والكرامة، وهيئة الانتخابات، وهيئة الاعلام، وهيئة القضاء، والمحكمة الدستورية، والكثير من القوانين، لكن الاخلالات التي أشرنا إلى بعضها في هذه الدراسة المتواضعة، وضعف المردود التنموي الناتج في جزء منه لسياسة وضع العصا في العجلة التي اعتمدتها الثورة المضادة والدولة العميقة والحسابات الآيديولوجية الضيقة لبعض النخب جعل التجربة في مفترق طريقين ، العودة إلى الإستبداد ،أو المضي قدما في طريق الحرية والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة وبالتالي اعطاء انموذج في المنطقة والانموذج المرفوض من قبل المحيط و"الخليج" هو مربط الفرس أو رهان الشعوب، مقابل رهان الرفض المذكور.