المصالحة الفلسطينية.. بين الأمل والواقع
12 رجب 1435
عبد الباقي خليفة

يجابه الفلسطينيون العدو الصهيوني، بصف متشرذم، يزيده الوهن العربي رهقا . إذ لا توجد استراتيجية موحدة للمواجهة مع الكيان الصهيوني بين الفصائل الفلسطينية التي تعود بعضها على جزء من الخراج الفلسطيني، يقدمه لها الكيان الصهيوني المهمين على فلسطين الأرض والشعب . وهناك ولاءات يتم المحافظة عليها بالرواتب التي يتلقاها الفلسطيني بصفته فلسطينيا، مواليا لسلطة رام الله ،أكثر من كونه مواطنا فلسطينيا. زد على ذلك الموقف من الكيان الصهيوني، وحدود الأرض التي يجب اعادتها للشعب الفلسطيني.

 

وفي المحيط العربي، هناك رغبة في التخلص من فلسطين كيفما اتفق. حتى لا تبقى مؤشرا على حال العرب في القرنين العشرين والواحد والعشرين. وهناك أنظمة تحرص على تصفية القضية الفلسطينية وتلتقي في ذلك مع موقف الكيان الصهيوني. لكنها لا تصرح بذلك، وسياساتها حيال القضية الفلسطينية تؤكد ذلك. علاوة على ميل لفصيل فلسطيني على حساب فصيل آخر بل عداء على أساس فكري وسياسي.

 

والمحيط العربي، يستلهم مواقفه ليس من حساباته الضيقة جدا فحسب، بل من المزاج الغربي، الذي يدور في فلكه، ويرى في ذلك كياسة، طالما أوراق اللعبة بيده ، بل قرارها السياسي، وثرواتنا الطبيعية. فالغرب يرفع شعار" اسرائيل وجدت لتبقى" ويقدم للكيان كل الدعم، ويتدخل في سياسات الدول لصالح استراتيجيته في المنطقة، ويفرض أجنداته ، ويهدد ويتوعد كل من يمسها من قريب أو بعيد . ولذلك يحمي الجور ، ويغض الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان في الدول التي يحكمها من يرضى عنهم ، في حين يرفع سوط الديمقراطية وحقوق الانسان والحصار الاقتصادي والسياسي والعدوان الاعلامي ضد كل من يقف حجر عثر أمامه.

 

من هذا المنطلق يجب النظر لمسألة المصالحة بكثير من الحذر والترقب ، إذ أن صراع الوجود لم يعد لدى كثير من أنظمة الجوار، والمربع العربي، مع الكيان الصهيوني، بل مع الحركات الاسلامية، وفي مقدمتها حماس.

لقد بدأ التنصل من اتفاق المصالحة على مستوى فتح، بتصريحات محمود عباس، التي أشار فيها إلى أن الحكومة الفلسطينية المقبلة ستعترف ب" اسرائيل" مما حدا بقادة حماس للتأكيد على موقفهم الثابت من الكيان الصهيوني، الذي يجني الاعترافات بوجوده دون اقراره بحق الشعب الفلسطيني بالعيش فوق أرضه، بل في حدود 1967 م. وعندما تمت الإشارة في اتفاقية أوسلو في 13 سبتمبر 1993 م إلى اعتراف منظمة التحرير بالكيان الصهيوني مقابل اعتراف الكيان بالمنظمة وليس فلسطين ،علق المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد على ذلك بالقول" منظمة التحرير الفلسطينية حولت نفسها من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء نفس الحفنة من الأشخاص في القيادة". وكان من المفروض أن تبدأ مفاوضات الوضع الدائم، بعد ثلاث سنوات ،أي في سنة 1996 م ، لكن شئ من ذلك لم يحدث ، وحدث ما توقعه البعض من أن اتفاقية أوسلو التي وقعها محمود عباس، ستكون غطاءا للاستيطان في القدس والضفة وتوسيع المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة . وتم طي صفحة المفاوضات من أجل القدس، وحق العودة، في حين تم تفعيل التنسيق الأمني، والتحكم في المعابر، وفي كميات السلاح المسموح بها لقوات الشرطة الفلسطينية التي سمح بها اتفاق أوسلو. في حين ظلت الحدود الفلسطينية التاريخية وحتى الأوسلية تحت سيطرة الكيان الصهيوني .

 

لذلك يتساءل الكثيرون عن مغزى تصريح محمود عباس، بأن " الحكومة الفلسطينية القادمة ستؤكد الاعتراف باسرائيل". وما إذا كانت رسالة طمأنة للكيان وللولايات المتحدة الأمريكية التي توجست من اتفاق المصالحة، أو حفظ خط الرجعة والنكوص عن الاتفاقية ، حيث ترفض حماس والجهاد الاسلامي، وبعض المنظمات الفلسطينية الاعتراف المجاني بالكيان الصهيوني. في حين يستمر التضييق الأمني، والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني. وكانت الاجراءات الامنية والتنسيق مع الكيان الصهيوني، قد أفشل محاولات سابقة للصلح بين فتح وحماس بعد حسم 2007 م .

 

حجم الشكوك المتبادلة بين فتح وحماس كبير، والوضع الاقليمي يشجع فتح على استمرار سياسة التخابث، في حين تريد حماس المصالحة، ولكن على أسس متينة، تضمن استمرار الوهج النضالي الفلسطيني، ويحمي الشعب الفلسطيني من الغدر، ومن الانقلاب على حقوق الشعب الفلسطيني، ولا سيما القدس وعودة اللاجئيين والتعويض، وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، وليست دولة أوسلوا التي وقفت عند غزة أولا وأخيرا.

 

وإذا كان تشكيل الحكومة، وضعت في طريقه عراقيل الشروط التي تحدث عنها عباس، وأشارت إليها الادارة الأمركية ، وورفعها الكيان الصهيوني، في حين أطلق الجوار الفلسطيني العنان لوسائل الاعلام التابعة له للنيل من حماس وسبها واتهامها . ولئن كان تشكيل الحكومة بين فتح وحماس صعبا ،فإن الوصول إلى تفاهمات كبيرة حول الملفات الفلسطينية العالقة أكثر صعوبة .

 

حماس خلفيتها اسلامية، وفتح علمانية . حماس ترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني وفتح معترفة به منذ اتفاقية أوسلو. فتح تقول إن الحكومة الجديدة ستعترف بالكيان الصهيوني، وحماس تنفي، وواشنطن تضعه شرطا لاستمرار المساعدات. فتح تتعاون مع الاجهزة الامنية للكيان الصهيوني وفق اتفاقية أوسلوا وحماس تعتبره خيانة عظمى. فتح تجد نفسها عاجزة عن اجبار الكيان الصهيوني، على وقف الاستيطان الذي تعاظم في السنوات الأخيرة، وأصبحت عارية أمام الشعب الفلسطيني بدون أي رصيد. وحركة حماس تواجه الحصار، الذي ازداد قتامة منذ نحو العام، وكلاهما يرى في التقارب مع الطرف الآخر بعض الاستراحة، لكن هل يترك المتآمرون على الشعب الفلسطيني فتح وحماس يلتقيان على أرضية مشتركة، بما يخدم المصالح العليا للشعب الفلسطيني؟ .
المعطيات المتوفرة تؤكد بأن الكيان الصهيوني، والادارة الأمركية، ودول الجوار التابعة، لا ترغب في المصالحة، ومصالح هاته الأطراف من وجهة نظر شخصية ومصالح سلطوية بحتة ليست مع المصالحة الفلسطينية الفلسطينية. وهناك جهات فيئوية، وأسرية، وسلطوية مستفيدة من الانقسام الفلسطيني، إضافة لمصالح الكيان والادارة الأمركية التي تبدو أكثر انحيازا من ذي قبل للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة .

 

في الجوار الفلسطيني، تبارت وسائل البروباغندا السوداء، في تشويه حركة حماس، بكلام انشائي مرسل، واصفة سياستها،بأنها " حماقات" و" تصرفات غير مسؤولة" و"أخطاء قالتة" وإساء بالغة للقضية الفلسطينية" { هكذا بدون أي أدلة أو حيثيات} وبعد هذه المقدمات والمقبلات الممجوجة تأتي المباركة للاتفاق" نأمل بكل الصدق في نجاح اللقاءات والمحاولات الجارية بهدف الوصول إلى المصالحة الفلسطينية"ثم طبقة أخرى من السباب لحماس"الجرائم الدنيئة التي ارتكبتها حماس ضد ... الدولة والشعب في السنوات الماضية"{؟؟؟؟؟} هكذا نجد الجوار الفلسطيني معاد لحماس، ومعبر عن انحيازه وعدم حياده ، معتبرا انتصار حماس على محاولات استئصالها في 2007 م " انقلابا دمويا غادرا" {أي والله } قامت به ضد السلطة الفلسطينية . كما لم تكن حماس قد فازت في الانتخابات سنة 2006 م وكما لم تكن مشكلة للحكومة الفلسطينية المنتخبة والشرعية، ولكن ماذا تفعل مع أناس يسمون الديمقراطية ديكتاتورية وانقلابا ويسمون الانقلاب ديمقراطية وشرعية .

 

وإذا كان هذا موقف الجوار الفلسطيني، فإن واشنطن والكيان الصهيوني، بدأتا أكثر وضوحا، فقد أكدت الادارة الأمريكية على إن" الولايات المتحدة الأمريكية ستضطر لإعادة النظر في مساعداتها للفلسطينيين إذا شكلت منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها فتح حكومة موحدة مع حركة حماس" وأن " أي حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم بنبذ العنف والاعتراف بدولة اسرائيل وقبول الاتفاقات السابقة والالتزامات بين الطرفين".