لا أريد في هذا المقال القصير أن أعرّف السياسة وأهميتها ودروبها ولكن لا بد من القول إن السعي نحو السياسة دون ربطها بالدين والأخلاق والتاريخ ، هو سعي مهلك ، وإذا كان من الخطأ الجسيم أن نثق بدجالين ممن يدعون مهنة الطب ، فمن الكارثة أن نثق بدجالين في السياسة ، لأن إدارة شؤون الناس من أصعب الأمور .
في السياسة لا تنفع الشكوى ولا ينفع التباكي على أحوالنا وأن الأعداء متكالبون علينا ، بل يجب أن نتعلم الدرس من نبي الله يوسف عليه السلام ، كيف كان ايجابياً وهو في السجن وكان مبادراً بتفسير رؤيا الملك ، ومبادراً حين دعا الذين معه في السجن الى التوحيد .
في السياسة يجب ألا نعيش حالة الخوف من المستقبل لأننا لا نثق في غيرنا ولا نثق بأنفسنا ونضخم من قصة المؤامرات ، وحتى لو كانت موجودة فهل نستسلم لها ؟ لماذا نتصرف وكأننا أقلية ، وكأننا محاصرون ، مع أننا أكبر كتلة حضارية في العالم . ولماذا لا يكون التخطيط على المدى البعيد كما هو على المدى القريب ، نطرح رؤيتنا في كل مكان لعلها تؤتي أكلها ولو بعد حين . ولماذا لا نقول ( لا ) لأننا مقتنعون بها , ولعلها تؤدي إلى ( نعم ) ايجابية بعد ئذ .
في السياسة لا بد أن نكون واقعيين ، ونعلم أن هناك دائماً فجوة بين المثال والتطبيق ( عدا فترة الراشدين ) والصحيح هو أن يكون شعارنا ( سددوا وقاربوا ) لأن أمر التغيير والتجديد ليس بالأمر السهل ، وذلك عندما نعلم من خلال التاريخ الحديث ما وقع لحركات تجديدية في القرن الثامن عشر ميلادي ، ثم إجهاض هذه الحركات ومجيء الاستعمار ، ثم انشغال الموجة الثانية من دعاة النهضة في الدفاع عن الاسلام أمام التغريب والعلمنة ، والصراع الذي نشأ بين هذين التيارين : الاسلامي والتغريبي ومن ثم كيفية اخراج الأمة المسلمة من هذا الخبط والخلط .
في السياسة ليست المشكلة في الاختلاف ، ولكن في الجهل بالطرق الصحيحة لمعالجة الاختلاف ، فما المانع من الحوار مع الأقرب فالأقرب ممن نختلف معهم لنتجاوز حالة التشرذم السياسي الواقع .
إن على الاسلاميين المواءمة بين موضوع الوطن والمواطنة وبين الفكر الأممي حتى لا يبقى هذا الانفصام الذي لا مبرر له ، فالقضية السورية الآن هي قضية داخلية وإقليمية وعالمية ، وأحد جوانب الحل هو أيضاً إقليمي وعالمي ، وهذا بحاجة إلى علاقات جبهوية بين المؤسسات والجماعات دون حساسيات شخصية . إن أي عمل جهادي أو قتالي لا بد أن يؤول في النهاية إلى عمل سياسي ( بالمعنى العلمي لكلمة سياسة ) يحقق مطالب الثورة ويستثمر كل الجهود العظيمة التي بذلت لصالح الإسلام والمسلمين ، ولا بد لمن يقود العمل السياسي أن يتنبه لخطورة ما يجري على الساحة السورية ، ولماذا هذا الاهتمام الغربي بما يسمونه ( الأقليات ) وإنه من الخيانة للثورة أن نعود بسورية إلى الوراء أو أن تتحول الثورة للمحاصصة الطائفية ( مثل لبنان ) وإنه من المهم أن لا يوجه هذه الثورة صاحب مال حسب رأيه ورغباته ، ولا أناس ضعفاء يرضون بالقليل ، ولا انتهازيون يتقنون فن تقديم الخدمات لأنفسهم . إن الشعب السوري وبرغم الجراح والمعاناة يأمل ويتطلع إلى قيادة علمية سياسية وعسكرية ، تدير الأمور بقدرة وذكاء دون تنازلات تؤدي إلى خسارة الجهود التي بذلت لاقتلاع الاستبداد ، قيادة يتمحور حولها الشعب لأنها تهتم بقضايا ه الجوهرية .
إن الربيع العربي لا يأتي بمجرد المظاهرات ولا بمجرد القتال ، بل لا بد من نخبة تقود العمل وتنير له الطريق ، نخبة ذات خبرة وإخلاص تحشد كل الطاقات وكل الأشخاص الغيورين الذين يكرهون الظلم والاستبداد . نخبة من الحكماء تستطيع تكوين الجبهات أثناء الأزمات . ولا ينفع هنا الانسحاب من الساحة لأنها لا تعجبنا في بعض مساراتها ، بل نفكر في كيفية دخولها بقوة وعلم ، وندفع الشباب المثقف لممارسة القيادة مدعوماً من الكبار ، ولا بد أن يأتي بعد ذلك السلم العادل والسلم الإيجابي بعد اشتداد المعارك ، فبعد بدر وأُحد والخندق كانت الحديبية ، وكان الفتح بانتشار الاسلام .