تونس.. إلى أين؟
29 محرم 1436
خالد مصطفى

تشهد تونس بعد غد الأحد أول انتخابات رئاسية عقب الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي قبل ما يقرب من 4 أعوام, وتأتي هذه الانتخابات كآخر مرحلة من مراحل بناء الدولة بعد إقرار الدستور واختيار أعضاء البرلمان..

 

ويعول الكثيرون على التجربة التونسية كأول تجربة من تجارب الربيع العربي لا تشهد انعطافات حادة وتسير على حسب الخطوات التي اتفقت عليها القوى السياسية بعد الثورة دون تدخل مباشر من قوى خارجية أو من مؤسسة الجيش..صحيح أن المشهد التونسي يشهد تصاعدا لأنصار النظام القديم وعودة لبعض رجال حرس بن علي ورموز حكمه نتيجة لأخطاء عديدة ارتكبها الثوار خلال المرحلة الانتقالية والتآمر من قبل أنصار الدولة العميقة إلا أن التجربة بالجملة لم تفشل بعد في تحقيق ما يصبو إليه الشعب التونسي الذي خرج بالملايين لخلع بن علي وحاشيته..قد يعتبر البعض الباجي السبسي وحزبه المسمى بنداء تونس من زمرة بن علي ويرى أن فوزه بالانتخابات البرلمانية يعد انتكاسة للثورة ولكن لا يمكن أن ننكر أن السبسي حاول أن يقدم نفسه كمعارض لنظام بن علي حتى وإن لم يكن ذلك صحيحا وراهن على الاختلافات بين الثوار الحقيقيين والنغمة الرديئة التي أحياها بعض ضعاف النفوس والمتطرفين من العلمانيين بشأن التيار الإسلامي وأهليته للعمل السياسي وإمكانية نجاحه في قيادة البلاد وارتباطه بما يسمى "الإرهاب"...

 

كذلك لا يمكن أن ننكر أن الثوار ما زالوا في الميدان التونسي بقوة واستطاعوا أن يحصدوا عشرات المقاعد في البرلمان الجديد ولن يهنأ السبسي ولا غيره بالحكم دون مشاركتهم أو على الأقل رضاهم لأن عدم التوافق بين أي حكومة جديدة والمعارضة القوية التي أفرزتها نتيجة الانتخابات البرلمانية ستجعل مستقبل الحكومة في مهب الرياح...أقوى المرشحين للرئاسة هما الباجي السبسي زعيم حزب نداء تونس الذي كان يشغل أكثر من منصب وزاري خلال العهود السابقة والمنصف المرزوقي الرئيس المؤقت والمعارض المعروف لنظام بن علي والمحسوب على التيار الثوري, وحتى الآن ترجح استطلاعات الرأي أن تجمعهما الجولة الثانية الحاسمة ولا شك أن فوز المرزوقي يعد انتصار قويا للثورة التونسية وتوازنا في ميزان القوى حتى لا يجمع حزب السبسي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة معا وهو ما قد يعيد رجال العهد القديم بشكل كامل إلى الصورة ويجهض الكثير من طموحات الشعب التونسي الثائر...

 

لا يخلو المشهد في تونس من تدخلات إقليمية من دول الجوار وحتى من دول بعيدة مكانيا ولكن يهمها أن يظل الحكم في تونس بعيدا عن التغيير المأمول وهذه القوى بعضها يمتلك مالا وفيرا قد يؤدي إلى ترجيح موازين القوة لصالح السبسي وقد يحاسب بعض فئات الشعب التونسي المرزوقي على أخطاء المرحلة الانتقالية التي تولى الحكم فيها رغم انها ليست مسؤوليته وحده بل يشاركه فيها جميع القوى السياسية بما فيها السبسي وأنصاره وحلفاؤه...

 

حركة النهضة من جهتها وحتى قبيل الانتخابات بيومين تؤكد على خيارها بعدم تأييد مرشح ما بشكل رسمي تاركة الأمر بيد اعضائها يختار كل واحد منهم ما يراه مناسبا وهو قرار أراه ـ رغم تفهمي لمبرراته ـ خاطئا من حيث المبدأ ومن حيث السياسة أيضا.. أما من حيث المبدأ فلأن الانحياز للصف الثوري يجب أن يكون واضحا دون لبس أمام الشعب وأمام الثوار المخالفين لتوجهات النهضة والذين قد يرون أن النهضة تريد إمساك العصا من المنتصف وأن ما يهمها هو الوجود في الساحة بأي شكل كان وهذا قد يشكا عائقا في أي تحالف مستقبلي ضد الثورة المضادة, اما سياسيا فإن الرهان على الطرفين قد يؤدي لخسارتهما معا عكس ما قد يبدو للوهلة الأولى...

 

البعض قد يرى أن النهضة بقرارها ذلك أرادت أن تعفي المرزوقي من عبء التبعية لها وأن هذا قد يكون لصالحه في هذا التوقيت وهو أمر فيه نظر..إن معظم أنصار وأعضاء حركة النهضة ينحازون للمرزوقي كما وضح ذلك من المؤتمرات الانتخابية ولكن هناك رجال بن علي وأموال أنصاره والإعلام الذي يسيطرون عليه كل هذا يأتي في صف السبسي إلى حد كبير وبالتالي المعركة تبدو قوية وغير محددة المعالم حتى الآن والمأمول أن تعبر تونس هذه المرحلة بأقل قدر من الخسائر حتى تظل كما هي عروس الربيع العربي.