رسائل جزار عصافير مدرسة بيشاور؟!
25 صفر 1436
دـ أحمد موفق زيدان

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم       ................      فأقم عليهم مأتما وعويلا

هذا البيت من الشعر الذي قاله أمير الشعراء أحمد شوقي قبل قرن ربما يلخص ما جرى بالأمس في بيشاور من اعتداء سبعة جزارين مدججين بالأسلحة والأحزمة الناسفة على مدرسة تضم أكثر من ألف طالب وطالبة عُزل إلا من أقلامهم ودفاترهم، هجم المسلحون كوحوش  لينشروا القتل والموت وسط أطفال أبرياء، فخلفوا وراءهم أكثر من 140 شهيداً وعشرات الجرحى ..

 

توقيت العملية مهم للغاية لتزامنها مع يوم سقوط دكا 16/ ديسمبر كانون أول من عام 1971 وهو يوم حزين  في العقل الجمعي الباكستاني، الذي يراه يوم تسبب في تمزيق وتشتيت البلد.

 

 وتجيء العملية التي تبنتها مجموعة طالبانية بقيادة ملا فضل الله في ظل انسحاب غربي من أفغانستان وإمكانية عودة طالبانية أفغانية قوية إلى هناك وسط توقعات بعودة الدعم الباكستاني لمواجهة الحلف الهندي ـ الإيراني ـ الروسي الداعم للحكومة الأفغانية الحالية، وهنا يجدر بنا أن نوضح بعض النقاط المهمة لفهم مسار ومساق ما جرى ويجري وربما ما سيجري في مقبل الأيام:

1- حركة طالبان باكستان لم تعد حركة موحدة وإنما تمزقت وتشتت وخرج منها كثير من الحركات والمجموعات احتجاجاً على ممارسات بعض المجموعات المنضوية تحتها والمصرّة على استهداف المدنيين، وللتذكير فإن الحركة هي عبارة عن تجمع لمجموعات غير متجانسة وغير مترابطة، ومع مقتل بيت الله محسود المؤسس لها عام 2008 بطائرة أميركية بلا طيار تراجعت الحركة كثيراً وتشتت، وزاد من تشتتها مقتل حكيم الله محسود العام الماضي بطائرة بلا طيار، وانفضاض مجموعات مهمة عنها، بل إن المجموعة الرئيسية التي شكلت الحركة هي قبيلة محسود بجناحيها" خالد سجنا، وشهريار محسود"، أعلنت خروجها من الحركة، وأتى خروج مجموعة جول بهادور التي تقاتل في داخل أفغانستان ليزيد من عزلة من تبقى في الحركة، حيث حضرتُ مؤتمراً صحافياً للشيخ صادق نور التابع لجول بهادور قبل أشهر في وزيرستان انتقد بشدة الحركة وقال نحن لسنا من الحركة ولا علاقة لنا بها وبأعمالها سابقا ولا مستقبلاً، وربما كان يتنبأ بما سيقع.

 

2- حركة طالبان باكستان الحالية تقتصر على مجموعة فضل الله الذي كان يقود المجموعات المسلحة في وادي سوات وفرّ  إلى أفغانستان ومتهم بالعلاقة مع نظام كابول وكذلك الهند عدوة باكستان، وقد أرغم أهالي أفغانستان أخيرا أتباعه على الخروج من مناطقهم بكونار الأفغانية احتجاجاً على ممارساتهم المتشددة بحق الأهالي، ولذا فإن الكثيريين يتهمون فضل الله بالعلاقة مع الحكومة الأفغانية والهند، ويستدلون الآن بهذا الهجوم الوحشي على مدرسة أطفال لا ذنب لهم إلا أن بعضهم أوليائهم في الجيش الباكستاني..

 

3- حركة طالبان أفغانستان أدركت منذ اليوم الأول حقيقة طالبان باكستان فلم تقبل بيعتها علناً وانتقدتها سراً ووجهت لها النصائح بوقف القتال في باكستان، ولذا فلم تؤيدها يوما بأي بيان أو تدافع عن سيرتها، ووصل الأمر إلى أن طالبان أفغانستان طلبت من مقاتلي حكيم الله محسود قبل مقتله أن يوقفوا عمليات القرصنة والخطف في أفغانستان وباكستان.

 

4- رسالة الجزار في مدرسة بيشاور تهدف إلى ضرب حركة طالبان أفغانستان في هذه الظروف التي انتظرتها منذ 13 عاماً، وذلك مع انسحاب القوات الغربية وإمكانية أن تملأ فراغ ما بعد الرحيل، وبالتالي فإن المزاج الشعبي الباكستاني الآن معاد لكل ما هو طالباني بغض النظر عن طالبان أفغانستان أو طالبان باكستان..

 

5- سيظل من المفيد التأكيد على أن أكثر من مليوني نازح قبلي نزحوا عن شمال وجنوب وزيرستان القبليتين، ويعيشون في ظروف صعبة جداً، وبعضهم مشرد منذ سنوات، واستمرار العمليات العسكرية ضدهم سيزيد من حالة الاحتقان وسط القبائل ضد الجيش والسياسيين ، ولذا فعلى الجيش والحكومة الالتفات إلى هذه القنابل الموقوتة والألغام التي قد تنفجر في أية لحظة..

 

6- المجزرة ستدفع الجيش الباكستاني والحكومة إلى التركيز على الوضع الداخلي وعدم التوجه إلى دعم حركة طالبان أفغانستان، فالمزاج الشعبي الآن بعد المجزرة يدعو إلى الانسحاب للداخل وعدم دعم هذه الحركات أفغانية كانت أو باكستانية، الأمر الذي سيتيح الفرصة الذهبية للحلف الآخر الممثل بإيران والهند وروسيا بدعم الحكومة الحالية والمحافظة على مكتسبات الوجود الغربي في أفغانستان حتى بعد انسحابه، مما سيلحق الضرر بطالبان أفغانستان.

 

7- الجماعات المسلحة في كشمير ستتضرر كثيراً من جرّاء هذه العملية لا سيما وأن المزاج الشعبي لن يفرق بين مجموعة مقاتلة وأخرى وإنما سيضع الكل في سلة واحدة، وسيندفع إلى الالتفاف حول الجيش الباكستاني الذي عاد من جديد كلاعب وحيد في السياسة الخارجية والأمن القومي تجلى ذلك بزيارة قائده راهيل شريف إلى أميركا، ولقاءاته مع كبار المسؤولين الأجانب الذين يفدون إلى باكستان، مع تراجع دور رئيس الوزراء لانشغاله بأزماته الداخلية، ووصل الأمر إلى أن يتخذ الجيش قرار التعاطي العسكري مع المسلحين بالأمس دون الرجوع إلى الحكومة المدنية..

 

8- حكومة بيشاور التي يديرها حزب الانصاف بزعامة لاعب الكركيت عمران خان عليها أن تتحمل جزءً كبيراً من المسؤولية، وهي التي انشغلت لأشهر باحتجاجات سلمية وقطع طرق وشل حياة اقتصادية في مدن باكستانية تسببت في خسائر مالية ضخمة للبلد على حساب تركيزها على الأمن والخدمات، وأتى تعليق عمران خان لاحتجاجاته المطالبة بإسقاط حكومة نواز شريف بالأمس ليطرح أسئلة وسط الباكستانيين هل كان التعليق ثمنه حياة 140 طفل؟!

 

9-  ما جري لا شك أنه عمل إجرامي ولكن لا بد من التنبه إلى أن الأزمة في بعض جوانبها سياسية وإنسانية وما لم تُعالج تلك الجوانب فإن الأزمة ستتناسل وتتوالد، ولا يمكن أن يبقى الجيش بمفرده في العملية العسكرية بينما الحكومة والاحزاب السياسية مشغولة بصراعاتها الحزبية ومصالحها بعيداً عن الاهتمام بأزمة النازحين والمشردين، وإعادة الإعمار والتوطين.

 

10-                    من المؤكد الآن أن حركة طالبان أو ما تبقى منها تدرك تماماً أنها كتبت الفصل الأخير من نهايتها، وما كان لها من شعبية محدودة قد تلاشت تماماً في ظل الإدانات والتنديدات الواسعة من أحزاب سياسية ودينية لها بسبب مجزرة الأمس، وهذا سيُصيب  حركة طالبان أفغانستان التي ترى أنها المستهدف بشكل غير مباشر..